الحكومة الأفغانية تعرض على طالبان الإرهابية تقاسم السلطة
قال مصدر من فريق مفاوضي الحكومة الأفغانية المجتمعة في قطر مع حركة طالبان الإرهابية، الخميس، أن كابول عرضت على الحركة تقاسماً للسلطة مقابل وقف أعمال العنف في البلاد.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته “نعم، قدمت الحكومة عرضا عبر الوسيط القطري. الاقتراح يسمح لطالبان بتقاسم السلطة مقابل وقف العنف في البلاد”.
وتعقد الحكومة وحركة طالبان الإرهابية محادثات متقطّعة منذ أشهر في العاصمة القطرية. لكن مصادر مطّلعة أشارت إلى أن المفاوضات تتراجع مع تقدم طالبان في ساحة المعركة.
السيطرة على عشر عواصم ولايات
وسيطرت الحركة على عشر عواصم ولايات في غضون أسبوع من المعارك، ولم تستبعد مصادر استخباراتية أمريكية أن تستولي على العاصمة الأفغانية في غضون ثلاثة أشهر.
وشنت طالبان الإرهابية هجوماً شاملاً على القوات الأفغانية أوائل أيار/مايو، مستغلة بدء انسحاب القوات الأجنبية الذي من المقرر أن يكتمل بحلول نهاية آب/أغسطس. وقد سيطرت الحركة على مناطق ريفية شاسعة، خصوصا في شمال أفغانستان وغربها، بعيدا من معاقلها التقليدية في الجنوب.
والخميس اقتربت أكثر فأكثر من العاصمة كابول بعدما سيطرت على مدينة غزنة الاستراتيجية الواقعة على بعد 150 كلم في جنوب غرب كابول، في أعقاب اجتياحها معظم النصف الشمالي من البلاد. وغزنة هي أقرب عاصمة ولاية من كابول يحتلها المتمردون منذ أن شنوا هجومهم.
وتقدّمت طالبان بوتيرة سريعة في الأيام الأخيرة. وفي أسبوع واحد، سيطرت على عشرة من أصل 34 عاصمة ولاية أفغانية، سبع منها في شمال البلاد، وهي منطقة كانت دائما تتصدى لهم في الماضي.
وتنتشر القوات الأجنبية في أفغانستان منذ نحو عشرين عاما، بعد غزو قادته الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. لكن هذه القوات بدأت الانسحاب في الأشهر الأخيرة.
وتسود مخاوف من أن يؤدي انسحاب هذه القوات إلى إضعاف القوات الأفغانية، لا سيما في غياب المؤازرة الجوية لعملياتها الميدانية.
أخطار سياسية جديدة على جو بايدن
وبشأن قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، توقعت صحيفة “نيويورك تايمز” أن يثير التقدّم العسكري الكاسح لحركة طالبان في كافة أنحاء البلاد، بشكل أسرع ممّا كان متوقعاً، “أخطاراً سياسية جديدة” للرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي كان يأمل أن يكون صاحب الفضل في إنهاء إحدى “الحروب الأبدية” للولايات المتحدة.
عندما أعلن بايدن، خطته لسحب القوات الأميركية من أفغانستان، قبل 4 أشهر، كان الوضع مختلفاً، وأظهرت استطلاعات للرأي وقتها، أن الأميركيين يدعمون إنهاء مشاركة بلادهم في حرب دامت عقدين، وباتت “أهدافها غامضة”، لكن الأمر قد يتغير الآن بعد تقدم طالبان في استعادة السيطرة على البلاد.
يأتي ذلك فيما باتت مدينة غزنة، التي تبعد 150 كيلومتراً عن كابول، عاشر عاصمة ولاية تسيطر عليها “طالبان” خلال أسبوع، فيما ترجّح تقديرات استخباراتية أميركية أن تصل الحركة إلى العاصمة الأفغانية في غضون شهر إلى 3 أشهر.
واعتبرت السفيرة الأفغانية لدى الولايات المتحدة، أديلا راز، أن انسحاب القوات الأميركية من بلادها كان “سريعاً” بشكل أحدث “عواقب وخيمة”، فيما نددت السفارة الأميركية في كابول بـ”إعدام طالبان للقوات الحكومية المستسلمة”.
وذكرت “نيويورك تايمز” أن المسؤولين الأميركيين يسابقون الزمن الآن، لإجلاء أفغان ساعدوا الجيش الأميركي، وقد يكونون هدفاً لانتقام طالبان، مشيرة إلى أنهم يناقشون احتمال إجلاء 4 آلاف أميركي يعملون في السفارة بكابول.
وأضافت أن احتمال تحقيق الحركة نصراً، إضافة إلى أخطار جديدة يواجهها الأميركيون وحلفاؤهم في أفغانستان، قد تدفع الأميركيين، الذين لم يبدوا اهتماماً كبيراً بأفغانستان في السنوات الماضية، إلى مراجعة آرائهم، خاصة إذا ضخّم الجمهوريون فكرة فشل الولايات المتحدة واستسلامها.
