الغرب يشترط الدعم المالي للسودان بتشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية
وسط تفاقم الوضع الاقتصادي في السودان، قال مسؤولون كبار من دول غربية في بيان مشترك اليوم الجمعة، إن الدعم المالي الدولي للسودان، بما في ذلك الإعفاء من الديون، لن يتحقق إلا بتأليف حكومة مدنية ذات مصداقية.
وأضاف المسؤولون من فرنسا وألمانيا والنرويج وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في البيان بعد زيارة للخرطوم أن السودان قد يخسر “مليارات الدولارات في المساعدات التنموية من البنك الدولي وأن برنامج صندوق النقد الدولي الخاص بالسودان و19 مليار دولار لتخفيف الديون المرتبطة به سيتعرضان للخطر”.
يأتي ذلك، بعد أن جمّد المقرضون الدوليون والدول الغربية المساعدة وتخفيف الديون، على خلفية الإجراءات التي اتّخذها الجيش في 25 أكتوبر2021 والتي أسفرت عن توقيف المدنيين بالحكومة الانتقالية وانفراد الجيش بالسلطة.
وما زال التضخم، الذي انخفض في الأشهر القليلة الماضية من أعلى المعدلات في العالم إذ يتجاوز 258%، بينما تستهدف الحكومة خفضه إلى 202% في عام 2022، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء السوداني.
الآلية الثلاثية
وكانت الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (الإيجاد) أعربت في وقت سابق من أبريل الجاري عن تفاؤلها بشأن جهود الخروج من الأزمة السياسية في السودان، تمهيداً للتحول الديمقراطي المدني الكامل.
هذا التفاؤل عززه رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان منتصف أبريل الجاري، حين عبّر عن استعداده للتنحي عن منصبه حال الاتفاق بين القوى السياسية المدنية، وبإعلانه تطبيق إجراءات تهدف لتهيئة المناخ للحوار الذي سيسعى لمعالجة الأزمة السياسية في السودان.
وبعد أيام من هذه التصريحات، أطلقت السلطات السودانية سراح كلّ القياديين في حركة الحرية والتغيير، المناهضة للتدابير التي اتخذها الجيش في أكتوبر، وسط ترحيب من الأمم المتحدة.
وأعاد البرهان، الخميس، التأكيد على نيته المضي قدماً في حل الأزمة السياسية، إذ قال إن وحدة القوات العسكرية السودانية مستعدة للتوصل إلى اتفاق مع القوى السياسية في حال توافقها مع بعضها.
واعتبر البرهان أنَّ المشاكل الحالية هي “أزمات تم زرع بذرتها في أوقات سابقة”، داعياً إلى الالتفات لتحقيق مصالح البلاد في الأمن والاستقرار.
من جانبه أكد نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، وحدة القوات المسلحة، وطالب القوى السياسية بأن “ترتقي إلى مستوى المسؤولية الوطنية، والكف عن الزج بالعسكريين إلى دهاليز السياسة بسبب خلافاتهم”.
الأزمة السياسية والتمويل
وغرق السودان في أزمة سياسية حادَّة، منذ التدابير التي اتخذها البرهان في 25 أكتوبر، التي أنهت اتفاقاً لتقاسم السلطة بين العسكر والمدنيين توصّل إليه الطرفان بعد إطاحة الجيش في 2019 بالرئيس عمر البشير، إثر احتجاجات شعبية على حكمه الذي استمر ثلاثة عقود.
على إثر ذلك، تم تجميد تمويل بمليارات الدولارات من البنك وصندوق النقد الدوليين والذي كان جزء منه مخصصاً لدعم الميزانية والتنمية الزراعية، حتى تشكيل حكومة مدنية.
والمساعدات الإنسانية المباشرة مستمرة، لكن “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” وبرنامج الأغذية العالمي، علقا البرامج التي كانت تستهدف دعم حكومة مدنية انتقالية عن طريق تغطية حوالي ربع استهلاك القمح في العام الماضي.
وفي مطلع أبريل الجاري، أفادت وكالة “رويترز” الأسبوع الماضي، أن صفقة قيد الدراسة بين الجيش ومنظمات سياسية لتجاوز أحزاب المعارضة وتشكيل حكومة جديدة.
وأوضحت الوكالة أن الاتفاق يشمل تشكيل حكومة انتقالية، ومن شأنه تعزيز سيطرة الجيش على مقاليد الأمور وتجاوز الجماعات المؤيدة للديمقراطية التي كان يتقاسم معها السلطة قبل انقلاب أكتوبر.
وذكرت أن الاتفاق شهد دعماً من بعض الأحزاب السياسية المتحالفة مع الجيش، والمتمردين السابقين الذين وقعوا اتفاق سلام في 2020، وبعض الزعماء القبليين والدينيين.
ويتضمن مشروع الاتفاق بعض الإجراءات التي أشار الجيش بالفعل إلى أنه سيتخذها مثل تعيين حكومة تكنوقراط وبرلمان، للحكم حتى الانتخابات المتوقعة العام المقبل، وترشيح أعضاء الهيئات القضائية ولجنة الانتخابات.
وتقول الوثيقة في إشارة إلى فترة انتقالية سابقة عندما حكم الجيش لمدة عام قبل الانتخابات، إن الجيش هو السلطة المؤسسية والمشرف على المرحلة الانتقالية ويتولى سلطات مجلس الأمن والدفاع، على غرار التجربة الانتقالية في أبريل 1986.
في المقابل، رفضت الأحزاب السياسية التي أيدت بقوة انتفاضة 2019 ولجان مقاومة الأحياء التي تقود الاحتجاجات الحالية علانية الحوار مع الجيش، وطالبته بالانسحاب من الحياة السياسية.