الشركات الأوروبية تمتثل لقرارات روسيا وتفتح حسابات بنكية ب”الروبل”
تحذيرات موسكو بقطع إمدادات الطاقة يجب أن تؤخذ على محمل الجد
قررت 10 شركات أوروبية بينها “إيني” الإيطالية و”ميونيبر” الألمانية، في فتح حسابات بنكية لسديد ثمن الغاز بالعملة الروسية في خطوة أعتبرها خبراء على أنها “خضوع أوروبي لقرارات روسيا“.
وتلك القرارات جاءت بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ربط توريد الغاز والنفط للدول “غير الصديقة” بالروبل الروسي.
قرار الشركات الأوروبية جاء وسط تصاعد الخلافات بين الشركاء الأوروبيين حول تسديد ثمن الغاز الروسي بالروبل، وتحذيرات من تآكل الوحدة الأوروبية بسبب ما وصفه مراقبين بـ”فتنة الروبل”.
ولتبرير خطوتها قالت “ميونيبر” إنها ستسدد ثمن الغاز الذي تشتريه من روسيا باليورو وسيتم تحويله إلى الروبل عبر حساب جديد يفتح بالعملة الروسية، بحسب وكالة رويترز.
وأضافت أن الخيارات المتاحة معدومة، مؤكدة التزامها بالعقوبات على اعتبار أن تحويل المدفوعات وفقاً لقانون العقوبات والمرسوم الروسي أمراً ممكناً.
تحذيرات موسكو
أما وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، فيقول إنّ “المدفوعات ستسدَّد باليورو ثم تحوَّل بواسطة غازبروم بنك إلى حساب بالروبل، هذا هو المسار الذي نسلكه، وهذا هو المسار الذي أوضحته لنا أوروبا، وهو متوافق مع العقوبات ومتوافق مع العقود المبرمة”، مشيرا إلى أن “تحذيرات قطع موسكو لإمدادات الطاقة يجب أن يؤخذ على محمل الجد”.
كما تسعى “إيني” الإيطالية هي الأخرى لشراء الغاز الروسي بفتح حسابات بالروبل، بالمخالفة لطلب الاتحاد الأوروبي بعدم التعامل بالعملة الروسية.
ووفقا لوكالة بلومبيرغ “تستعد إيني لفتح حسابات بالروبل في غازبروم بنك، بما يسمح لها الامتثال للمطالب الروسية بضرورة دفع ثمن الغاز بالعملة المحلية، وبررت الخطوة بأنها “احترازية”.
وبحسب الوكالة فإن هذه الوحدة الأوروبية قد تكون بدأت في التلاشي، حيث كشف مصدر مقرب من شركة الغاز الروسية العملاقة غاز بورم أن 4 مشترين أوروبيين للغاز دفعوا بالروبل، كما قام آخرون بفتح 10 حسابات في “بنك غاز بروم” لتلبية متطلبات الدفع الجديدة.
أما في فيينا، فقال المستشار النمساوي كارل نيهامر إن شركة الطاقة النمساوية “أو إم في”، “قبلت شروط الدفع التي فرضتها موسكو، معتبرا أنها متوافقة مع العقوبات”.
الشركاء الدوليين وافقوا على طريقة الدفع
ومن جهته، يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن معظم الشركاء الدوليين وافقوا على طريقة الدفع مقابل الغاز الطبيعي التي طلبناها.
وكانت شركة غازبروم الروسية أعلنت، يوم الأربعاء، قطع إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا بعد رفض البلدين البدء في دفع تكاليف الإمدادات بالروبل.
و97 في المائة من العقود المبرمة بين غازبروم الروسية والدول الأوروبية مقوّمة باليورو أو الدولار، لكن قرار الروبل جاء كخطوة من موسكو للرد على العقوبات الغربية.
ويقول الدكتور محمد فراج أبو النور، المختص في الشأن الروسي، إن قرار روسيا ربط الغاز بالروبل، عقاب اقتصادي لأوروبا والغرب الذي فرض عقوبات اقتصادية قاسية على موسكو، كما أنها رسالة روسية لأوروبا تؤكد أن الطاقة الروسية مهمة للأمن الطاقة العالمي والاستقرار السياسي والاقتصادي في تلك الدول.
ويضيف أبو النور، أن الغرب وبعد التدخل الروسي في أوكرانيا شن حربا اقتصادية على موسكو ما انعكس بآثار سلبية على الاقتصاد العالمي كله، وقرار ربط الروبل بالغاز جعل العملة الروسية تستعيد قيمتها التي فقدتها مع الحرب، لافتا إلى أن معدلات التضخم في روسيا تنخفض بشكل واضح، ما يشير إلى أن موسكو في طريقها لتطويع تداعيات تلك العقوبات وامتصاص تأثيراتها.
التفاف على العقوبات الأوروبية
ومن جهتها اعتبرت المفوضية الأوروبية، يوم الخميس، أن “رضوخ” دول أوروبية لشرط موسكو يمثل التفافاً على العقوبات الأوروبية، متهمة موسكو بـ”ابتزاز أوروبا”.
وبحسب المفوّضية الأوروبية فإنّ آلية الدفع التي فرضها الكرملين تستحدث آلية دفعٍ جديدة على مرحلتين: في المرحلة الأولى يُحوَّل المبلغ، باليورو أو بالدولار وفقاً لما هو منصوص عليه في عقد الشراء، إلى حساب في مصرف غازبروم بنك، وفي المرحلة الثانية يحوّل هذا المبلغ إلى الروبل في حساب آخر في نفس المصرف.
ولفتت المفوضية إلى أن عملية تحويل الأموال من الحساب الأول إلى الحساب الثاني تمرّ عبر المصرف المركزي الروسي، وهو أمر تحظره العقوبات الأوروبية السارية على موسكو.
وحذرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الشركات من الانصياع لمطالب روسيا بدفع ثمن الغاز بالروبل.
أما مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون، فنصحت دول الاتحاد بالتمسك بعملتي اليورو أو الدولار في عقودها القائمة مع روسيا وألا تدفع بالروبل لشراء الغاز.
ومع بدء المواعيد النهائية لسداد مدفوعات الغاز خلال الشهر المقبل، يتعين على الحكومات والشركات في جميع أنحاء أوروبا أن تقرر ما إذا كانت ستلتزم بالقواعد الجديدة أو تواجه احتمال قطع الإمدادات.
كسر هينمة الدولار واليورو
ويقول الخبير الاقتصادي الروسي بمجال أمن الطاقة، فلاديمير إيغور، إن ” قرار الروبل له أهداف اقتصادية بينها زيادة الطلب على الروبل، كما أن لها معنى رمزي يأتي في سياق محاولة روسيا كسر هينمة الدولار واليورو”.
ويضيف إيغور، أن “خطوة الروبل تمت لتذكير الأوروبيين بدرجة اعتمادهم على الموارد الروسية، ولا سيما الغاز، لأنهم يتمادون في فرض العقوبات ويدعون في نفس الوقت استعدادهم للتخلي عن الغاز الروسي”.
والشهر الماضي، صدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، الحكومات والأسواق الأوروبية بالمطالبة بضرورة دفع ثمن الغاز بالروبل عبر آلية معقدة تتضمن إنشاء حسابين مصرفيين مرتبطين للتعامل مع صفقة الصرف الأجنبي.
ويقول البيت الأبيض، إن روسيا تستخدم بشكل أساسي إمدادات الطاقة كـ”سلاح بقطعها إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا”.
وتعتمد القارة الأوروبية على إمدادات الغاز الروسي في سد أكثر من 40 في المئة من احتياجاتها من الغاز.