مشاهد سايغون
في هذا السياق، قال بريان كاتوليس، وهو خبير في السياسة الخارجية في مركز التقدّم الأميركي الليبرالي، إن “الجميع قلقون من تكرار مشاهد سايغون”، في إشارة إلى الإخلاء الفوضوي للسفارة الأميركية في عاصمة فيتنام الجنوبية، في أبريل 1975، عندما تشبّث فيتناميون محبطون بدعامات مروحيات مغادرة، إثر سيطرة القوات الشيوعية على المدينة.
وأضاف كاتوليس، أن تركيز الأميركيين لا يزال منصباً على مسائل محلية، مثل فيروس كورونا المستجد والاقتصاد، مستبعداً أن يعبأوا كثيراً بشأن استيلاء طالبان على مدن غير مألوفة بالنسبة إليهم، مثل قندوز.
واستدرك، “الأمر يمكن أن يتغيّر. إذا تواصلت سلسلة فظائع في أفغانستان، فقد يتسرّب ذلك إلى الوعي العام، كما حدث بشأن العراق، في عامَي 2013 و2014″، بعد الهجوم الذي شنّه تنظيم “داعش” إثر انسحاب القوات الأميركية.
بايدن أكد، الثلاثاء، أنه “ليس نادماً” على قراره بسحب القوات الأميركية من أفغانستان، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة واصلت دعم حكومتها وقوات الأمن. واستدرك: “عليهم القتال من أجل أنفسهم”.
وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولين في إدارة بايدن، أعربوا، مرات عدة، عن أملهم أن تتمخّض المفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية عن “حلّ سلمي”، “لا يرقى إلى إعادة إمارة الحركة في كابول”، لكن احتمالات نجاح المفاوضات تتضاءل سريعاً.
المغامرات العسكرية الخارجية
ولحسن حظ بايدن، انقلب أعضاء جمهوريون كثيرون في الكونجرس على المغامرات العسكرية الخارجية، وأيّدوا خروجاً كاملاً من أفغانستان، التزم به الرئيس السابق دونالد ترامب، للمرة الأولى العام الماضي، عندما أبرم اتفاق السلام مع طالبان الإرهابية. وبموجب الاتفاق، أوقفت الحركة هجماتها على القوات الأميركية، وأجرت محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية.
كان ثمة توافق بين ترمب وبايدن والرأي العام الأميركي، إذ أظهرت استطلاعات للرأي طيلة سنوات، أن عدداً كبيراً من الأميركيين يدعمون الانسحاب من أفغانستان، فيما أيّدت الأغلبية إما خروجاً كاملاً، وإما الإبقاء على حضور أميركي ضئيل. ولكن في وقت تبدو فيه الحكومة الأفغانية أكثر عرضة للخطر، كثف جمهوريون انتقاداتهم للرئيس الديمقراطي.
وقال السيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، إن “الواقع كان واضحاً أمام الجميع، باستثناء أبرز مسؤولي إدارة بايدن”، في إشارة إلى تحذيرات سابقة بأن “طالبان” قد تهزم سريعاً قوات الأمن الحكومية الأفغانية. وأضاف: “من اختيارهم الغريب لـ11 سبتمبر، كموعد نهائي رمزي (للانسحاب من أفغانستان)، إلى غياب أي خطة ملموسة، يبدو أن قرار الإدارة ارتكز على التمنّي، وليس أي شيء آخر”.
أما السيناتور الجمهوري بن ساسي فاعتبر أنه “لا أحد يجب أن يزعم أنه مندهش لنصر طالبان، بعدما تخلّينا عن شركائنا الأفغان”. ولفت إلى “ديناميكية سياسية معقدة”، يفي من خلالها بايدن بوعد قطعه ترمب، قائلاً: “ساعدت قواتنا حلفاءنا بشكل مثير للإعجاب، لكن الإدارتين، السابقة والحالية، اختارتا التخلّي عن القتال”.
عودة تنظيم “القاعدة”
واعتبرت “نيويورك تايمز” أن عزاء مسؤولي إدارة بايدن في مواجهة هذه الانتقادات، قد يتمثل في استبعاد أن يشارك ترمب في تلك الهجمات، إذ جعل انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان مسألة جوهرية في حملته الانتخابية عام 2020، وضغط على الجنرالات لتسريع خروج تلك القوات، ولكن من دون جدوى.
وجدّد ترمب دعمه الخروج من أفغانستان، في أبريل الماضي، عندما هاجم النائبة الجمهورية ليز تشيني، واصفاً إياها بأنها “حمقاء من دعاة الحرب… ترغب في البقاء في الشرق الأوسط وأفغانستان لـ 19 عاماً آخر، دون أن تأخذ في الاعتبار الصورة بشكل كامل.. روسيا والصين”.
