الحروب والتوسع الإستعماري طريق أردوغان لتعويض خسائره الإنتخابية
خسارة أردوغان للانتخابات البلدية وتراجع اقتصادي شمل معظم القطاعات
وعاد الجدل بين تركيا والولايات المتحدة حول المنطقة الآمنة التي ترغب تركيا في إنشائها بعمق يتراوح بين 20 و30 كيلو متر مما يعني مواجهة حتمية بين الجيش التركي وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن.
حلم أتاتورك
منذ العشرينيات الميلادية من القرن العشرين الماضي طرح مؤسس تركيا الجديدة كمال أتاتورك خارطة (تركيا الكبرى) وهي تشمل أجزاءا من تركيا اقتطعتها سوريا والعراق بحسب الحلم التركي.
وتمتد المنطقة الجغرافية من حلب السورية وحتى كركوك العراقية كمسافة طويلة تمثل عمق الامتداد التركي بحسب دستور 1920، وتشمل هذه المنطقة محافظتي الموصل وأربيل في شمال العراق.
ولم يغب البعد التاريخي عن الأتراك في تاريخهم، حيث نشبت خلافات حدودية متواصلة مع الجارتين العربيتين الجنوبيتين لتركيا، فضلا عن خلاف مزمن مع سوريا حول لواء إسكندرون الذي ظل على مدار ثمانية عقود محل خلاف بين أنقرة ودمشق.
أردوغان .. العثماني
وبرغم أن رجب طيب أردوغان وصل إلى السلطة السياسية في 2003 على أكتاف الإسلاميين إلا أنه ظل وفيا للقومية التركية، فالرجل الذي يجيد دائما استخدام الخطاب السياسي بين القوميين والإسلاميين في تركيا وجد في الأزمات السياسية العراقية والسورية فرصا مواتية تم توظيفها للمشروع التركي الكبير.
ومنذ سقوط النظام العراقي في أبريل 2003 تزايدت بشكل ملحوظ التدخلات العسكرية في شمال العراق بحجة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني، وعلى الرغم من أن الحكومة السورية كانت قد اضطرت إلى إبعاد القيادي الكردي عبدالله أوجلان من أراضيها وتمكن السلطات التركية من القبض عليه في 1998 إلا أن تركيا لم تتراجع في تدخلاتها بشمال العراق وسوريا.
ما قبل الزلزال الانتخابي
وفتحت الأزمة السورية منذ اندلاعها في 2011 فرصة مواتية للأتراك في لعب أدوار كبيرة بدأت من استغلال ملف اللاجئين السوريين وابتزاز الاتحاد الأوروبي ثم فتح المعابر الحدودية لمرور مئات المتطرفين من الأراضي التركية إلى الداخل السوري.
وتطلب ظهور “داعش” تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة للقضاء على التنظيم الإرهابي، وفيما دعمت واشنطن قوات سوريا الديمقراطية كقوة عسكرية كردية لمواجهة تنظيم “داعش”، اعتبرت أنقرة هذه القوات خطرا عليها فقامت بالدخول إلى الأراضي السورية وفرض أمر واقع في مدينة عفرين، وذهبت أنقرة إلى تعيين حاكم تركي على المدينة، ورفعت علمها على مؤسساتها.
وفي الانتخابات البلدية التركية تلقى حزب العدالة والتنمية ضربة عنيفة بخسارته المدن الكبرى في تركيا وصعد إلى الواجهة السياسية حزب الشعب الجمهوري ذو التوجه القومي.
وسبقت خسارة أردوغان للانتخابات البلدية تراجع اقتصادي شمل معظم القطاعات، وسجلت الليرة التركية تراجعات تاريخية أكدت فشل سياسات أردوغان وضغطت على حزب العدالة والتنمية ودفعت بالناخبين الأتراك للتصويت لمصلحة القوميين على حساب العدالة والتنمية.
وتمثل الخسارة الانتخابية نقطة تحول تهدد مساعي الرئيس أردوغان السياسية، ونتيجة الأزمات الحادة سواء مع الولايات المتحدة بشأن صواريخ إس 400 أو السجل الحقوقي الذي يقف حائلا أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وكذلك أزمة التنقيب على الغاز في شرق البحر المتوسط، أخرج الرئيس أردوغان من حقيبته ورقة المنطقة الآمنة في الشمال السوري.
وتسعى تركيا إلى المنطقة الآمنة بالتفاهم مع الولايات المتحدة كمدخل للتوسع الجغرافي الذي يؤمن فيه القوميين الأتراك، وتقتضي الخطة التوسع في داخل تراب سوريا وفرض منطقة آمنة (مؤقتة) كتكتيك مرحلي نحو توسع يشمل تسع محافظات سورية (حلب والحسكة ودير الزور والرقة وحماة وحمص واللاذقية وإدلب وطرطوس)، في حين تشمل خارطة التوسع في العراق محافظات (الموصل ودهوك، وأربيل، والسليمانية، وكركوك، وصلاح الدين).
ويراهن الرئيس التركي على استخدام ورقة المنطقة الآمنة خلال خطاباته الانتخابية التي ستركز على الأبعاد القومية لكسب أكبر قدر من الشعب التركي الذي سيكون أمام خطابات قومية من جميع المتنافسين سواء أردوغان أو غيره ممن سيعملون على استقطاب الناخب التركي.
ولم يكن حديث أردوغان عن “تركيا الكبرى” في معزل عن نوايا التوسع الجغرافي التي تعتزم تركيا زيادة التحرك فيه خلال المرحلة المقبلة باتجاه المنطقة الآمنة والتي ستحمل عدة عناوين منها مكافحة الإرهاب وتوفير ممرات للاجئين، لكنها في واقع الأمر تحضير حقيقي نحو الدخول في مواجهة الأكراد ضمن الفوبيا المستدامة واستغلالها كورقة انتخابية رابحة.