الرئيس التونسي يتوعد بالكشف عن الخيانات والوعود الكاذبة
إخونجية تونس يتجنبون السيناريو الأخطر على مستقبلهم السياسي
اتهم الرئيس التونسي قيس سعيّد، الأربعاء، أطرافاً سياسية بـ”الخيانة ومحاولة التحايل على الدستور” دون أن يسميها، وأضاف سعيد بالقول: “سيأتي اليوم لأتحدث بكل صراحة عن الخيانات والاندساسات والغدر وعن الوعود الكاذبة”.
وأشار سعيّد في كلمة عقب تأدية الحكومة الجديدة برئاسة هشام المشيشي اليمين الدستورية، إلى أن هناك الكثير من المصاعب والأزمات التي “يتم افتعالها في تونس”، مضيفا: “تابعت بالأمس أعمال جلسة منح الثقة (للحكومة). تابعت من لم يتردد في كلمة الحق، وتابعت أيضا من كذب وادعى وافترى”.
وتابع: “هناك دائما رجال صادقون ثابتون إذا ائتمنوا لم يخونوا الأمانة، وهناك البعض ممن يفتي ويكذب بناء على الفتوى، لأنه فتح دار افتاء ويدعي ما يهيئ له خياله المريض”.
وشدد الرئيس التونسي على “احترامه للنظام والدستور”، موجها حديثه للوزراء الجدد بالقول: “أنتم أديتم اليمين اليوم، وأنا أقسم بالله ألا أتوانى لحظة واحدة في الوفاء بالعهد الذي عاهدت الشعب عليه. فقد احترمت النظام والمؤسسات والمقامات، بالرغم من أن البعض لا يستحق مثل هذا الاحترام، وإنما يستحق الاحتقار والازدراء”.
ووجه سعيّد تهديدا إلى جهات من دون ذكر أسمائها، قائلا: “من يعتقد أنه فوق القانون فهو واهم، ومن يعتقد أنه يقدر على شراء الذمم إن كانت لديه أموال فهو واهم. لن أتسامح مع أي كان إذا افترى وكذب وادعى ما ادعاه، أو من فتح دارا للفتوى ليفتي في الدستور ويتحدث عن تركيبة جديدة للحكومة”.
وتابع: “سيأتي يوم سيكون فيه القانون معبرا بالفعل عن إرادة الأغلبية، وأعلم دقائق الأمور بتفاصيلها.. إن كان يعتقد البعض أنه تسلل إلى القصر وأنه يعرف كل الخفايا والتفاصيل، فأعرف من التفاصيل الكثير وأعرف أكثر مما يعرفون”.
وعاد الرئيس التونسي ليتطرق إلى مجريات جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة، التي تمت الثلاثاء، بالقول: “قيل يوم أمس ماذا فعل رئيس الجمهورية، أولا لينظروا في الدستور الذي وضعوه، فمنذ الـ15 من نوفمبر من السنة الماضية، بدأت المشاورات وكأنها مشاورات الوضع النهائي في فلسطين المحتلة، التي بدأت ولم تنته”.
وتابع: “احترمت كل قواعد المشاورات بالرغم من الحديث عن أنها يجب أن تكون مباشرة، لكن الدستور لم ينص على أن تكون مباشرة أو مكتوبة، لذا فضلت أن تكون مكتوبة لأنه حينما أتشاور مع البعض بصفة شفهية، فإن ما يقال بالمجالس بعد وقت قليل يكون مناقضا تماما”.
وأكد على أنه يفضل التشاور بصورة مكتوبة “حتى تكون حجة على هؤلاء الذين احترفوا الكذب والافتراء”.
وأضاف: “يقال ماذا فعل رئيس الجمهورية؟ قمت بما أستطيع أن أقوم به، بالاحترام الكامل للدستور، ولما عاهدت الشعب عليه، ولن أتراجع عن ذلك”.
وتابع سعيد: “أقول لهم ماذا فعلتم أنتم؟، في الأيام والأشهر الماضية باستثناء المشاورات بالليل وتحت جنح الظلام، وأعلم ماذا قيل فيها وأعلم الصفقات التي تم إبرامها، وسيأتي اليوم الذي أتحدث فيه عن كل ما حصل في الأشهر الماضية”.
وتابع: “يتحدثون عن الدستور ثم بعد ذلك يتحايلون على الدستور الذي وضعوه، إن كانوا يريدون التحايل فسنكون لهم بالمرصاد، لأن الشعب التونسي يعلم كل الخفايا وكل ما حدث، من خان وطنه وباع ذمته وخان الأمانة مصيره مزبلة التاريخ”.
