العرب واختبار جدّية الدول الغربية
ما الذي دافع عنه العرب في قمة البحرين؟ وماذا في الخطاب الذي وجّهوه إلى شعوبهم وإلى العالم؟ ليس هناك ما هو أسهل من اللغة التي تصبّ الزيت على النار فهي تعبّر عن الألم والمآسي والإحباط والغضب لكنها تبقي الأزمات والحروب مقيمة وغالباً ما تحقّق مصالح المستفيدين منها لا مصالح البلدان والشعوب المنكوبة.
أما الأصعب، فهو التوجّه خلال الأوقات الحالكة للنظر إلى تحديد معالم الحلول الممكنة، الواجب تقديمها على عداها، وأيضاً لتحديد المسؤوليات الراهنة والمستقبلية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. والحرب على غزّة أكّدت أنها ليست حدثاً مرتبطاً باللحظة الأولى لانطلاقها، ولا برقعة القطاع وامتدادها إلى الضفة الغربية، وإنما هي نتيجة أزمة مزمنة وُضعَت خرائط طرق عدّة لحلّها لكنها ضلّت الطريق التي شقّتها القمم العربية باعتمادها السلام «خياراً استراتيجياً»، وقد أخطأت الأطراف الأخرى المعنية بعدم أخذه في الاعتبار، وكذلك بالتهرّب من موجبات التسوية العادلة. لا يزال العرب يدافعون عن الخيار السلمي هذا، ويبحثون عن سبل تحقيقه وعن شركاء راغبين فعلاً في تزكيته وفقاً لأهداف ومصالح مشتركة.
إنهم ينشدون الاستقرار والأمن والأمان لشعوبهم، ويأملون في أن يشاركهم جيرانهم جميعاً هذا الخيار، لأنه السبيل الوحيد لا لإنهاء الحرب الراهنة فحسب بل لكل النزاعات التي انتابت عدداً من بلدانهم ولا تزال أشباحها تهدد عدداً آخر. فالحروب مهما طالت واستفحلت لا تولّد سوى الحروب، ثم أن التاريخ برهن أن المنطقة مستهدفة على الدوام ومن جهات كثيرة متنوّعة الدوافع، لكن العمل الدؤوب لاحتواء الأزمات أو لتصفيرها برهن بدوره أنه يستطيع صدّ التحدّيات وتفادي الأسوأ، فالخصم أو العدو أيّاً كانت أطماعه ووسائله سيفقد تدريجاً حجته ومبرراته وسيجد أنه لن ينال في نهاية المطاف إلا ما يمكن التفاوض والتوافق عليه.
ما دافع عنه العرب وما دعوا إليه، في قمة البحرين وقبلها، هو تفعيل النظام الدولي لا دفعه إلى مزيد من العجز والشلل، إذ لم يكن بحاجة إلى الحرب على غزّة أو ما سبقها، لإظهار انقساماته وخلل معاييره وانعدام حسّه الإنساني. ما أراد العرب قوله إنه لن يصحّ إلا الصحيح واقعياً، وإن الوقت حان كي يتوقف المجتمع الدولي عن إضاعة الوقت، ذاك أن سبعة عقود على الصراع حول فلسطين، وعلى محاولات طمس الحقوق المشروعة لشعبها، أفضت أخيراً إلى اعتراف مبدئي من دول الغرب بضرورة قيام دولة فلسطينية وصوابه، ويبقى اعترافها النهائي. لا خيار آخر سوى إدامة الاحتلال الإسرائيلي وتحصينه عسكرياً ودبلوماسياً، لكن الاحتلال يعني وضعاً غير شرعي غير مقبول، وممارسات بلغت الآن حدّ الإبادة الجماعية.
قمة البحرين كررت المطالبة بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على خطوط الرابع من يونيو 1967 «لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل» وفق قرارات الشرعية الدولية والمرجعيات المعتمدة، بما فيها مبادرة السلام العربية المطروحة منذ قمة بيروت (2002)، لكن الإدارات الأميركية وإسرائيل فشلت في التعامل معها. مرّة أخرى يؤكّد العرب جدّية في البحث عن السلام ويتوقّعون أن تقابلهم الأطراف الأخرى بجدّية مماثلة: إذا أصبحت الدولة الفلسطينية مشروعاً سلمياً وهدفاً دولياً فلا داعي لتبديده بإطالة الحرب على غزّة أو بالتمهيد لحروب أخرى. ولا شك أن المطالبة ب«مؤتمر دولي للسلام»، وبنشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة «إلى حين تنفيذ حلّ الدولتين»، يهدفان إلى اختبار الدول الغربية ووضعها أمام حتمية العمل لتحقيق ما اعترفت بأنه الحلّ الصحيح.