السعودية تقرر مواجهة الجنوح الإخونجي في التعليم
قررت وزارة التعليم السعودية إبعاد المعلمين الذين دأبوا على ارتكاب “مخالفات فكرية”،والذين يعمدون إلى تمرير أفكار متشددة من مناهج دراسية سابقة سيطر عليها الإخوان المسلمون، تحرّض على التشدد والانغلاق، وتحاول استهداف خيار الانفتاح الثقافي والديني والسلوكي في السعودية.
وجاء القرار على لسان وزير التعليم حمد آل الشيخ الذي منح مدراء التعليم حق “الإبعاد الفوري للعاملين في المدارس ممن لديهم مخالفات فكرية وتكليفهم بأعمال إدارية خارج المدارس بصفة مؤقتة لحين البت في القضية”.
ووصف متابعون للشأن السعودي خطوة إبعاد المعلمين من ذوي الميول الإخونجية بأنها تأخرت كثيرا، مشيرين إلى أن إلغاء كتب القيادات الإخونجية من المناهج الدراسية في السنوات الأخيرة لم يكن ليحقق أهدافه في ظل استمرار معلمين متشبعين بتلك الأفكار وقادرين على تسميم عقول الأجيال الجديدة بمقولات تدعو إلى التكفير وتحض على الجهاد بما في ذلك استهداف رموز الدولة ومؤسساتها.
ولا يقطع القرار الجديد تماما مع المعلمين ممن يروجون لأفكار إخونجية بحرمانهم من الوظيفة، لكنه لا يسمح لهم باستخدام الفصول الدراسية في أخونة مبكرة للمجتمع، وهي تجربة سبقت إليها الإمارات بأن جعلت التعليم بلا أيديولوجيا إخوانية.
ويأتي القرار امتدادا لاتّخاذ وزير التعليم السعودي، في فبراير الماضي، قرارَ إعفاءِ عميد كلية الشريعة بالرياض من منصبه، بسبب ما اعتبرته وسائل إعلام محلية آنذاك “استضافةَ مخالفين فكريًّا”.
وقررت وزارة التعليم في مارس 2018 استبعاد عدد من المعلمين في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، بالإضافة إلى أعضاء من هيئة التدريس في الجامعات، بتهمة “التأثر بأفكار جماعات محظورة ومصنفة إرهابية، ومنها الجماعة الإخونجية”، وتشكيل لجنة خاصة “لاختبار” قيادات وزارة التعليم والتأكد من خلفياتها الفكرية.
وتنفذ السعودية خطة طويلة المدى، لكن حازمة، لتفكيك معالم سيطرة الإخوان المسلمين على المجتمع السعودي، وخاصة في المجالات الحيوية مثل التعليم والإعلام والشؤون الدينية، وهي المجالات التي استهدفها “التمكين الإخواني” منذ ستينات القرن الماضي.
ودأب الإخونجية في السنوات الأخيرة على استهداف الخطوات الإصلاحية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بإطلاق الإشاعات والسعي لشحن فئات سعودية محافظة ضد إستراتيجية الترفيه الجديدة التي تضم من ضمن عناصرها الكثيرة تنشيط السياحة الداخلية واستقدام فنانين أجانب في الغناء والمسرح والسينما في مسعى لتوطين الفنون وبناء شخصية سعودية متوازنة.
ويرى متابعون أن قرار “تحييد المعلمين” الإخونجية يكشف وعيا سعوديا رسميا بطبيعة الجماعة وإستراتيجيتها التي سيطرت من خلالها على التعليم لمعرفتها بأهميته، وهو ما مكنها خلال عقود من بسط سيطرتها عليه بشكل كامل رغم اهتزاز علاقتها بالسعودية في بعض الفترات.
وكانت السعودية قد بادرت نهاية 2015 إلى سحب 80 مرجعا من الكتب التي تنشر الفكر الإخونجي من مدارس السعودية وجامعاتها، وبينها كتب لأسماء بارزة مثل حسن البنا وسيد قطب ويوسف القرضاوي وأبي الأعلى المودودي وعبدالقادر عودة ومصطفى السباعي.
وتسلل الإخونجية إلى السعودية في ستينات القرن الماضي بعد الخلاف مع الرئيس جمال عبدالناصر واتهام الجماعة بالوقوف وراء محاولة اغتياله في حادثة المنشية وما تبعها من محاكمات، ما أدى إلى فرار المئات من الإخونجية إلى دول الخليج، وأساسا إلى السعودية.
وسعت الجماعة لإظهار ولاء مزعوم للمملكة في خلافها مع عبدالناصر، ما مكنها من ضوء أخضر كامل للهيمنة على المجالات الحيوية في البلاد، وخاصة في التعليم الذي تُرك أمر إدارته وصياغة مناهجه للإخوان.
وفرض الإخونجية فكرهم القائم على الانتقام وتكفير الأفراد والمجتمع نفسه كمعبر عن الرؤية الرسمية السعودية، فيما تراجع التدين السعودي التقليدي القائم على الوسطية والخالي من التوظيف السياسي.
وبدأ الطلاب في مختلف المراحل يدرسون وفق كتب مثل “معالم في الطريق” لسيد قطب أو “الجهاد في سبيل الله” لأبي الأعلى المودودي، وهي الكتب التي خلقت الأرضية الفكرية والنفسية لظهور أجيال متشددة في السعودية، وكانت هذه الكتب الدافع إلى مشاركة سعوديين في عملية مهاجمة نيويورك في سبتمبر 2001.
وكانت السعودية قد فتحت أبواب التدريس أمام أسماء كثيرة من القيادات الإخونجية مثل محمد قطب (شقيق سيد قطب)، والسوري سعيد حوى، وعبدالله عزام الذي لعب دورا كبيرا في استقطاب الشباب للقتال في أفغانستان، وجمع التبرعات للمجموعات الجهادية وعلى رأسها القاعدة التي دبرت ونفذت هجمات سبتمبر.
وجاءت الموجة الثانية لتسلل الإخونجية إلى السعودية بعد حرب الكويت عام 1991 وما تبعها من فتح الباب للمعلمين والمدرسين المصريين في الخليج عموما ممن أتوا معهم بالنسخة المحدثة من التبشير الإخواني، وهي النسخة التي حاولت “التبرؤ” من خطاب الحاكمية والعنف والتكفير الذي أسست له كتب سيد قطب والمودودي، والتصالح مع السلفية السعودية المحلية.
ووجد الإخونجية في المد السروري فرصة ذهبية لإعادة تثبيت نفوذهم في المؤسسات الحيوية وإبعاد الأعين عن نشاطهم، خاصة مع بداية قلق سعودي رسمي من تسييس الدين وتوظيفه، وهو قلق اتسع مع بروز الثورة الإيرانية بزعامة آية الله الخميني وتأثر فروع من جماعة الإخوان المسلمين بها وتحمّسهم لخطابها بشأن “تصدير الثورة”.
والسرورية، التي جاء بها إلى السعودية السوري محمد زين العابدين، وجه مخاتل يقوم على المزج بين السلفية لإرضاء التوجه الرسمي للدولة في السعودية وبين فكر الإخونجية القائم على تسييس الدين، ومن أبرز وجوه السرورية في المملكة سلمان العودة المعتقل حاليا بسبب تهم على صلة بعلاقته بقطر والتنظيم الدولي للإخونجية الذي كان يتزعمه يوسف القرضاوي.