الطريق غير معبّدة أمام الغنوشي لرئاسة برلمان تونس
من المفترض أن تواجه حركة النهضة بعدما قررت، الأحد، ترشيح زعيمها راشد الغنوشي لرئاسة مؤسسة البرلمان، مصدر السلطة الأول في تونس، صعوبة كبيرة لتمكينه من هذا المنصب في آخر مسيرته السياسية والحزبية، فالكتلة البرلمانية الضعيفة التي حصلت عليها في الانتخابات الأخيرة، لن تجعلها قادرة على الفوز بقيادة البرلمان بسهولة، الهدف الذي سيدفعها إلى تقديم تنازلات موجعة للكتل والأحزاب الحليفة.
وينتخب البرلمان التونسي، يوم الأربعاء المقبل، رئيسه الجديد ونائبيه بالأغلبية المطلقة للأعضاء، أي 109 أصوات على الأقل، خلال الجلسة الافتتاحية التي دعي إليها النواب الجدد الذين تم انتخابهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وسيترأسها زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي باعتباره أكبر أعضاء البرلمان الجديد سنّا.
فيما لا تبدو حظوظ الغنوشي في الفوز بمنصب رئيس البرلمان للمدة النيابية 2019 – 2024، قويّة، حيث لا يؤهله فوز حزبه الضعيف بعدد قليل من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (52 مقعدا) لضمان أغلبية برلمانية داعمة له (109 كحد أدنى)، إذ تسير كل نوايا التصويت ضدّه، بعدما رفضت أغلب وأهم الكتل البرلمانية مساندته وقرّرت عدم التصويت له ليرأس البرلمان، على غرار “حركة الشعب” وحزب “قلب تونس” وكذلك حزب “التيار الديمقراطي”، إضافة إلى أن الغنوشي يعتبر واحدا من أهم الشخصيات المرفوضة لتولي أي منصب قيادي كبير بالبلاد، في المرحلة المقبلة، حتى من داخل حزبه.
بدوره، يرى المحلل السياسي سرحان الشيخاوي، أن ترشيح النهضة للغنوشي لرئاسة البرلمان القادم كان منتظرا منذ الإعلان عن ترشحه في الانتخابات البرلمانية الماضية، مشيرا إلى أن الحركة تبحث من وراء هذه الخطوة إلى “إيجاد مخرج مشرّف للغنوشي، الذي تنتهي فترة رئاسته للحركة قريبا ولا يمكنه الترشح لرئاستها مرة أخرى ارتباطا بما ينص عليه النظام الأساسي للحركة”.
إلا أن الطريق إلى رئاسة البرلمان لن تكون مفتوحة أمام الغنوشي، حسب الشيخاوي، الذي أكد أن هذا “الأمر مرتبط بمضمون النقاشات والمشاورات التي تخوضها النهضة حاليا لتشكيل سند سياسي للحكومة المقبلة”، مؤكدا أن منصب رئيس البرلمان ونائبيه ومنصب رئيس الحكومة ووزرائها، “ستكون كلها في علاقة بالمحاصصة التي سيتشكل على أساسها الائتلاف الحكومي الذي سيصوت للحكومة ورئيسها وسيصوّت لرئيس البرلمان”، مشيرا إلى أن “أي خلل في التصويت سيسقط كل التوافقات”.
ولكن حتى في صورة فوزه برئاسة البرلمان، لن تكون مهمة الغنوشي (78 سنة) الذي لم يسبق له تقلد أي منصب في الدولة ويفتقد إلى التكوين المطلوب لتولي هذه الوظيفة، سهلة، حيث يتوقع الشيخاوي أن يعجز ويفشل في إدارة الجلسات البرلمانية شديدة التوتر والمرهقة، والتي ستوجه له فيها انتقادات لاذعة، موضحا، أن “هذا الموضع غير المألوف للغنوشي سيجعله أمام مأزق حقيقي يمكن أن يدفعه للتنازل عن هذا الدور والانسحاب قبل انتهاء الخمس سنوات التي تمتد عليها المدة النيابية للبرلمان الجديد”.
من جهته يرى المحلل السياسي بسام حمدي، أن حركة النهضة ستضطر إلى تقديم تنازلات من أجل ضمان التصويت لصالح راشد الغنوشي، مرشحها إلى رئاسة البرلمان، متوقعا في هذا السياق أن تتنازل على رئاسة الحكومة القادمة لصالح شخصية من خارج الحزب.
وأوضح حمدي، أن “حركة النهضة مازالت تستمر في المناورة السياسية من خلال تأكيدها على تمسكها بقيادة الحكم في الفترة القادمة، عبر ترشيح شخصية من صفوفه، رغم أن المكتب التنفيذي للحركة أو جزء هام منه لا يريد قيادة الحكم، نظرا لضعف الكتلة البرلمانية لحركة النهضة وعدم حصولها على أغلبية برلمانية، وكذلك نظرا للتطورات الإقليمية وتدني وزن الإسلام السياسي في المنطقة”.
كما اعتبر حمدي أن حركة النهضة تريد من وراء التمسّك برئاسة الحكومة، أن “تفرض على الأحزاب السياسية المعنية بالحكم، القبول بأن يكون رئيس البرلمان القادم راشد الغنوشي والتصويت له للصعود إلى هذا المنصب، حتى تستجيب لطلباتهم في عدم ترؤسها للحكومة القادمة”.
يشار إلى أنه ومنذ أسابيع، تخوض حركة النهضة مفاوضات شاقة لتشكيل الحكومة الجديدة، مع الأحزاب السياسية التي ما زالت ترفض الانخراط في حكومة تترأسها النهضة، وتعارض حصولها على الوزارات السيادية.