الرئيس التونسي يطلب من هيئة الانتخابات الاستعداد للاستحقاقات المقبلة
خصوم الرئيس تحت ضغط فقدان الشرعية
بدأ الرئيس التونسي قيس سعيد بربح الوقت وتحويله إلى عامل في صالحه وعنصر ضغط على خصومه الذين سيفقدون نهاية العام أيّ مسوغ للحديث عن “الشرعية” والاتكاء عليها لجلب ضغوط على البلاد، وعرقلة الدعم الخارجي الذي تعتبر البلاد في أمسّ الحاجة إليه لتطويق مخلفات الأزمة العميقة التي عاشتها منذ عشر سنوات.
ذلك بعد الإعلان عن تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في خطوة قالت أوساط سياسية تونسية إنها تضرب عرض الحائط بكل الضغوط التي مورست على تونس سواء من معارضة الداخل أو التدخلات الخارجية.
وترى الأوساط السياسية التونسية أن قيس سعيد وقف على حقيقة أن المعارك الهامشية التي سعى خصومه لفرضها عليه، وخاصة حركة النهضة الإخونجية التي كانت وراء ظهور “جبهة الخلاص”، كان الهدف منها تعطيل خارطة الطريق التي أعلن عنها، والتي تضبط أهم مفاصل الانتقال السياسي الجديد، وعلى رأسها الاستشارة الوطنية التي تمت في مارس، ثم الاستفتاء المقرر في يوليو القادم، وأخيرا الانتخابات المقررة في السابع عشر من ديسمبر، وهي الانتخابات التي ستقطع بشكل باتّ مع البرلمان المنحل وتضفي الشرعية على المرحلة الجديدة.
لجنة الانتخابات
وعيّن الرئيس التونسي الاثنين أعضاء جددا في لجنة الانتخابات التي سيرأسها فاروق بوعسكر، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الهيئة المنحلة نبيل بوفون. كما عُيِن العروسي المنصري وسامي بن سلامة في الهيئة الجديدة، وهما مسؤولان في هيئات انتخابية قديمة.
ولم يخف بن سلامة في تصريحات إعلامية في الأشهر القليلة الماضية مساندته لقرارات سعيد. وهو أيضا منتقد شرس لحزب النهضة الإسلامي، أحد أبرز خصوم الرئيس التونسي.
ووجّه سعيد في الأشهر القليلة الماضية انتقادات لاذعة للهيئة ووصفها بأنها غير مستقلة على الرغم من فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2019 تحت إشرافها.
وكان نبيل بوفون قد أغضب سعيد بانتقاد خططه لإجراء استفتاء وانتخابات برلمانية هذا العام، قائلا إن هناك فراغا دستوريا يحول دون ذلك في ظل عدم وجود برلمان. وقال بوفون في تصريحات سابقة إن الهيئة لم تعد مستقلة، مضيفا “أصبح واضحا أنها هيئة الرئيس”.
تغيير القانون الانتخابي
ويعتزم الرئيس التونسي أيضا تغيير القانون الانتخابي ونظام الاقتراع ليصبح اقتراعا على الأفراد بدلا من القوائم، من بين إصلاحات أخرى ستعرض على الاستفتاء الشعبي في يوليو المقبل.
وقال مراقبون سياسيون إن الاتهامات، التي توجه إلى الرئيس بشأن التحكم في تركيبة هيئة الانتخابات، وأن هذا قد يمس من مصداقيتها ومن نزاهة العملية الانتخابية، تخفي حقيقة أن الهيئة المنحلة لم تكن مستقلة، فقد تم اختيار عناصرها وفق المحاصصة البرلمانية التي تسمح للكتل المهيمنة بتصعيد من يخدم أجندتها ويحافظ على مكاسبها، وأن تأثير المحاصصة كان واضحا خاصة في الانتخابات المحلية التي أعطت النصيب الأوفر لحركة النهضة.
واعتبر المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “ما قام به الرئيس سعيد أمر إيجابي وليس سلبيا، وأن الهيئة كانت موالية لبعض الأحزاب ومجلس النواب، حيث فرّق المرسوم الجديد بين جهة الاقتراع، وجهة التعيين وجهة الإعفاء”.
تصحيح المسار السياسي
وأضاف الرابحي، أن “الرئيس سعيّد هو من يعيّن وتصبح الهيئة سيّدة نفسها، وهذا يعتبر ثورة داخل الهيئة الانتخابية، لأن الهيئة القديمة كانت تشاهد الجرائم الانتخابية ولا تتحرّك لإسقاط القوائم أو معاقبة أشخاص على غرار انتخابات 2014 و2019”.
وتابع الرابحي “قيس سعيّد يريد تصحيح المسار السياسي، وكرّس استقلالية الهيئة عن الأحزاب وأخرجها من التجاذبات، لكنّ بعض الأطراف السياسية (النهضة وحلفاؤها) تريد التشويش على هذا المسار بالرغم من تصدّر سعيّد لأرقام سبر الآراء”.
وتوقّع المراقبون أن تتوسّع الحملات الإعلامية والسياسية على الهيئة الجديدة لإرباكها ومنعها من تنفيذ الأجندة التي وضعها الرئيس سعيد.
وقالت الناشطة السياسية سهير العسكري، “نعرف جيّدا أن نوايا قيس سعيّد وقرارات الخامس والعشرين من يوليو طيبة والرئيس يعرف كل الخفايا والميول السياسية لأعضاء الهيئة لذلك اتخذ هذه القرارات”. وأضافت “أعتقد أن هناك من يشتغل في الخفاء لعرقلة قرارات الرئيس، وحركة النهضة ما زالت متغلغلة في الإدارات”.
الاستعداد للاستحقاقات المقبلة
وطالب الرئيس التونسي الهيئة المستقلة للانتخابات بالاستعداد للاستحقاقات المقبلة، وأكد أهمية “حيادها واستقلالها”، وذلك حين استقبل منذ أيام فاروق بوعسكر قبل تعيينه رئيسا لها.
وأكد سعيد على “أهمية دور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وضرورة أن تكون على أتم الاستعداد لمختلف الاستحقاقات المقبلة”.
وعقب اللقاء قال بوعسكر، في تصريح صحافي، إن اللقاء تناول “المسائل التنظيمية للهيئة على المستويين المركزي والجهوي، وعلى مستوى مجلسها في علاقة بالوضعية القانونية لأعضاء الهيئة”. وتابع “رئيس الدولة أكد احترامه لمؤسسة الانتخابات، وضرورة استقلاليتها وحيادها وأن تكون مكسبا لتونس بعد الثورة”.
وكان الرئيس التونسي قد أصدر مرسوما يقضي باستبدال أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بسبعة أعضاء جدد يعينهم بنفسه. وينص المرسوم على أن قيس سعيّد هو فقط من يحق له إعفاء أيّ عضو من الهيئة الجديدة أو رفض ذلك. ويعين الرئيس بنفسه رئيس هيئة الانتخابات الجديدة من بين ثلاثة أعضاء سابقين في هيئات الانتخابات السابقة.
وتتكون الهيئة الجديدة، وفقا لمرسوم الرئيس، من سبعة أعضاء بينهم ثلاثة من هيئات الانتخابات السابقة يختارهم الرئيس نفسه، وثلاثة قضاة تقترحهم مجالس القضاء العدلي والإداري والمالي، إضافة إلى مهندس تكنولوجيا يقترحه المركز الوطني للإعلامية (تحت إشراف وزارة تكنولوجيات الاتصال).