الرئيس التونسي يقطع الطريق على معرقلي الإصلاحات السياسية في البلاد
رهان على الدعم الشعبي في إنجاح الاستفتاء الدستوري والانتخابات
في خطوة قال مراقبون إنها تظهر عزم رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، على تنفيذ خارطة الطريق التي حددها مسبقا بهدف إخراج البلاد من أزمتها، قطع سعيد الطريق أمام أي محاولة لعرقلة خطط الإصلاح السياسي، وأصدر مرسوما يدعو الناخبين إلى المشاركة في الاستفتاء على الدستور المقرر في الخامس والعشرين من يوليو القادم، وتضم إلى جانب الاستفتاء إجراء الانتخابات في السابع عشر من ديسمبر القادم، وأنه ماض في مساره دون الالتفات إلى المعرقلين سواء أكانوا من المعارضة التقليدية أم من المحسوبين على أنصاره وداعميه.
وأشار المراقبون إلى أن الرئيس سعيد يعرف جيدا أن التركيز على الاعتراضات سيعني نفاد الوقت وعدم القدرة على الإيفاء بالأجندة التي وضعها وتضمنت عدة محطات من بينها تكوين لجان استشارية لضبط الإصلاحات، وخاصة لوضع دستور جديد يتم عرضه على الاستفتاء، مشددين على أن أي تأخير سيطيح بالأجندة كلها ويظهر قيس سعيد في موقف من يعجز عن تحقيق التغيير الذي وعد به.
واعتبر هؤلاء المراقبون أن الرئيس التونسي قطع مع الترضيات حتى التي تعلقت بالأحزاب التي تقول إنها قريبة منه، والتي دأب قياديوها على الظهور يوميا والتأكيد على أن قيس سعيد تعهد بأن يشرك الأحزاب الحليفة، وأنه لا يمانع في توسيع قائمة اللجان، وهو أمر يتعارض مع ما عرف به الرجل من دقة في المواعيد وتمسك بالمواقف.
ودُعي الناخبون بموجب مرسوم رئاسي في الخامس والعشرين من يوليو إلى المشاركة في استفتاء على مشروع دستور جديد “للجمهورية الجديدة” خلفا لدستور 2014 الذي علّق العمل بأجزاء منه.
ونشرت الجريدة الرسمية التونسية مرسوما رئاسيا برقم 506 ينص على أن يُنشر مشروع الدستور الجديد في أجل أقصاه 30 يونيو المقبل، وأن يُجرى استفتاء شعبي عليه في 25 يوليو القادم. وبالنسبة إلى الناخبين المقيمين خارج تونس يُجرى الاستفتاء بين يومي 23 و25 يوليو.
وينبغي على الناخبين الإجابة بـ”نعم” أو “لا” عن السؤال التالي: “هل توافق على مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية؟”، حسب النص الذي صدر في الجريدة الرسمية ليل الأربعاء – الخميس.
الدعم الشعبي
واعتبر المراقبون أن قيس سعيد يستمد قوته من الدعم الشعبي الذي بات يعارض أي توافق مع منظومة ما قبل الخامس والعشرين من يوليو بأي شكل من الأشكال، وأنه ليس مهما اعتماد نفس آيات الديمقراطية التي أفضت إلى الفوضى، وإنما المهم هو إخراج البلاد من أزمتها في أقرب وقت ممكن.
وقال المحلل السياسي منذر ثابت إنه “من الواضح منذ البداية أن قيس سعيّد فرض نفسه سياسيا، ومن الطبيعي أنه يعتبر أن الاستفتاء يكون لصاحب السيادة (الشعب)، ويرى أن تجربة التوافق والحوار بين النخب لا نفع لها، وستقود إما إلى حوار بيزنطي أو إلى دستور 2014، وبالتالي إلى حالة من الهجنة السياسية”.
وأضاف ثابت، “الرجل لديه تصوّر، ووضع نفسه في زاوية مختلفة بالنظر إلى بقية مكونات المشهد السياسي، لكن هذا التصوّر له وجاهته، لأننا جربنا الحوار والتوافق في السلطة والمعارضة، والأقليات التي تريد الحكم”.
وتابع ثابت “قيس سعيّد أمام تحدّ، وصمّ أذنيه عن كل البيانات والبلاغات، وإذا لم يكسب الأغلبية فسيهزم سياسيا، وعليه أن يراعي باب الحريات في المقام الأول” ويبكّت الجميع “بانتصاره لإرادة الشعب”.
سينفّذه بمن حضر
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة إن “الرئيس سعيّد على درجة كبيرة من الوضوح، وهو كذّب كل من تحدثوا باسمه، فنشر المراسيم وتضمنت عدة إشارات”.
وأضاف علالة، “بقطع النظر عن المواقف، هو نوع من الاستقواء بانضباط مؤسسات الدولة (وتحديدا المؤسستين الأمنية والعسكرية)، وانتشاء باستطلاعات الرأي الأخيرة”.
واستطرد “الرئيس سعيّد يقول إنّ لديه خيارا وسينفّذه بمن حضر”.
لكن الصغير الزكراوي، أستاذ القانون العام بالجامعة التونسية، تساءل “هل يحتاج الحوار إلى مراسيم (…) هذا الحوار استشاري، يستمع إلى الآخرين لإضفاء مشروعية ولإقناع الرأي العام الداخلي وللتسويق الخارجي”.
وأضاف الزكراوي في تصريحات لإذاعة “ماد” المحلية “من المفروض أن يدعو (الرئيس سعيد) إلى انتخابات رئاسية ويأخذ مشروعية جديدة (…) لا بد أن ينتخب على أساس الدستور الجديد منطقيا”.
والأسبوع الماضي أعلن الرئيس عن “حوار وطني” استبعد منه الأحزاب السياسية، وتشرف عليه “هيئة وطنية استشارية” متفرعة عنها لجان تقوم بإعداد مشروع الدستور، على أن يتم نشر مشروع الدستور الجديد -وهو موضوع الاستفتاء- بأمر رئاسي في أجل أقصاه 30 يونيو.
الدستور الجديد
وعيّن قيس سعيّد أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد القريب منه رئيسا للجنة.
ومن أهم النقاط التي يبتغي الرئيس التونسي تعديلها في الدستور الجديد النظام السياسي الذي يريده “رئاسيا” خلفا “للبرلماني المعدّل”.
ويستند الحوار إلى نتائج استشارة وطنية إلكترونية أطلقت في مطلع العام الجاري وانتهت في مارس الماضي واعتبرها الرئيس ناجحة بمشاركة نحو 600 ألف شخص.
ودعا قيس سعيّد منظمات وطنية إلى المشاركة في الحوار الوطني، أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل.
وبعد أشهر من الشلل السياسي أعلن الرئيس سعيّد الذي انتخب في نهاية 2019 تولّي كامل السلطتَين التنفيذيّة والتشريعيّة في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، وأقال رئيس الوزراء وعلّق نشاط البرلمان قبل أن يحلّه في مارس الماضي.