الطريق إلى “دولة فلسطين” (2) – كيف؟
كنا في الجزء الأول من مقالنا هذا، قد ذكرنا أن التضحيات العظمى الحالية وما سبقها من تضحيات طوال قرن من الزمان التي بذلها الشعب الفلسطيني، سعياً وراء استقلاله، لن تؤتي ثمارها ولا هدفها.
سوى بتحركات ضرورية للغاية بداخل المعسكر الواسع للفصائل والمنظمات الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس، تؤدي إلى “وحدة وطنية” فلسطينية حقيقية تكون الأساس الذي يقوم عليه الاعتراف الدولي المراد والمرتقب من المجتمع الدولي.
وسعينا في هذا المقال الأول إلى الإجابة عن سؤال: “لماذا” وعلام يقوم النموذج الجديد لدولة فلسطين؟، الذي بلوره وطرحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ بدء العدوان الإسرائيلي.
وفي هذا الجزء الثاني، نحاول التطرق إلى إجابة سؤال “كيف؟”، والسبيل الذي يجب على الفصائل والمنظمات الفلسطينية سلوكه من أجل التوصل للركن الثالث للدولة الفلسطينية، الذي يجب تشكيله لتطبيق النموذج المصري الجديد المتوافق عليه دوليا حاليا، وهو الحكومة الموحدة، الممثل الرسمي لهذه الدولة، والتي بدونها لن تكون هناك إمكانية حقيقية لتطبيق هذا النموذج، وبالتالي لن يكون للاعتراف الدولي المنشود أي قيمة واقعية فيما يخص مستقبل الشعب الفلسطيني.
ولا شك، أن ما سبق ذكره في المقال الأول يصب كله في أنه لا مجال لوحدة العمل الفلسطيني، بين كل الفصائل والسلطة، سوى إطار منظمة التحرير الفلسطينية، المعترف بها عربيا ودوليا وأمميا كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
وبالتالي، فلا مجال مطلقا لأي اعتراض أو مناورة من أي من هذه الفصائل فيما يخص رفض أو تجنب أو تأجيل هذا الانخراط الكامل في مؤسسات منظمة التحرير.
وقد مرت مراحل كثيرة وطويلة من بداية تسعينيات القرن الماضي، كانتا فيها حماس والجهاد الإسلامي ترفضان أو تتهربان من الانضمام للمنظمة، بما في ذلك القبول بما التزمتا به في وثائقهما منذ هذا الوقت بقبول قيام “دولة فلسطين” على الأراضي الفلسطينية ما قبل عدوان 5 يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وقد خطت حركة حماس خطوة كبيرة وإيجابية في هذا الاتجاه، عندما أصدرت في مايو/أيار 2017 “وثيقة المبادئ والسياسات العامة لحركة حماس” في 42 بندا، التي استبدلت بها ميثاق الحركة الذي كان قد صدر في أغسطس/آب عام 1988.
هذا هو الأهم
وبعيدا عن تغيرات جوهرية مهمة لحقت بتعريف الحركة وعضويتها وأساليب عملها وإلغاء ارتباطها بجماعة الإخوان في الوثيقة الجديدة، فالأهم كان ما جاء بالبند رقم (29) منها، الذي نص على أن “منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية”.
كذلك فقد خطت الحركة مسافة واسعة نحو ما قبلت به المنظمة ويوافق عليه المجتمع الدولي والنظام العربي، فيما يخص “دولة فلسطين”، حيث نصت الفقرة الثانية من البند رقم (20) من الوثيقة على أن “حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة”.
وقد سبق هذا التطور الجوهري التاريخي، ذكر الوثيقة في نفس البند بعض التحفظات السياسية العامة، التي لم يكن بقدرة الحركة نظرا لأسباب داخلية كثيرة التخلي عنها وعدم ذكرها، مثل رفض التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين، وعدم الاعتراف بكيان “دولة إسرائيل”.
وبذلك، فقد قطعت حماس، وغالبا معها الجهاد أيضا، هاتين الخطوتين الجوهريتين التاريخيتين، الإقرار بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي “الإطار الوطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه” مع تطويره وإعادة بنائه ديمقراطيا، ثم القبول بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو/حزيران 1967، واعتبار هذا القبول “صيغة توافقية وطنية مشتركة”.
وفي ظل هذه الخطوات الجوهرية والكبرى والضرورية، أتت الوثيقة التي أصدرتها الفصائل الفلسطينية المجتمعة في موسكو بداية مارس/آذار الماضي، التي أعلنت فيها اتفاقها “على أن اجتماعاتها ستستمر في جولات حوارية قادمة، للوصول إلى وحدة وطنية شاملة تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.
إن الواجب الوطني وكل هذه الأرواح البريئة والدماء الطاهرة، التي بذلها الشعب الفلسطيني في غزة، وأيضا في الضفة، تستلزم من كل السلطة الفلسطينية وكل الفصائل، وخصوصا حماس والجهاد، المضي قدما وسريعا نحو الانضمام الجمعي بداخل منظمة التحرير الفلسطينية، وبعدها تشكيل حكومة وحدة وطنية واحدة متوافق عليها، تكون هي قاطرة الشعب الفلسطيني نحو الاعتراف الدولي والأممي بدولة فلسطين، حيث يبدأ العمل والنضال الحقيقيين من أجل استكمال مقومات بنائها واستمرارها.