العمال الأجانب في قطر بين أخطار كورونا وتعسّف الحكومة
بالتزامن مع الجدل الذي أثير بعد أن أصدرت وزارة العدل الأميركية لائحة اتهام جديدة تشير إلى دفع رشاوى لضمان حصول قطر على كأس العالم، نشرت مجلة فورين بوليسي تقريرا يسلط الضوء على أوضاع العمال في قطر الذين يسابقون الزمن من أجل تجهيز البنية التحتية الخاصة بكأس العالم لكن دون توفر شروط سلامة لهؤلاء المهاجرين.
وبالرغم من أن الانتقادات التي توجه للدوحة في تعاملها مع وضعية هؤلاء ليست بوليدة اللحظة إلا أن تقرير المجلة الأميركية الجديد شدد على أن العمال يفضلون الموت بفايروس كورونا على ترحيلهم إلى بلدانهم حيث تعمد قطر إلى ترحيل كل من تثبت إصابته بكوفيد- 19 إلى بلاده.
وأوضح التقرير أن العمال الوافدين يفضلون الإصابة بكوفيد-19 وعدم إبلاغ السلطات القطرية للحفاظ على وظائفهم عوض خسارتها في حال تم إشعار الحكومة.
ويأتي هذا التقرير الذي أعدته صوفي كوزينز ليضاف إلى الجدل الدائر حول إصدار وزارة العدل الأميركية لائحة اتهام تشير إلى دفع رشاوى لضمان حصول الدوحة على استضافة كأس العالم.
ويشير التقرير إلى تواجد أكثر من مليوني عامل مهاجر في قطر، وهو رقم قياسي نظرا لأن إجمالي عدد سكان الدولة يبلغ 2.6 مليون نسمة. وفي السنوات الأخيرة، تضاعف عدد العمال الأجانب في الإمارة حيث شهدت البلاد طفرة بناء قبل كأس العالم 2022، الذي تقرر تنظيمه هناك.
ويأتي جل هؤلاء العمال من قرى في جنوب آسيا بعد أن يدفعوا للوسطاء آلاف الدولارات للحصول على وظيفة كانوا يأملون في أن تنتشل أسرهم من الفقر.
لكن، ومع انتشار كوفيد19- في كافة أنحاء قطر التي سجّلت أكثر من ألفي حالة مؤكدة، تُعرض ظروف أماكن تواجد العمال المهاجرين الذين لا يتمتعون بفرص الرعاية الصحية والغذاء هؤلاء الأفراد للخطر أكثر من غيرهم.
ويعد سجل قطر في انتهاكات حقوق الإنسان حافلا حيث تدين العديد من التقارير الوضع الذي يوصف بـ”المزري” للعمال الوافدين.
وجعلت الظروف التي يرزح تحتها العمال الوافدون على قطر الأخيرة عرضة لانتقادات وإدانات واسعة.
ومع تبقي أقل من 1000 يوم على ضربة بداية التظاهرة الرياضية الأشهر في العالم تزداد الضغوط على قطر مع جعلها تعول على مضاعفة العمل لهؤلاء المهاجرين من أجل تجهيز الملاعب ومشاريع البنية التحتية التي تقدر قيمتها بنحو 200 مليار دولار.
وفاقم غياب قدرة حكومات جنوب آسيا على الضغط من أجل حماية العمال سوء المعاملة الذي بلغ في بعض الأحيان الاتجار بالبشر.
وإلى جانب إدانة قطر بسبب عدم توفيرها لضمانات صحية لهؤلاء فإن الدوحة متهمة كذلك من قبل منظمات حقوقية بالإبقاء على مساكن مكتظة يعيش فيها المهاجرون وأماكن العمل التي يصعب فيها إتباع تدابير التباعد الاجتماعي.
وفي التقرير الذي نشرته فورين بوليسي يقول أحد هؤلاء: “كيف يمكن أن يحترم العمال توصيات التباعد الاجتماعي التي فُرضت لمنع تفشي كورونا وهم مضطرون للعمل في المصانع ومواقع البناء التي تجمع أكثر من 200 شخص يتنقلون في نفس الحافلة”.
وفي الوقت الذي أغلقت فيه قطر جميع الأماكن العامة لوقف تفشي الوباء ينشط عمال البناء في مجموعة متنوعة من المشاريع على الرغم من انتشار الإصابات بالفايروس بين صفوفهم.
ومنذ بدء المشاريع للتحضير لكأس العالم قبل ست سنوات، توفي 34 مهاجرا.
ومن بين تلك الوفيات، صنّفت 31 على أنها لم تكن نتيجة للعمل، وهو مصطلح يستخدم لوصف الوفيات المفاجئة مثل السكتة القلبية والوفيات الطبيعية، ويموت المئات كل عام أثناء العمل في مشاريع البناء الأخرى. ويشير تقرير فورين بوليسي إلى أنه كما هو الحال مع الوفيات في مشاريع كأس العالم، تصنف الحكومة غالبية الوفيات جراء الفايروس إلى أسباب تتعلق بالقلب والأوعية الدموية أو تسجلها كوفاة طبيعية. ومع ذلك، لا يوجد شيء طبيعي في وفاة شاب لا يعاني من أمراض سابقة.
