السلطة الفلسطينية تواصل استهداف مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية
بعد اقتحامها لمخيم الأمعري للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة قبل شهرين، وفشلها في حملة أمنية استهدفت شخصيات معارضة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يشهد مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية توترا على خلفية الاقتحامات والاعتقالات التي تشنها الأجهزة الأمنية، ويبدو المستهدف منها أنصار التيار الإصلاحي الذي يتزعمه القيادي محمد دحلان.
وكانت اشتباكات اندلعت قبل أيام بين مسلحين من أبناء المخيم والأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية التي سارعت لاتهام تيار دحلان بالوقوف خلفها، وهو ما ينفيه الأخير، معتبرا أن مثل هذه الاتهامات تأتي في سياق محاولة تشويه صورة التيار وزعيمه وترهيب أبناء المخيمات.
ويقول مدير مركز تقدم للسياسات في لندن محمد مشارقة “لقد بات التوتر والاشتباكات المتكررة بين أجهزة الأمن الفلسطينية وبعض مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية المحتلة مصدر قلق مجتمعي”.
ويوضح مشارقة في تصريحات صحافية أن “الاستخدام المفرط للقوة أصبح سمة بارزة في التعاطي مع ما يوصف أنه تجاوز للقانون أو هيبة السلطة، ويحدث ذلك دون اعتبار للقضاء المغيب، وبهذه الحجة يتوسع الاعتقال التعسفي للمعارضين ومنتقدي الأداء السياسي للقيادة”.
وتعيش مخيمات اللجوء في الضفة الغربية على وقع حالة استقطاب شديدة بين القوى الفلسطينية، وسط ترجيحات بحدوث صراعات بينها على السلطة بعد مغادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ويعرف مخيم بلاطة الذي يعد أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينية بالضفة تناميا لحضور وتأثير التيار الإصلاحي لحركة فتح الذي يتزعمه القيادي محمد دحلان، الأمر الذي يثير قلق المجموعة التي تتحكم في مفاصل القرار في رام الله والتي ترنو قياداتها لخلافة عباس (85 عاما).
ويرى مراقبون أن الوضع المتوتر في مخيم بلاطة كما في غيره من المخيمات المنتشرة في الضفة ينذر بالمزيد من التصعيد في ظل العقلية الأمنية التي تدير بها السلطة تلك المخيمات، وعدم إنصاتها وتجاهلها لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين.
وتمتلئ هذه الأيام جدران الأزقة الرمادية في مخيم بلاطة بملصقات تحمل صورة حاتم أبورزق “الشهيد” الجديد الذي سقط في اشتباكات بين مسلحين والأجهزة الأمنية في 31 أكتوبر الماضي.
وتحدثت وسائل الإعلام الفلسطينية عن مقتل الفلسطيني حاتم أبورزق (35 عاما) وجرح آخر في المخيم المكتظ والذي يضم ثلاثين ألف فلسطيني في مساحة لا تتعدّى 0.25 كيلومتر مربع خارج مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة. وكان أبورزق قضى عشر سنوات من حياته في السجون الإسرائيلية لمشاركته في “المقاومة الفلسطينية” في الانتفاضة الثانية (2000 – 2005).
وتقول السلطات الرسمية إن أبورزق توفي “متأثرا بإصابته بانفجار قنبلة كان يعد لإلقائها”. لكن والدته تتهم السلطات الفلسطينية، وتقول في شقتها الصغيرة في مبنى إسمنتي في شارع ضيق “في الحقيقة قتل برصاص السلطة الفلسطينية”. وتضيف أن “حاتم كان إنسانا طيبا يتطلع إلى محاربة الفساد داخل السلطة الفلسطينية، لهذا لم يحبوه”.
وكان النائب جمال الطيراوي وجه في وقت سابق نداء للرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء محمد اشتية قال فيه “كفى أوقفوا الدمار والتدمير الذي يحصل بمخيم بلاطة، أوقفوا الحصار والاقتحام للبيوت الذي يجري الآن والتفتيش العشوائي للمنازل وإرهاب الأطفال والنساء والشيوخ”. وأضاف “ارحمونا جميعا في هذا المخيم لا نريد دمارا ولا موتا لأي كان من أبناء المخيم أو من أبنائنا في الأمن”.
ويقول نشطاء فلسطينيون إن السلطة الفلسطينية والمجموعة المسيطرة عليها تسعى لتركيع المخيمات في ظل قلقها من تنامي شعبية دحلان، وقد أوكلت مهمة إخضاع بلاطة وغيره من المخيمات لقائد الأمن الوطني نضال أبودخان الذي يعد من الحلقة الضيقة المقربة من عباس، بل إن هناك من يصفه بالصندوق الأسود لصفقات عائلة الرئيس الفلسطيني.
