الرئيس التونسي لن يسمح لاتحاد الشغل أن يكون “قوة فوق الجميع”
الرهان على الإضرابات سيقود البلاد إلى سيناريوهات خطيرة
قال مراقبون، أن الرئيس التونسي قيس سعيد يساوي بين المكونات الاجتماعية، وأنه لن يسمح لقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، بأن تبدو كأنها فوق الجميع أو وصيّة على الدولة، كما أنه حدد دورها بشكل واضح من خلال تشريكها في اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يعني أن مقترحاتها لن تتجاوز البعد الخاص بالنقابة مثل مناقشة أوضاع العمال وإصلاح المؤسسات الحكومية، دون المرور إلى البعد السياسي.
وقد كشف الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي عن أن الرئيس قيس سعيد قد تمسك بآليات الحوار التي طرحها كبوابة لمشاركة الجميع، بما في ذلك اتحاد الشغل، في خطوة قال مراقبون إنها بمثابة صدمة للطبوبي وبقية قيادات الاتحاد الذين يريدون المشاركة في الحوار الوطني وفق شروطهم ومن موقع قوة على عكس بقية القوى الاجتماعية التي تم استدعاؤها للحوار.
ونقل موقع صحيفة “الشعب نيوز” (تتبع اتحاد الشغل) عن الطبوبي قوله أمام الهيئة الإدارية للاتحاد الاثنين إن الرئيس سعيد أعلمه بسير الأمور في إطار ما كان قد أعلن عنه من قرارات تتعلق بالحوار، وإن الرئيس قيس سعيد “شدد على تمسكه بالحوار والمسار وفق الصيغة التي تم الإعلان عنها”.
التكتم على تفاصيل اللقاء
وقال المراقبون إن رسالة الرئيس سعيد التي كشف عنها الطبوبي، بعد أن تم التكتم على تفاصيل اللقاء الذي جمعهما الأحد، تظهر بشكل واضح أن قيس سعيد قد حدد موقفه سلفا بأن المشاركة في الحوار تتم وفق الشروط والمقاييس التي وضعها الرئيس التونسي بنفسه، وليس الشروط التي سعى الطبوبي إلى فرضها والتي تمهد لفرض الاتحاد أجندته في المرحلة القادمة مثلما سبق أن فعل ذلك من بوابة الحوار الوطني سنة 2013 ونال بفضله جائزة نوبل للسلام في 2015.
ويحرص الاتحاد على لعب دوره كاملا في المشهد السياسي على أساس أنه “أقوى قوة في البلاد” وفق توصيف أنصاره؛ حيث سبق أن اقترح خارطة طريق للإصلاحات، وعرض قيادة المفاوضات تحت إشراف قيس سعيد، لكن الأمر لم يسر بالشكل الذي أراده بالرغم من أنه نأى بنفسه عن المعارضة التي تقودها حركة النهضة وجعل نفسه ضمن “الطريق الثالث”.
وقطع الرئيس سعيد الطريق أمام مساعي الطبوبي بإعلانه عن خارطة طريق واضحة والإشراف بنفسه على تنفيذها مع انتقاء مساعديه في ذلك.
مواجهة مع أجهزة الدولة
وقالت مصادر تونسية مطلعة إن تلويح قيادة الاتحاد بخوض سلسلة من الإضرابات ردا على فشل مسار الحوار مع قيس سعيد خطوة غير محسوبة العواقب وقد لا تتماشى مع مصالح الاتحاد ووضعه المريح بعد ثورة 2011، محذرة من أن خوض سلسلة من الإضرابات خلال الأزمة الحادة التي تعيشها تونس سيعني آليا الدخول في مواجهة مع أجهزة الدولة التي تعمل على حماية الاستقرار.
وأشارت هذه المصادر إلى أن هذا التصعيد سيحول الاتحاد من شريك اجتماعي يفترض أن تقوم علاقته مع الحكومة على الحوار والتفاوض إلى حزب سياسي يستخدم مختلف الوسائل لفرض أجندته، لافتة إلى وجود مجموعات حزبية داخله فشلت في أن تفرض نفسها على الرئيس سعيد كحليف تتحدث باسمه، وأنها تسعى الآن إلى التصعيد عبر الاتحاد لفرض شروطها عليه.
