الحكومة التركية تتلاعب بمعدلات البطالة
أكرم أوناران
البيانات التي أعلنها معهد الإحصاء التركي، تشير إلى أن معدلات البطالة في شهر مايو الماضي بلغت نحو 12.8 بالمئة، أي أن هناك حوالي 4.157 مليون عاطل، لكن المشكلة قد تكون أكبر من ذلك بكثير.
إذا أمعنا النظر في بيانات معهد الإحصاء فسوف ندرك وجود تناقض ملحوظ، لأنها تضم أرقاما تثير العديد من علامات الاستفهام. مصطلح إجمالي القوى العاملة، يفترض أن يعني أعداد الأشخاص الموجودين في سوق العمل.
وهذا يعني إما أن يجدوا وظيفة وينضموا إلى الأيدي العاملة المسجلة في السجلات أو أن يزيد عدد العاطلين عن العمل في حالة تعذر حصولهم على فرصة عمل.
والآن دعونا نلق نظرة على بعض الأرقام. فعدد السكان في الفئة العمرية التي تزيد على 15 عاما، وفق آخر بيانات معهد الإحصاء بلغ 61.342 مليون شخص في مايو الماضي بزيادة 771 ألف شخص عما كان عليه قبل عام.
وتشير بيانات المعهد إلى أن أعداد القوى العاملة ارتفعت في مايو بنحو 152 ألفا لتصل إلى حوالي 32.274 مليون شخص، أي أن نحو 152 ألف شخص فقط دخلوا سوق العمل من إجمالي النمو السكاني البالغ حوالي 771 ألف نسمة في تلك الفترة. فهل يمكن تصديق هذا؟
دعونا نقارن ذلك بما حدث في السنوات الماضية حيث تشير بيانات المعهد إلى أن 561 ألف شخص دخلوا سوق العمل في الفترة بين مايو 2017 ومايو 2018 من إجمالي زيادة السكان البالغة 790 ألف نسمة، أي نسبة 71 بالمئة من زيادة السكان.
وعند دراسة بيانات السنة السابقة نجد أن النسبة كانت تبلغ 82 بالمئة، فلماذا تراجعت نسبة من دخلوا سوق العمل بين مايو 2018 ومايو 2019 إلى 20 بالمئة فقط من الزيادة السكانية، بينما لم تكن تقل عن 70 بالمئة في السنوات الماضية؟
ويعني ذلك حسابات مريبة لا تظهر العدد الفعلي لمن يدخلون سوق العمل من أجل عدم إظهار معدلات البطالة الحقيقية. لا شك أن انخفاض الالتحاق بالقوى العاملة يعود إلى أحد أمرين؛ إما أنهم لا يسعون للحصول على فرصة عمل أو أنهم لا يرغبون في العمل من الأساس.
ويمكن أن تتراجع نسبة الالتحاق بسوق العمل لأسباب أخرى، مثل فقدان الأمل في الحصول على فرصة وظيفية، أو بلوغ مستوى رفاهية يجعلهم لا يحتاجون في كثير من الأحيان إلى العمل من الأساس.
لكن نظرة إلى بيانات مؤسسة العمل التركية تكشف وجود زيادة كبيرة في أعداد العاطلين عن العمل المسجلين في المؤسسة في العام الماضي. فقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل الذين سجلوا أسماءهم في شهر مايو الماضي بنسبة 59.5 بالمئة بمقارنة سنوية ليصل إلى حوالي 4.084 مليون شخص.
ثم ارتفع عدد العاطلين المسجلين في شهر يونيو إلى 4.417 مليون شخص بزيادة سنوية نسبتها 68.5 بالمئة وهو ارتفاع قياسي غير مسبوق. كما ارتفع في يوليو بنسبة 51.2 بالمئة بمقارنة سنوية.
نستنتج من البيانات أن المواطنين في سن العمل، يبحثون بشكل مكثف عن فرص العمل ويسجلون بياناتهم لدى مؤسسة العمل التركية. وهذا ينفي أي حديث عن فرضية عدم رغبتهم في العمل.
وعند استبعاد فرضية أن يُعرِض أشخاص عن طلب العمل بزعم ارتفاع مستوى الرخاء الاقتصادي، سيكون من الصعب تبرير الانخفاض الحاد في الالتحاق بسوق العمل، حيث تفند بيانات مؤسسة العمل التركية بيانات معهد الإحصاء. وتكون الفجوة في مجموعة الأشخاص، الذين لديهم استعداد للعمل، لكنهم بلا أمل في العثور على فرصة عمل.
وبالإضافة إلى ذلك هناك العمال الموسميون والأشخاص المشغولون بالأعمال المنزلية والأشخاص الذين في مرحلة التعليم والتدريب والمتقاعدون، وغير القادرين على العمل وغيرهم، هؤلاء لم يتم تصنيفهم ضمن العاطلين عن العمل.
لقد زاد عدد السكان غير الملتحقين بالقوى العاملة من 28.297 مليون شخص في مايو من العام الماضي إلى 28.916 مليون شخص في مايو الماضي بزيادة قدرها 619 ألف شخص. وفي المقابل تظهر البيانات نفسها وجود زيادة سنوية قدرها حوالي 217 ألف شخص، وذلك مقارنة بالفترة السابقة.
وهذا يعني أنه في حين سجل مُعدّل الالتحاق بالقوى العاملة انخفاضا حادا العام الماضي، على العكس من السنوات السابقة، تضاعفت أعداد غير الملتحقين بالقوى العاملة في تركيا بمقدار ثلاثة أضعاف، مقارنة بالسنوات السابقة كذلك. إذن ما الفائدة التي ستعود على الدولة من انخفاض الالتحاق بسوق العمل؟
الإجابة ببساطة، إن أمرا كهذا سيعطي الانطباع بأن نسبة البطالة قد انخفضت كذلك؛ لأن ارتفاع أعداد الملتحقين بالقوى العاملة في البلاد، مع انخفاض فرص العمل، يعني ارتفاع نسبة البطالة.
لكن حين يتم إدراج جزء من السكان، ممن هم في سن العمل، ضمن الأعداد غير المدرجة في القوى العاملة، بدلا من إدراجهم ضمن الأعداد المدرجة في القوى العاملة، حينها سوف تبدو معدلات البطالة أقل مما هي عليه في الواقع.
في ظل الظروف العادية، هناك 152 ألفا فقط من أصل 771 ألف شخص، ممن بلغوا سن العمل موجودون بالفعل في سوق العمل، ويبحثون عن وظائف، في حين لا يوجد أي تفسير لعدم قيام النسبة الباقية بالبحث عن العمل، أو عدم رغبة هؤلاء الأشخاص في العمل من الأساس.
في المقابل تُظهر بيانات مؤسسة العمل التركية بوضوح أنهم يبحثون عن عمل. وفي هذه الحالة كيف يمكننا تفسير الانخفاض الحاد في الالتحاق بالقوى العاملة؟ وعلى الجهة الأخرى كيف نفسر الزيادة الكبيرة في عدد السكان غير العاملين؟
إن السؤال، الذي يطرح نفسه حتما هو هل يكمن سرّ التراجع في معدلات البطالة من حوالي 14 بالمئة إلى نحو 12.8 بالمئة إلى تغيير مريب في الإحصاءات؟ ينبغي على معهد الإحصاء التركي أن يزيل كافة الشكوك بتقديم تفسير مقنع لهذا التضارب في الأرقام، وإلا فإن التساؤلات والشكوك ستزداد بشأن تدخل الحكومة لتزوير البيانات المتعلقة بانضمام العاطلين عن العمل إلى قائمة الحاصلين على وظائف.