وفي هذا الصدد، قال ريتشارد فونتين، المدير التنفيذي لمركز الأمن الأميركي الجديد، والذي كان مستشار السياسة الخارجية للسيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين، “إذا كان ترامب المرشح الجمهوري مرة أخرى (لانتخابات الرئاسة)، أعتقد بأنه سيجد صعوبة في انتقاد بايدن لتنفيذه خطة أعدّها ترامب”. واعتبر أن الرئيس السابق “لم يفتح الباب فحسب” لانسحاب من أفغانستان، بل “فرض الأمر في شكل لم يحدث سابقاً”.
فونتين الذي يعارض انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، لفت إلى أن أخطاراً سياسية وأمنية كبرى لا تزال محدقة ببايدن، مشيراً إلى أن الدعم الداخلي للخروج من أفغانستان لم يكن قوياً إطلاقاً، ولم يرقَ إلى التظاهرات الضخمة التي عارضت حربَي فيتنام والعراق.
ووصف احتمال استيلاء “طالبان” على السلطة، ثم عودة تنظيم “القاعدة” إلى البلاد، بأنه سيكون عبئاً كبيراً على بايدن. وتابع: “تُظهر استطلاعات الرأي أن معظم الأميركيين يريدون مغادرة أفغانستان، لكنها تبيّن أيضاً أن سؤالهم عن أهدافهم في السياسة الخارجية، أو الأمن القومي، سيدفعهم غالباً إلى تصنيف منع هجمات إرهابية على الولايات المتحدة في المرتبتين، الأولى أو الثانية، وسيدرجون إخراج أميركا من عمليات عسكرية في الخارج، في مرتبة أدنى بكثير”.
إدارة ضعيفة
وذكرت “نيويورك تايمز” أن أبرز مساعدي ترامب، الذين يقودون غالباً هجمات سياسية على بايدن، مكبّلون أيضاً في قدرتهم على قلب الأحداث في أفغانستان ضد الرئيس. فمايك بومبيو، الذي حضر بوصفه وزيراً للخارجية، مراسم توقيع الاتفاق بين واشنطن و”طالبان الإرهابية” في الدوحة، هاجم مرات إدارة بايدن، متهماً إياها بالضعف في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية.
رغم ذلك، وصف بومبيو، في حديث هذا الأسبوع لقناة “فوكس نيوز”، انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان بأنه “الشيء الصحيح الذي يجب فعله”. وأضاف، بلغة عكست تصريحات بايدن أخيراً، أن “هذه هي معركة الأفغان الآن”، علماً أن بومبيو يفكّر في ترشيح نفسه للرئاسة عام 2024.
وأشارت الصحيفة إلى أن مؤيّدين بارزين للانسحاب العسكري من أفغانستان، يستبعدون أن يثير الأمر تداعيات سياسية بالنسبة إلى بايدن، مشيرين إلى أن قراره كان يتمتع بتأييد واسع من الحزبين.
فشل عقدين من الحرب والاحتلال
ونقلت عن كيت كايزر، مديرة السياسة في مجموعة “انتصر دون حرب”، المناهضة للتدخلات العسكرية، ترجيحها أن “يرى الجمهور الأميركي ما يحدث الآن، بكل ما ينطوي عليه من مأساوية وقلق، باعتباره انعكاساً لفشل عقدين من الحرب والاحتلال في أفغانستان”. وشددت على “أهمية أن نتذكّر أن السبب الذي دفع الجمهور إلى تأييد الانسحاب العسكري من أفغانستان والعراق، هو أنه يعتقد بأن هاتين الحربين لم تكونا سوى خطأ وفشل”.
وأعربت كايزر عن قلق من أن “أعضاء في مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن، فهموا درس العراق على أن الانسحاب الأميركي سيثير فوضى”، وسيسارعون للضغط من أجل تدخل أميركي جديد.
ولم يستبعد كاتوليس ممارسة ضغوط من أجل عودة الأميركيين إلى أفغانستان، بعد سنوات على قرار الرئيس السابق باراك أوباما بإعادة إرسال قوات إلى العراق، على مضض، بعدما بدأ “داعش” باعتقال رهائن أميركيين وإعدامهم.
ورجّح أن يتطلّب هذا السيناريو حصول أمور سيئة جداً، مثل قتل أميركيين أو مسؤولين بارزين في الحكومة الأفغانية، علماً أن “طالبان” أقدمت، بعد استيلائها على كابول للمرة الأولى، في عام 1996، على اعتقال الرئيس آنذاك محمد نجيب الله، وقتله، وتعليقه من برج، إثر ضربه.
وأضاف كاتوليس أن “الناس يهتمون الآن أكثر بإصلاح الجسور والطرقات”، معتبراً أن “أفغانستان الآن بعيدة عن أنظارهم وأذهانهم”.