الرئيس التونسي يربك حركة النهضة
إخونجية تونس يتهمون سعيد بالتواطؤ على البرلمان!
شن الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال كلمة له في مدينة قبلي، هجوماً على الفاعلين السياسيين وما أسماه بـ”البؤس السياسي”، ملمحا إلى الأوضاع السيئة بالبرلمان في قوله “لو كان النائب مسؤولا أمام ناخبيه، وكان بإمكانه أن يسحب الثقة، لَما احتاج إلى مثل هذا الخرق الجسيم الذي يُجسده مرض دستوري وسياسي ربّما أكبر من جائحة كورونا التي انتشرت في العالم”.
وقابل قياديون في حركة النهضة الإخونجية وأنصارها على مواقع التواصل، وكذلك نوابها في البرلمان، انتقادات الرئيس سعيد بحملة كبيرة، متهمين إياه بالتواطؤ والتآمر على البرلمان.
وشن سيد الفرجاني، النائب عن النهضة، هجوما شديدا على قيس سعيد دعاه فيه إلى “وقف التحريض” متهما أنصاره بالوقوف وراء دعوات “الفوضى وسفك الدم”.
ويقول مراقبون إن هذا الهجوم يعود في جزء منه إلى صدمة داخل حركة النهضة الإخونجية من أداء رئيس الجمهورية بعد أن كان الغنوشي يتوقع أن يتم ترويض مؤسسة الرئاسة وتوظيفها لخدمة أجندة الحركة في السيطرة على البلاد، خاصة أن الرئيس بلا خبرة سياسية وحزبية. لكن هذه الحسابات سقطت في الماء وظهر الرئيس سعيد عصيًّا على التوظيف ولاعبا محددا في المشهد من خلال حرصه على تصويب أداء الطبقة السياسية وتهديدها بتغييرات جذرية تنهي “هذا البؤس”، في إشارة إلى مشروع الديمقراطية الشعبية التي تعيد السلطة إلى الأحياء الشعبية والمناطق المهمشة.
وانضم موقف قيس سعيد القوي إلى قائمة المصاعب التي بات الغنوشي يلاقيها خاصة مع الضغط الذي تمارسه عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، على تحركاته الخارجية. وامتدت هذه المصاعب إلى البيت الداخلي للنهضة في ضوء الدعوات إلى عقد المؤتمر الحادي عشر الذي يفرض على الغنوشي الانسحاب بعد أن قضى دورتين في رئاسة الحركة، ما دعاه الاثنين إلى حل المكتب التنفيذي في خطوة وصفت بأنها محاولة لربح الوقت وتعطيل مساعي خصومه في عقد المؤتمر.
وأعلنت حركة النهضة الإخونجية، في بيان نشرته ليل الاثنين – الثلاثاء في موقعها الرسمي على فيسبوك، أن الغنوشي اتخذ هذا القرار خلال اجتماع للمكتب التنفيذي عُقد الأربعاء الماضي، أعرب فيه عن اعتزامه “إدخال تعديلات في تركيبة هذا المكتب استجابة لمتطلبات واستحقاقات المرحلة”.
وسعت الحركة في بيانها إلى التقليل من وطأة هذا القرار، وتداعياته على خارطة الأولويات التي تحكم عمل هذه الحركة، من خلال الإشارة في بيانها إلى أن الغنوشي قرر “تحويل المكتب التنفيذي الحالي إلى مكتب تصريف أعمال”، بانتظار “عرض الموضوع على مجلس الشورى للمصادقة على التركيبة الجديدة خلال اجتماع طارئ سيُعقد في وقت لاحق”.
غير أن توقيت الإعلان عن هذا القرار أثار جملة من نقاط الاستفهام خاصة في ظل تزايد مناورات الغنوشي، وسعيه غير المسبوق للانقضاض على السلطة بكل الوسائل المُتاحة.
