الرئيس التونسي يعلن عن حوار وطني يحدد شكل النظام السياسي في البلاد
في كلمة له بمناسبة الذكرى السادسة والستين لذكرى استقلال بلاده، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، الاثنين، عن حوار وطني سيدعو إليه في الأيام المقبلة من أجل تحديد ملامح نظام الحكم، الذي ستعتمده بلاده قبل تشكيل لجنة ستوكَل إليها صياغة إصلاحات سياسية ودستورية.
وقال الرئيس سعيد “بعد هذا الحوار المباشر مع الشعب.. سيتواصل العمل باستفتاء في يوليو، بعد أن يتم تشريك الجميع في إبداء آرائهم واقتراحاتهم للنظام السياسي الجديد”.
تصريحات الرئيس التونسي جاءت في ختام مهلة نهائية لاستشارة عبر الإنترنت، بدأت قبل شهرين لتحديد وجهات نظر التونسيين حول القضايا السياسية والاقتصادية شارك فيها نحو 500 ألف شخص فقط.
واعتبر الرئيس سعيد أن الاستشارة ناجحة خلال الكلمة التي سبقها ختمه لعدة مراسيم، من المرجح أن تفتح صفحة جديدة في العلاقة مع رجال الأعمال الذين تحوم حولهم شبهات فساد.
أولى حلقات الحوار الوطني
وقال سعيد في الكلمة التي بثها الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية “الاستشارة هي أول حلقة من حلقات الحوار الوطني.. الحوار الوطني سيتم بعد النظر في نتائج الاستشارة”، مضيفا أنه يحاول تعبيد الطريق أمام الشعب التونسي لتحقيق آماله وطموحاته.
ولم تحسم تونس بعد في طبيعة النظام السياسي الذي ستعتمده للمرحلة المقبلة، رغم التكهنات والاتهامات التي يطلقها خصوم سعيد من نخب سياسية وفكرية بشأن مسعاه إلى إرساء النظام القاعدي، أي من المحلي إلى المركزي، لكن الرئيس التونسي لم يتطرق إلى ذلك علنا.
وقال المحلل السياسي بوبكر الصغير إن “أهم خطاب ألقاه سعيد بعد الخامس والعشرين من يوليو هو خطاب الاستقلال الذي -ولأول مرة- يقوم الرئيس بعملية تقدير موقف لما عاشته تونس طوال العقود الماضية بمنظوره وبمنظور ما يريد أن يبني عليه، خاصة في ما هو موصول بمشروع الجمهورية الثالثة والتي ستكون في اختلاف كامل مع ما عرف في المفاهيم السياسية بما يتعلق بأركان وأسس نظام الجمهورية”.
وتابع الصغير، أن “الرئيس انطلاقا من خبرته القانونية والدستورية يريد أن يؤسس لمشهدية سياسية جديدة مغايرة تماما، بقدر ما تحترم الثوابت الكبرى في علاقة بحقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية، فإنها تدفع إلى التشاركية المواطنية في أقصى درجاتها سواء في علاقة بالحكم أو بمحركات التنمية الاقتصادية، هذا جديد على التونسيين لذلك مفعول الصدمة واضح لدى النخب السياسية”.
ردود الأفعال
وتباينت ردود الفعل الاثنين إزاء إعلان الرئيس سعيد، فبالرغم من أن حركة الشعب مثلا أبرز الداعمين لمسار الخامس والعشرين من يوليو إلا أن أمينها العام زهير المغزاوي انتقد بشدة خطاب سعيد ورئيسة الحكومة نجلاء بودن.
وقال المغزاوي في تصريحات بثتها وسائل إعلام محلية إن “خطاب الرئيس سعيد في واد وخطاب رئيسة الحكومة في واد آخر، مهما كانت عبقريته (سعيد) لا يمكنه أن يتوصل بمفرده إلى حلول لمشكلات البلاد”.
ومن جهته، تابع الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي انتقاده لسعيد، إذ قال الاثنين “إن العبرة ليست في توقيع المراسيم”، في إشارة إلى مراسيم رئاسية وقعها سعيد، بل في جدواها.
ولم يذكر الرئيس سعيد كيف سيكون الحوار وكيف يمكن للجميع إبداء آرائهم في النظام الجديد على الرغم من أن الأطراف الرئيسية، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل، تشعر بأن السبيل الوحيد للمضي قدما هو من خلال الحوار الوطني حول الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
ورفض الرئيس سعيد في وقت سابق مبادرة لاتحاد الشغل في هذا الإطار، ما عبّد الطريق أمام لجوئه للفصل 80 من الدستور، الذي ينظم حالة الاستثناء في الخامس والعشرين من يوليو الماضي ليطيح بالبرلمان والحكومة التي كان في خلاف مع رئيسها هشام المشيشي.
ويعتقد مراقبون محليون أن التمشي الذي اختاره الرئيس يُهمّش بشكل كبير دور منظمات وازنة في البلاد وأيضا الأحزاب السياسية، وهي أطراف يرفض سعيد في الواقع التحدث إليها ما جعل البعض منها والتي أيدت مسار الـخامس والعشرين من يوليو تغير آراءها باتجاه المزيد من التشدد إزاء المسار المذكور.
وقال الصغير “تونس تقطع مع كل الأنظمة السياسية المعاصرة، فرئيس الدولة لا يزال يدافع عن النظام القاعدي الذي يشرّك أكبر شريحة من المواطنين، رفض الاتحاد قد يصعب إرساء هذا النظام، لأن دور النقابات والمنظمات ستشمله بعض التغييرات وحتى في ما يتعلق بنفوذها الذي سيتقلص وهذا ما يخشاه الاتحاد”.