واختتم سعيد خطابه متمنيا التوفيق للوزراء الجدد، قائلا: “أتمنى لكم النجاح والوفاء بالعهد.. أتمنى لكم التوفيق وأن نقف جبهة واحدة في مواجهة الكثيرين من الخونة ومن أذيال الاستعمار، الذين باعوا ضمائرهم ووطنهم وتصوروا أنهم صاروا قادرين على إعطائنا الدروس، سوف تأتيهم الدروس واضحة من الشعب والتاريخ”.
وقال: “أتمنى لكم النجاح والتوفيق، وأن تتحملوا هذه المسؤولية بكل أثقالها وأوزارها وأنتم مقبلون على وضع شديد التعقيد. أتمنى لكم النجاح والتوفيق وأن نتحمل معا المسؤولية كاملة”.
والجدير ذكره، التحولات الكبيرة في موقف حركة النهضة الإخونجية إزاء حكومة التونسية الجديدة، هشام المشيشي، فمن المعارضة الشديدة له، إلى منحه الثقة، في خطوة عدها مراقبون خطوة انتهازية من جانب الحركة، لتجنب السيناريو الأخطر على مستقبلهم السياسي، وهو الانتخابات المبكرة، في ظل تراجع شعبيتها.
وجنبت هذه الخطوة البلاد خيار حل مجلس النواب والذهاب لانتخابات تشريعية مبكرة.
وأثارت نية سعيّد تشكيل حكومة تكنوقراط غضب حركة النهضة الإخونجية، وقالت في أغسطس الماضي إنها تعرض تشكيل مثل هكذا حكومة ودعته إلى وضع “الموازين في البرلمان” في الاعتبار.
لكن هذا الموقف الخاص بالنهضة انقلب جذريا، في الأيام الأخيرة، وذهبت إلى خيار تأييد رئيس الوزراء المكلف.
ويقول الباحث والكاتب السياسي، بسام حمدي، في حديث صحافي، إن النهضة الإخونجية اختارت التصويت لحكومة المشيشي لاعتبارات متعددة، أبرزها خوفها من حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وأضاف حمدي أن هذه الانتخابات ربما تمنح الحزب الدستوري الحر ورئيسته، عبير موسي، المرتبة الأولى لذلك اتجهت النهضة لدعم المشيشي، مشيرا إلى أن خزانها الانتخابي تقلص، وهو ينخفض باستمرار.
وأظهر استطلاع للرأي نشر في منتصف أغسطس الماضي تقدم الدستوري الحر على النهضة الإخونجية، بواقع 35.8 بالمئة للأول، مقابل 21.9 بالمئة فقط للثاني.
أما الاعتبار الثاني للتصويت لحكومة المشيشي، بحسب حمدي، فهو إيجاد آلية دستورية تتمثل في إبقاء هذه الحكومة مدة معينة، ثم تسحب الثقة منها، وبعد ذلك تصبح هي من تختار الشخصية التي تراها مناسبة لرئاسة مجلس الوزراء، وليس رئيس الدولة،
وفي السياق ذاته، يرى الكاتب التونسي، أبو بكر الصغير، أن الحكومة الجديدة كسبت أصوات النواب ولم تكسب ثقتهم، مما عمّق الأزمة السياسية في تونس، فزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي يؤكد أن مصدر السلطة في البلاد يكمن بالبرلمان، لا رئاسة الجمهورية.
وأضاف الصغير أن جلسة التصويت على منح الثقة كانت بمثابة محاكمة وانتقادات شديدة من طرف النهضة للرئيس سعيّد.
ورأى أن تصويت نواب في البرلمان إلى جانب حكومة المشيشي، ولا سيما أعضاء حركة النهضة، جاء بسبب انتهازية هؤلاء الذين خشوا حل البرلمان والاتجاه إلى انتخابات أخرى ستكون نتائجها مغايرة لما حدث في اكتوبر 2019، واصفا الحكومة الجديدة بـ”حكومة الخوف والأمر الواقع والانتهازية”.
وأعرب الخبير التونسي عن اعتقاد أن الأزمة السياسية في تونس ستستمر، ولن تحل بالطريقة تريدها النهضة، الساعية نحو دفع البلاد إلى الانخراط في أجندات خارجية تؤسس لها مع أطراف أجنبية.
وأشار إلى أن التطورات في مجلس نواب الشعب أظهرت أن النهضة هي أصل الأزمة السياسية في تونس، مشيرا إلى مشاهد مخزية شهدها البرلمان بفعل رئاسته التي تتولاها حركة النهضة.
الأوبزرفر العربي