وفي العام المنقضي أشار بحث نشرته مجلة “كارديولوجي” المختصة في أمراض القلب عن العلاقة بين التعرض للحرارة ووفيات أكثر من 1300 عامل نيبالي على مدى تسع سنوات إلى حدود سنة 2017.
ووجد علماء المناخ وأمراض القلب علاقة قوية بين الإجهاد الحراري والوفاة بسبب مشاكل القلب والأوعية الدموية في أشهر الصيف.
ففي كاتماندو النيبالية على سبيل المثال، تصل الجثث إلى المطار الدولي أسبوعيا، تاركة العائلات حزينة على أحبائها وتتساءل كيف حدث هذا، وفي الأشهر المقبلة، ستصبح العديد من الأسر في نفس الوضعية.
وأوردت المجلة الأميركية تفاصيل الإصابات التي تم التعرف عليها في صفوف المهاجرين في قطر.
وفي 11 مارس، كان 238 مهاجرا في مجمع سكني واحد في المنطقة الصناعية في موقع المصانع والمخازن وأماكن إقامة العمال المهاجرين خارج الدوحة بعد أن ثبتت إصابتهم بالفايروس. ومنذ ذلك الحين، سُجّلت العشرات من الحالات الأخرى التي تبدو مرتبطة بالتفشي الأول وهو ما أرغم الحكومة القطرية على إغلاق المنطقة الصناعية.
ومع ذلك، يبقى الرقم الحقيقي غير معروف، حيث لا تقدم الحكومة أي أرقام عن نسبة المصابين من العمال المهاجرين، ويخشى بعض المهاجرين من التقدم للإبلاغ عن أعراضهم.
وقالت مدير قسم مبادرة الهجرة الدولية للمجتمع المفتوح، إليزابيث فرانتز: “يشعر العديد من المهاجرين بالخوف من الترحيل إذا ثبتت إصابتهم بكوفيد19-. لذلك، نرى خوفا من الإبلاغ عن الأعراض أو الخضوع للفحص. ويشعر هؤلاء بأنهم مضطرون للعمل وتعريض صحتهم وصحة الآخرين للخطر. يجب أن تكون هناك ضمانات بعدم ترحيل العمال المهاجرين الذين يبلغون عن أعراضهم أو لهم نتائج الإيجابية. ويجب أن يطمئنوا بأنهم لن يفقدوا وظائفهم إذا كانوا مرضى”. ويحيل تفشي كورونا اليوم في قطر إلى فتح نقاش وجدل جديدين حول الحرية التي يتمتع بها العمال الأجانب من عدمها.
فنظام الكفالة الذي تعتمد عليه السلطات القطرية، والذي يربط العمال الأجانب بأرباب عملهم، يحد من قدرتهم على تغيير وظائفهم أو مغادرة البلاد من دون إذن وهي ممارسة يصفها منتقدون بأنها “عبودية حديثة”.
وفي أكتوبر 2019، أعلنت الحكومة عن إصلاحات من شأنها أن تسمح للعمال المهاجرين بتغيير وظائفهم وترك قطر دون موافقة مدرائهم.
وبالرغم من إشادة ناشطين بهذه الإصلاحات إلا أنه لم ينفذ منها سوى الإجراء الثاني حيث تشير مصادر إلى أنه لا يعد متاحا لدى العمال الأجانب تغيير وظائفهم، ولم يتم التطرق حتى الآن إلى الموعد الذي ستدخل فيه قطر إصلاحات جديدة تغير من واقع المهاجرين نحو الأفضل والمنشود لديهم.
ووفقا لتقرير نشرته جامعة جورجتاون في قطر برعاية مؤسسة قطر الممولة من الحكومة سنة 2019 بعنوان “تحسين صحة العمال في قطر”، واجه المهاجرون “تحديات في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية”، بما في ذلك نقص البطاقات التي تخوّل الوصول إلى الخدمات الصحية المدعومة من الحكومة ونقص الوصول الجغرافي إلى المستشفيات. وتتفاقم المشاكل بسبب حواجز اللغة والخوف من العقاب.
ومن جانبه يتصل ناريندرا كل يوم بالعشرات من العمال النيباليين المهاجرين الذين يشعرون بالخوف، وينتمي إلى مجموعة غير رسمية من المهاجرين النيباليين الذين يدافعون عن ظروف عمل ومعيشة أفضل. وقال إنه عندما يتعلق الأمر بالفايروس المستجد، يفتقر العديد من العمال إلى الوعي ولا يدركون كيفية انتشار المرض.
وردا على ذلك، شرع في بث مقاطع فيديو مباشرة على الفيسبوك للعمال المهاجرين باللغة النيبالية، موضحا ماهية الفايروس وكيف يمكنهم حماية أنفسهم بممارسات مثل غسل اليدين.
ولكن الحماية الذاتية تبقى محدودة، حيث ينام معظم العمال في غرف مشتركة مع ما يصل إلى 10 أشخاص، وعندما يتوجهون إلى العمل في مواقع البناء، يستقلّون الحافلات المكتظة.
وردا على ذلك، أعلنت الحكومة مؤخرا أنها ستخفض من عدد الأشخاص الذين يسمح لهم بامتطاء الحافلة الواحدة إلى النصف وأن السكن سيقتصر على أربعة أشخاص، ولكن تبقى كلها إجراءات غير خاضعة للمراقبة.
الدوحة- الأوبزرفر العربي