العلاقات التركية السعودية في ميزان السياسية المصرية
لم تتوقع مصادر مصرية، حدوث تغير حالياً في موقف القاهرة من النظام التركي، بصرف النظر عن المدى الذي يمكن أن تبلغه محادثات السعودية المفتوحة مع أنقرة.
فقد بدأت معركة مصر مع أنقرة قبل الرياض بسنوات، ومضت عمليات التصعيد في حلقات منفصلة، وتتعلق بحسابات كل دولة.
وإذا كانت النقطة المركزية في أزمة مصر مع النظام التركي، تكمن في احتضان جماعة الإخونجية ودعم المتطرفين، فسوف تكون هي أيضا المنوطة بها مهمة فك العقدة أو استمرارها.
وأبدت الرياض قبل يومين مرونة ظاهرة حيال النظام التركي، بينما لم تتخذ القاهرة حتى الآن خطوة محددة نحو أنقرة تشي بأن هناك استجابة لجملة الرسائل السياسية التي وجهها إليها مسؤولون كبار في تركيا.
وكشفت مصادر مصرية مطلعة أن العلاقات الوثيقة بين مصر والسعودية لم تحُلْ دون “أن تحتفظ كل دولة بمسافة للحركة الإقليمية منفصلة عن الثانية”، وأن “القيادة المصرية درجت على التريث والحذر، وعدم المبادرة في هذا النوع من الأزمات المركبة، طالما أن المكونات غير مستقرة، وتتحكم فيها أطراف مختلفة، وتميل إلى الرهان على الزمن، الذي يتكفل بإيجاد واقع قد يحمل صبغات قاسية”.
وعبرت المصادر عن “تفهم مصر دوافع التغير في الموقف السعودي” تجاه أنقرة، لِمَا لذلك من علاقة بتقديرات الرياض في هذه المرحلة الدقيقة، حيث لا يضيرها حدوث تطور إيجابي، لكن المشكلة تكمن في أن القيادة التركية “غير صادقة، ولن تصفو نواياها تماما، وأبقت على ملف اغتيال جمال خاشقجي معلقا لتوظيفه سياسيا في أي لحظة”.
وقالت إن مصر والسعودية كانت لهما تقديرات متباينة بشأن تفاصيل ما جرى في كل من سوريا واليمن، ناهيك عن إيران، ولم تتأثر العلاقات في أي مرحلة، وهناك تفاهمات في الخطوط العريضة تبقي على تحالفهما.
وتتقاطع القاهرة والرياض مع أنقرة في ملفّيْ قطر والإخونجية، وتوجد مشكلة في الأول، ويمكن أن تتجاوز السعودية جانبا مهما من عقباتها إذا صممت الإدارة الأميركية الحالية على إيجاد تسوية مناسبة، وعدم ترحيل هذا الملف إلى الإدارة الجديدة.
بينما الموقف بالنسبة إلى القاهرة يبدو مختلفا، من زاوية أن معضلة قطر متشابكة مع الملف الثاني، وهو الإخونجية، ولن يتم تفكيك الأزمة بعيدا عن صفقة تتضمن الجماعة التي تلتقي عندها أنقرة والدوحة بوضوح.
وتزداد المسألة صعوبة في ظل تعامل النظام التركي مع إخونجية مصر على أنهم مشروع “حكومة منفى”، تنتظر الفرصة ليعودوا ويستأنفوا أهدافهم، وهو ما ينطوي على تشكيك في شرعية النظام المصري، ويبرر احتضان الإخوان، على الرغم من كل الإخفاقات.
وقالت المصادر بأن القاهرة تنتظر ما سينجلي من المواقف بين السعودية وتركيا بعد المكالمة الأخيرة بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، والحديث عن فتح الحوار، وتأكيدات كبار المسؤولين السعوديين “أن لا مشكلة مع تركيا”.
وتعتبر الدول المقاطعة لقطر أن مصر هي العضو الوازن الذي يواجه الدعم التركي للدوحة، وأن القاهرة بثقلها البشري والسياسي ستكون دائما العقبة أمام أي تمدد تركي في المنطقة.
وأنفق النظام التركي بكثافة اقتصادية وسياسية وإعلامية على هذا المشروع كخطة للتغيير الجذري؛ ما يعني أنه يتجاوز فكرة الموقف الذي يمكن تسويته بجلسات مصالحة.
