السلطات التونسية تشنّ حملة ضد المحتكرين والمضاربين
بعد التهديدات التي أطلاقها الرئيس التونسي قيس سعيد بملاحقة المحتكرين والمضاربين الذي يقفون وراء أزمة الحبوب والخبز، شنّت السلطات التونسية حملة ضد المحتكرين والمضاربين في عدة محافظات تونسية، وشملت مجالات متعددة من المخابز إلى مخازن المواد الغذائية، والمواد المدرسية.
ويرى مراقبون أن الكشف عن نماذج من الاحتكار في نفس الفترة وفي مناطق مختلفة يظهر أن الرئيس سعيد لم يكن يتحدث من فراغ، بل إنه يمتلك تقارير دقيقة حول نفوذ المحتكرين والمعرقلين، وخاصة في ارتباطهم بتوزيع الخبز وغلاء الأسعار وندرة المواد الاستهلاكية.
حرب على الفساد والاحتكار
المحلل السياسي نبيل الرابحي قال إن “الحملة بدأت منذ مدة بشكل فعلي وهي ليست مجرد شعار، وإن الرئيس سعيد أعلن الحرب على الفساد والاحتكار بعد 25 يوليو 2021، وتواجه مع الدولة العميقة”.
وأضاف الرابحي، “اليوم هناك من ينكّل بهذا الشعب، والاحتكار وصل إلى الكراس المدعم، وهناك محتكرون يتلاعبون بالمقدرة الشرائية”، مؤكداً على أن “الحملة يجب أن تكون دائمة وليست موسمية، كما يجب أن تنخرط فيها وزارات العدل والداخلية وفرق المراقبة الاقتصادية”.
وفي الوقت الذي تتهيأ فيه البلاد لعودة طلبة المدارس والمعاهد والجامعات إلى الدراسة، تحركت المراقبة في اتجاهات مختلفة لضرب المحتكرين للمواد المدرسية. وتمكنت فرق المراقبة الاقتصادية وبالتنسيق مع الجهات الأمنية والقضائية بمدينة أريانة (شمال العاصمة تونس) من مداهمة مخزن عشوائي وحجز 11340 كراسا (دفترا) مدعما.
وأوضحت وزارة التجارة، وفق ما نشرته على صفحتها على فيسبوك، أن عملية الحجز تمت “من أجل مسك مخزونات لغرض بيعها أو المضاربة فيها”.
ومع كل عودة مدرسية تشتكي العائلات التونسية من غلاء الأسعار وندرة الكراس المدعم من الدولة والذي تتماشى أسعاره مع إمكانيات غالبية الأسر.
وقضية الكراس العادي والكراس الرفيع شبيهة بمعادلة الخبز المدعوم والخبز غير المدعوم، فالدولة هي من تنتج الورق وهي من تستورده من الخارج وتوزعه كورق مدعوم، لكن جهات نافذة وخفية تفرض في السنوات الماضية على الناس شراء الكراس الرفيع الذي هو أعلى سعرا، وتوفر الكراس العادي بكميات محدودة سرعان ما تنفد أو يتم إخفاؤها لإجبار العائلات على شراء الكراس غير المدعم.
الأزمة مفتعلة
وكان الرئيس سعيد قد توقع قبل أسبوعين أن يعمد المعرقلون إلى استثمار العودة المدرسية لإرباك الوضع في البلاد.
وأكد أن “الأزمة المفتعلة في الخبز لا يجب أن تتكرر بالنسبة إلى العودة المدرسية والجامعية أو بالنسبة إلى عدد من المواد الأساسية الأخرى، خاصة وأن البعض يرتب منذ الآن لاختلاق أزمات أخرى في عدد من المواد الأساسية”.
وشدد الرئيس التونسي على أن “الدولة لن تبقى مكتوفة الأيدي، وأنها ستحارب كل المحتكرين والمضاربين وستعمل على تطهير الإدارة من كل من اندسّ داخلها وصار يمثل عقبة لا يمكن قبول استمرارها بقضاء حاجات المواطنين”.
لكن المعركة الأهم حاليا بالنسبة إلى الرئيس سعيد ومختلف أجهزة الدولة هي معركة المواد الغذائية، وخاصة ما يتعلق بالدقيق والسميد، في ظل إشارات واضحة إلى أن الكارتلات تستمر في لعبة الاحتكار في أكثر من محافظة وبأساليب مختلفة وتراهن على تراجع حماس قيس سعيد لهذه المعركة.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية، تونس أفريقيا للأنباء (وات)، أن مصالح التجارة في محافظة بنزرت (شمال) حجزت كميات هامة من المواد الغذائية المدعومة لدى أحد التجار، وشملت 1565 كيلوغراما من السميد والدقيق، و192 لترا من الزيت النباتي المدعم، و250 كيلوغراما من السكّر المدعوم، و2160 قارورة مياه معدنية، و3110 علبة تبغ، وذلك إثر مداهمة مخزن غير مصرّح به على ملك تاجر تفصيل للمواد الغذائية.
وفي نابل (شمال شرق) أكد المدير الجهوي للتجارة سمير الخلفاوي تواصل حملات المراقبة للتصدي لمختلف الممارسات الاحتكارية والتلاعب بإجراءات الدعم.
وفي العاصمة، تم إيقاف تزويد تسع مخابز بمادة الدقيق المدعوم من أجل التوقف عن نشاط صنع الخبز وبيعه دون مبرر، ما أثر سلبا على تزويد عدة مناطق بالخبز.
وكان القضاء التونسي أمر بحبس رئيس غرفة أصحاب المخابز محمد بوعنان بشبهة “الاحتكار والمضاربة بمواد غذائية”، في رسالة واضحة على أن الدولة لن تتردد في اتخاذ أيّ خطوة ضد أيّ شخصية مهما كان وزنها يمكن أن تربك خططها في مواجهة الاحتكار.