ورأى مراقبون أن مناورات الغنوشي أخذت سياقا جديدا للانحراف بالمسار الحالي لهيكلة حركته، والدفع به نحو مربعات جديدة بدأت تتشكل تدريجيا، وفق حسابات أملتها موازين القوى في علاقة بإعادة ترتيب الأولويات على قاعدة استمرار الصراع المكتوم بين أجنحة هذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.
وفي هذا السياق، اعتبر الناشط السياسي، المحامي عماد بن حليمة، أن قرار حل المكتب التنفيذي الذي يتألف من 26 عضوا، يُعد استدارة لافتة في مرحلة فاصلة ستكون لها انعكاسات مُتعددة الأبعاد، لاسيما وأنه عكس تغولا للغنوشي وكشف زيف ادعاءات الحركة باحترامها لمبادئ قواعد العملية الديمقراطية، وخاصة منها الابتعاد عن الاستفراد بالرأي والقرار.
وقال بن حليمة لـ”الأوبزرفر العربي” إن هذا القرار يؤكد سعي الغنوشي إلى احتكار القرار داخل حركته بما يفسح له المجال لإحكام سيطرته، لاسيما في هذه المرحلة الحاسمة التي بلغ فيها تغول الغنوشي درجات غير مسبوقة تجاوزت الهيمنة على النهضة إلى البرلمان.
وربط هذا القرار بحسابات المؤتمر القادم لحركة النهضة، والصراع حول خلافة الغنوشي، وفق حسابات ومعادلات جديدة، على ضوء حالة “الذعر” التي باتت تنتاب الغنوشي من التحولات السياسية داخل حركته، والتي تعمقت بعد تيقنه من خروج مجلس الشورى عن سيطرته، وفشله في انتزاع قرار منه بتأجيل المؤتمر العام القادم.
ومن المُفترض أن تعقد الحركة مؤتمرها الحادي عشر خلال شهر مايو الجاري، لكن يبدو أن ذلك لن يتم، حتى أن القيادي في هذه الحركة، سمير ديلو اعتبر في تصريحات إذاعية بُثت الثلاثاء، أن “عقد المؤتمر الـ11 للحركة في موعده بات أمرا مستحيلا”.
واعتبر ديلو أن استحالة عقد المؤتمر المذكور في موعده “تعود إلى الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد، بالإضافة إلى وجود جدل حول تشكيل اللجان”، لافتا في نفس الوقت إلى أنه “ليس من المعقول تغيير النظام الداخلي على مقاس أي شخص حتى وإن كان في حجم الغنوشي”.
وتابع بن حليمة قائلا إن احتدام الصراع بين الأجنحة على رئاسة النهضة يبقى أحد أهم الأسباب وراء هذا القرار الذي يريد الغنوشي من خلاله إعادة ترتيب البيت الداخلي لحركته، بما يمكنه من فرض سياقات سياسية جديدة تكون على مستوى استهدافاته التي تتجاوز التحولات السياسية داخل حركته، إلى صراعه المكتوم مع الرئيس قيس سعيد الذي بدأ يتفاعل تحت عناوين مُتعددة.
ومع ذلك حرك هذا القرار، الذي اندرج في سياق سلة الأوراق التي بدأ الغنوشي في ترتيبها استعدادا للدفع بها تباعا في صراعاته المفتوحة على أكثر من واجهة، الكثير من التقديرات الأخرى التي ذهبت إلى القول إن الغنوشي بات يُدرك أن تغيير المعادلات السياسية داخل حركته بحاجة إلى مثل هذا القرار، لاسيما بعد بروز نجم منافسه على رئاسة الحركة، أي عبداللطيف المكي.
وتأكد أن الغنوشي الذي لديه الكثير من الدوافع والأسباب للشعور بالقلق، بالنظر إلى ما تحمله الخلافات داخل حركته من مؤشرات تنطوي على رسائل مُهددة لمستقبله السياسي، يُحاول بكل الطرق والوسائل المخادعة والمُضللة، فرض تحولات جديدة لفك عزلته بقياسات سياسية على مقاس رغباته.
تونس- الأوبزرفر العربي