سيناريوهات خطيرة
ويلفت المراقبون إلى أن الاتحاد يدرك أن المبالغة في المراهنة على الإضرابات والاحتجاجات قد تقود إلى سيناريوهات خطيرة على البلاد ومستقبل النقابة نفسها، وأن الاتحاد كان في السابق يستمد قوته من موازنة الوضع مع الإخونجية ممثلين في حركة النهضة، لكن الوضع تغير اليوم حيث لم يعد لهؤلاء وزن شعبي وسياسي، علاوة على أن الأوراق التي بيده مثل الإضرابات لا يمكن أن تجدي نفعا، وأن أفضل طريقة للحفاظ على وضعه هي التمسك بالحوار، وخاصة أنه تبين أن قيس سعيد لا يتراجع ولا يأبه للضغوط، ما يجعل الإضرابات في نظره بمثابة إعلان عن المواجهة وليس فقط مجرد ورقة للمناوشة كما يريدها الاتحاد.
وقال الاتحاد الاثنين إنه سيقاطع حوارا “شكليا ومعروف النتائج” حول الإصلاحات السياسية والاقتصادية دعا إليه الرئيس سعيد الذي يستعد لإعادة صياغة دستور جديد.
وأضاف الاتحاد أن الهيئة الإدارية -وهي أعلى سلطة قرار فيه- وافقت على تنظيم إضراب عام وطني احتجاجا على تجميد الأجور والوضع الاقتصادي السيّء، في خطوة يُتوقع أن تفتح مواجهة مع قيس سعيد وتضع الاتحاد في أصعب اختبار.
وقال الطبوبي عقب اجتماع للهيئة الإدارية للمنظمة إن “الاتحاد دائما مع ثقافة الحوار، ولكن الهيئة ترى أن ما صدر في المرسوم بشأن الحوار ودوره الاستشاري لا يرقى إلى حل المعضلة التي تعيشها تونس اليوم”.
وأصدر سعيد مرسوما، معتمدا على صلاحياته التشريعية والتنفيذية بعد حل البرلمان وتعليق العمل بالدستور، يخص تكوين “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة” يرأسها رجل القانون الصادق بلعيد ومكلفة باقتراح مشروع دستور جديد.
كما يتضمن المرسوم تكوين لجان أخرى استشارية في القانون والشؤون الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب لجنة خاصة بالحوار الوطني تضم ممثلين عن المنظمات الوطنية. ولا يتضمن إشارة إلى دور أو مشاركة الأحزاب السياسية، بما في ذلك الأحزاب المؤيدة للتدابير الاستثنائية.
موقف الاتحاد من التدابير الاستثنائية
وأيد اتحاد الشغل قرارات سعيد يوم الخامس والعشرين من يوليو، ومن بينها إعلان التدابير الاستثنائية المستمرة حتى اليوم، لكنه يعترض على انفراد الرئيس بتقرير مصير البلاد ويطالب بوضع سياسة تشاركية.
وتابع الطبوبي في تصريحه للصحافيين “نطمح إلى حوار تشاركي فعلي قادر على أن يخرج البلاد من المنزلقات”، داعيا إلى استبعاد منطق “المغالبة أو تجاهل المكونات الرئيسية الفاعلة في البلاد من تنظيمات سياسية ومدنية واجتماعية”. وأضاف الطبوبي “أقول لرئيس الجمهورية: التنازل والمراجعات في الاتجاه الإيجابي من أجل مصلحة الوطن هما من شيم الكبار”.
من جهته قال المتحدث باسم الاتحاد سامي الطاهري “نرفض أي حوار تحدد فيه الأدوار من جانب واحد وتستبعد منه القوى المدنية والسياسية الوطنية”.
وأردف “نعتبر الحوار الذي دعا إليه قيس سعيد غير قادر على إخراج البلاد من أزمتها، بل سيعمقها ويطيل أمدها إلى حد تفكيك أوصالها”. وقال الطاهري إن موعد إضراب أعضاء الاتحاد العام التونسي للشغل العاملين في الخدمات العامة والشركات الحكومية سيعلن في وقت لاحق.