ودحلان الذي ولد في مخيم خان يونس للاجئين المكتظ بالسكان في قطاع غزة، ونشأ كواحد من قادة الانتفاضة الفلسطينية الشباب في 1987، اشتبك أثناء صعوده سلّم السلطة الفلسطينية، بعد وفاة ياسر عرفات في 2004، مع عباس عدة مرات، إذ رأى فيه عباس منافسا طموحا، وحمّل دحلان مسؤولية فشله في إخماد التمرد الذي سيطرت فيه حماس على غزة في 2007.
وكان دحلان رئيس المخابرات العامة قبل سيطرة حماس على قطاع غزة في 2007. وقد اضطر إلى الانشقاق عن حركة فتح تحت ضغط السلطة ويعيش حاليا في الإمارات.
واستغلت السلطة الفلسطينية وجود دحلان في الإمارة الخليجية وعلاقاته المقربة بقيادتها للترويج لمزاعم بشأن علاقته باتفاقات أبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة، وذلك في
محاولة لقطع الطريق أمام إمكانية توليه السلطة مستقبلا. وتشن اليوم حملة في المخيمات التي ولد من رحمها في محاولة للنيل من حاضنته الشعبية، بحيث أصبح الانتماء لتيار دحلان تهمة.
وقال محافظ نابلس اللواء إبراهيم رمضان أحد أقطاب فتح “لا شك في أن حاتم أبورزق كان مع دحلان”، مشيرا إلى أنه منذ تلك الحادثة “جرح 14” من أفراد قوات الأمن الفلسطينية في هجمات في بلاطة. وأضاف “إنهم لا يفهمون شيئا دون استخدام القوة ولا يفهمون أننا أقوياء”.
ويزعم اللواء وائل اشتيوي أن عناصر موالين لدحلان “يوزعون المال على الشباب العاطل عن العمل لإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على القوات الفلسطينية، وهدفهم هو إثارة الاضطرابات وإظهار أن السلطة الفلسطينية لا تسيطر على المخيمات”.
ويرى مدير مركز تقدم للسياسات في لندن أنه “لا يمكن تجاوز فكرة أن الأحداث الأخيرة كانت التعبير الأبرز عن صراع أجنحة بين مراكز القوى المختلفة، ليس فقط على تركة السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح بعد الرئيس محمود عباس، بل في تقديم الولاء والمصداقية واستعراض القوة أمام الحاكم الفعلي، منسق إدارة الاحتلال الجنرال كميل أبوركن الذي يتخذ من مستوطنة بيت إيل مقرا لقيادته ويبعد أقل من ألفي متر عن بيت الرئيس الفلسطيني”.
ويقول محمد مشارقة إنه لم “يعد مقنعا تبرير استخدام القوة مع شعب تحت الاحتلال بأنه مواجهة مع أشباح طامعة في السلطة كما تقول الرواية الرسمية، والتي توزع تارة بين القيادي الفتحاوي محمد دحلان وحركة وحماس أو حزب التحرير الإسلامي، وفي نسخة أخرى من الرواية الأمنية، إنها مطاردة للخارجين عن القانون وتجار السلاح الذين ينتمون في غالبيتهم لحركة فتح وأجنحتها العسكرية”.
ونفى مقربون من محمد دحلان أي مسؤولية عن تبادل إطلاق النار في مخيمات بلاطة أو مخيم الأمعري قرب رام الله، فيما قال العضو في حركة فتح ديميتري ديلياني، وأحد مؤيدي دحلان، إن “السلطة الفلسطينية تعاني من فوبيا دحلان، إذ تعتبره وباء أسوأ من كوفيد – 19”.
وأضاف أن “هذا التمرد هو رد فعل من بعض سكان المخيمات الذين تم التمييز ضدهم من قبل السلطة الفلسطينية”، مشيرا إلى أن “سكان المخيمات دفعوا الثمن الأعلى خلال الانتفاضات الفلسطينية ولم يعاملوا بشكل جيد… الناس غاضبون”.
ويشعر رئيس لجنة الخدمات المحلية لسكان بلاطة عمد زكي بالأسف لما يحدث. وقال إن “الناس في بلاطة ليسوا معجبين بدحلان لكنهم يبحثون عن بديل لتحسين وضعهم ومصيرهم، إنها أرض خصبة”.
الأوبزرفر العربي