الرئيس التونسي يرفض التعديل الوزاري الذي أجراه المشيشي
ويعتبره تجاهلاً للدستور ولا يحترم الإرادة الشعبية
رفض الرئيس التونسي قيس سعيد الإثنين، التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي مؤخرا، واعتبره تجاهلاً لأحكام الدستور، ولم يحترم الإرادة الشعبية، مشدداً على أن أداء اليمين الدستورية ليس إجراء شكليا، ليغلق سعيّد بذلك الباب نهائياً أمام تعديل المشيشي، ويفتح فصلا جديدا من الصراع الذي سيتعثر معه عمل الحكومة، في الوقت الذي تغلي فيه البلاد على وقع احتجاجات اجتماعية وأزمة اقتصادية.
ونبه الرئيس سعيد في كتاب وجهه إلى المشيشي إن “اليمين الدستورية لا تقاس بمقاييس الإجراءات الشكلية أو الجوهرية، بل بالالتزام بما ورد في نص القسم وبالآثار التي ستُرتب عليه لا في الحياة الدنيا فقط ولكن حين يقف من أدّاها بين يدي أعدل العادلين”.
وأشار سعيد إلى الخروقات التي تم ارتكابها في هذا التعديل الذي لا يزال يراوح مكانه بسبب رفض الرئيس أداء بعض الوزراء اليمين أمامه قائلا على سبيل المثال لا الحصر إن “التعديل لم يحترم الفصل 92 من الدستور الذي يقتضي مداولة مجلس الوزراء بخصوص إحداث أو حذف أو تعديل الوزارات أو كتاب الدولة والتداول لا يمكن أن يكون إثر الإعلان عن التحوير الحكومي بل قبله”، مضيفا أن «ما يحدث هو تحول من حزب واحد إلى مجموعة فاسدة واحدة».
التصعيد من الرئيس سعيد يأتي في وقت سرّعت فيه العديد من الأطراف السياسية من وتيرة تحركاتها بهدف دفع الفرقاء إلى احتواء الأزمة الحالية، والتي أخذت أبعادا مختلفة دستورية واجتماعية وغير ذلك، الأمر الذي بات يُنذر بانتقال المواجهة إلى الشارع وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر ليس على الانتقال الديمقراطي فحسب بل حتى على استقرار البلاد.
وبموازاة استمرار حركة النهضة الإخونجية وحلفائها (حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة الشعبوي)، الذين يشكلون حزاما برلمانيا وسياسيا داعما لرئيس الحكومة هشام المشيشي الذي يخوض مواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، بالتحشيد تمهيدا للقيام بمسيرة داعمة للحكومة في خطوة مثيرة، دعت أطراف سياسية إلى التهدئة من أجل تطويق الخلافات التي تعمقت بين الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان).
ومن جانبه، حمّل رئيس حزب مشروع تونس، محسن مرزوق، كل الأطراف مسؤولية الأزمة الراهنة قائلا “لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة ولا النواب يبحثون عن حل، إنهم يتلهون بمعركة عبثية بينما العالم يقوم بالتلقيحات”.
ولم يتردد مرزوق في تحميل رئيس البرلمان راشد الغنوشي مسؤولية الأزمة مشيرا إلى أنه “يريد تغيير النظام لكن على الطريقة الإخونجية” في إشارة إلى الصراع المحموم بين الغنوشي والرئيس سعيّد والذي يعتمد فيه الغنوشي على المشيشي كواجهة لحزبه.
وحذر مرزوق من وجود أطراف تدفع بالبلاد نحو الصراع داعيا إلى “مقاومة مدنية سلمية ضدّ هذا النظام”، مشيرا إلى أنّ “هناك أزمة سياسية سببها الدستور الكارثي الذي يتضمن عدّة ثغرات”.
وفي خطوة ترجمت القطيعة النهائية بين رأسي السلطة التنفيذية أعفى رئيس الحكومة، الاثنين 5 وزراء معظمهم من المحسوبين على الرئيس سعيّد وهم: محمّد بوستّة وزير العدل، وسلوى الصغيّر وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم، وكمال دقيش وزير الشباب والرياضة والإدماج المهني، وليلى جفال وزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية، وعاقصة البحري وزيرة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري من مهامهم.
كما تشير هذه الخطوة إلى أن المشيشي يحضر للإعلان عن حكومة مصغرة لإدارة شؤون البلاد بعد تعثر تعديله الوزاري المثير للجدل والذي شمل 11 حقيبة وزارية.
وفيما ثمن الحزام الداعم للمشيشي إجراءه الأخير عبر سلسلة من التصريحات المنفصلة، انتقدت أوساط سياسية أخرى إعفاء هؤلاء الوزراء في “خطوة تعدّ هروبا إلى الأمام”.
وقال رئيس البرلمان الذي يرأس أيضا حركة النهضة الإخونجية إن “إعفاء 5 وزراء يعتبر خطوة وليس حلا، هو حل مؤقت ويجب بناء المحكمة الدستورية المخولة بالبت في هذا الخلاف” في إشارة إلى أزمة “اليمين الدستورية” حيث يرفض الرئيس سعيّد أداء بعض الوزراء الذين شملهم التعديل الوزاري لليمين أمامه.
وثمّن بدوره حزب قلب تونس حليف النهضة الإخونجية، على لسان رئيس كتلته البرلمانية أسامة الخليفي قرار المشيشي قائلا إن “القرار في الاتجاه الصحيح، وهدفه تحسين أداء الحكومة عقب تعطيل التحوير الوزاري الأخير بما يضمن استمرارية الدولة”.
وفي المقابل، لم تتوان الأوساط السياسية المعارضة وغيرها عن اتهام المشيشي بالهروب إلى الأمام والتصعيد مع الرئيس سعيّد، ولاسيما بعد إقالته للوزراء الخمسة، الاثنين.
وقال النائب نبيل حجي إن “قرار المشيشي اليوم (الاثنين) هو تحدّ للطرف المقابل (الرئيس سعيّد)، لم أجد أي تفسير آخر لذلك، حكومته تعاني أصلا من شغورات فعوض أن تترك الوزراء يشتغلون حتى تجاوز الأزمة فتقوم بإقالة آخرين. لا يوجد تفسير لهذا غير التحدي”.
واستنتج حجي أن “الأطراف المتنازعة تسعى إلى الانتصار وليس البحث عن حل، التظاهر مكفول بالدستور، لكن ما يعني أن تتظاهر الأحزاب الحاكمة؟ في العالم، الشارع للاحتجاج لا لمساندة السلطة الحاكمة، ثم هل الشارع هو من سيقبل أداء الوزراء لليمين؟ هم يريدون أن يقولوا إنهم أقوى، ولكن الأقوى يطبق ما يريده. هم ليسوا الأقوى، لا الأحزاب الحاكمة ولا المشيشي”.