واستبعدت مصادر سياسية مصرية أن تتراجع قطر عن تأييدها للإخونجية وعن مسعاها لاستعادة حكمهم في مصر، حتى وإن أقدمت تركيا على تغيير البعض من مواقفها تجاه مصر.
وأشارت المصادر إلى أن هناك خطا أحمر رسمته القاهرة للنظام التركي في ليبيا، صمد حتى الآن، بينما وضعت خطها المماثل في خندق هذا المشروع، وهو صامد حتى الآن، وتترقب مصر المدى الذي يمكن أن يبلغه وسط صعود وهبوط لافتيْن.
ولم تتطرق الرسائل المتفرقة التي وجهتها أنقرة للقاهرة مؤخرا إلى مصير الإخونجية صراحة، وركزت على تلميحات تتعلق بقضيتيْ شرق البحر المتوسط وليبيا، واتخذت فيهما مصر خطوات بعيدة عن تركيا، وقاومت استفزازاتها عبر تشكيل شبكة أمان إقليمية ودولية، يحتاج أي تغير فيها إلى تنسيق كبير مع جهات أخرى.
ويقول مراقبون، إن ورقة الإخونجية مهمة لكل من تركيا ومصر، ولن تفرّط فيها أي واحدة منهما، إلا تحت ضغوط معينة أو مكاسب مغرية، فالنظام التركي يعتقد أن التضحية بالإخونجية تكبده خسارة فادحة، ذلك أن خطابه يتبنى نهجا منسجما مع الجماعة، ودفع في سبيل ذلك ثمنا باهظا، والتخلي عنه قد يكون مكلفا له، ما لم يكن المقابل سخيّا.
ولا ترغب القاهرة في تسوية ملف الإخونجية مع أنقرة، لأنها ورقة تمنحها مساحة عريضة لاستمرار سياستها المتشددة مع التيار الإسلامي الذي يتلقى تمويلات من تركيا وقطر، وأي مصالحة سوف تتضمن تخفيفا تلقائيا في التعامل معه.
ولا يستبعد متابعون حدوث تغير مفاجئ في التقديرات المصرية إزاء ملف الإخونجية مع وصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وبالتالي تصبح مسألة التفاهم مع النظام التركي قابلة للتحقق في المدى المنظور على مستوى هذا الملف، لأنه ربما يزيل عن كاهل كل من القاهرة وأنقرة إحدى أدوات الضغط المزعجة سياسيا في الفترة المقبلة.
ويضيف هؤلاء، أن المأزق والحل في الوقت نفسه يكمن في أن تتبنى بعض الدول الغربية تصنيف الإخونجية جماعةً إرهابيةً، بعد تطورات متلاحقة حدثت في كل من فرنسا والنمسا، وقد تجد مصر في ذلك فرصة لمواصلة نهجها في تقويض الجماعة، وتضطر تركيا إلى الاحتفاظ بمسافة شاسعة بينها وبين مصر تنزع منها المتاجرة بالتيار الإسلامي.
وقال الباحث التركي المقيم في القاهرة محمد عبيد الله، إن أردوغان يستعد للقيام باستدارة ناحية الغرب لتحسين علاقته المتوترة هناك، خوفا من اشتداد الحملة عليه، ودخول بايدن على خطها بضراوة، خاصة أن هناك إشارات متتابعة لمنع الرئيس التركي من مواصلة تجاوزاته، وربما معاقبته على ابتزازه السابق.
واعتبر عبيد الله، أن هذه الاستدارة يمكن أن تمنح القاهرة فرصة جيدة للحركة السياسية، لأنها تعني أن أردوغان لن يمارس هوايته في الضغط على بعض الدول عبر انخراطه في أزمات، بينها ليبيا، التي تمثل تهديدا كبيرا للأمن القومي المصري.
وتميل الحكومة المصرية إلى عدم التخلي عن سياسة الانتظار حتى تتبين لها الخيوط السوداء والبيضاء في المواقف الإقليمية، ثم تقرر بطريقة عملية أي الطرق سوف تسلك، شريطة ألا تتكبد خسائر، لاسيما أن منطقة الشرق الأوسط ستوضع تحت منظار الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.
الأوبزرفر العربي