الفصل الأخير من تهاوي تنظيم الإخونجية في العالم العربي
الشعوب اقتنعت أنها ضحية منظمات إرهابية تمارس الخداع والمكيدة
تعرض تنظيم الإخونجية لسلسة انهيارات متلاحقة في عدد من البلدان العربية تباعا، من مصر إلى الأردن والسودان وصولا إلى تونس، فقد اقتنعت الشعوب أنها ضحية منظمات إرهابية تمارس الخداع والمكيدة، وتتبنى أجندة متطرفة عمادها الإقصاء والخراب.
زلزال يضرب الجماعة في مقتل، التي باتت منحلة في الأردن، ومحاصرة بالغضب والاستياء الشعبي في تونس، وتحت مقصلة العدالة في السودان، فيما يجزم خبراء أن رجاته الارتدادية ستطال بؤر الإخونجية في جميع أنحاء المعمورة، لتقتلعها من جذورها.
ضربة فاصمة سددها القضاء الأردني لإخونجية المملكة، بقرار محكمة التمييز، مؤخرا، حل الفرع الإخونجي بالبلاد، لعدم قيامه بتصويب أوضاعه القانونية.
قرار حاسم، وفق وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا)، بت في نزاع قضائي حول ملكية عقارات في دعوى تقدمت بها الجماعة لتجنب نقل ملكيتها إلى “جمعية الإخونجية” الحاصلة على ترخيص من الحكومة الأردنية بممارسة نشاطها قبل سنوات.
وبصدور القرار الأردني، باتت الجماعة منحلة حكما وفاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية، وفقا للقوانين الأردنية، بسبب تجاوزها ترخيصها المسند إليها باعتبارها “جمعية الإخوان المسلمين” التي أسسها منشقون عن الجماعة في 2015.
ونظرا لطبيعتها المبنية على المغالطات للتغلغل بمفاصل البلدان التي تنشئ فيها فروعها، عرفت الجماعة تاريخيا بكونها جمعية “خيرية”، قبل أن تقتحم العمل السياسي، معتمدة سياسة المراحل، فشاركت في الحكومات والبرلمان، وحاولت الحصول على حاضنة شعبية.
لكن أقنعتها سرعان ما سقطت بأول اختبار، حين أعلنت عمان الإصلاح السياسي، في عملية عارضتها إخونجية المملكة بشدة ليقينهم من أنها ستحول دون وصولهم للسلطة، فكان أن حشدوا أنصارهم واستأجروا متظاهرين من أجل التقاط صور مفبركة زعموا أنها دليل الرفض الشعبي للعملية. ممارسات لم تنطل على الأردنيين الذين حشروا الجماعة بالهامش، وكشفوا نواياها الحقيقية، في مسار شعبي تزامن مع تحرك حكومي أحالها إلى القضاء بتهمة مخالفة طبيعة نشاطها المرخص وممارسة العمل السياسي، ليجهض مخططها، قبل أن يصدر القضاء قرار حلها، ليضع نقطة النهاية لأجندة سوداء تدعمها أيادي قطر وتركيا الخفية.
المحلل السياسي وسام حمدي، اعتبر أن قرار الأردن يستطن عدة دلالات بينها أن المملكة أدركت أن مصلحة شعبها مهددة في ظل تواصل وجود الإخوان الداعمين للمحور التركي القطري.
وأضاف حمدي، أن عمان التي تعاني من أزمة اقتصادية مثقلة بقضية اللاجئين الفلسطينيين، والباحثة عن دعم عربي أكبر لمعارضة قضية الضم الإسرائيلية، تعرف جيدا أن مسألة الحسم في جماعة الإخوان كانت أكثر من ضرورية لاعتبارات داخلية وإقليمية ترتبط جميعها بمسألة الأمن والاستقرار.
إلى شمال أفريقيا، وتحديدا إلى تونس.. هناك أيضا يبدو أن الإخونجية بدأوا يكتبون الفصل الأخير من وجودهم بالسلطة، ما يفتح الطريق أمام محاسبتهم قضائيا على العديد من الجرائم التي ارتكبوها ضد الشعب التونسي على مدار نحو عقد من الزمن.
ففي الوقت الذي أرادت فيه حركة النهضة الإخونجية توسيع الائتلاف الحاكم من أجل ضمان حصولها على أغلبية برلمانية مريحة تضمن بها تمرير مشاريع قوانينها وأجندتها المشبوهة، استقال رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، وطرد وزراءها من تشكيلته التي تتكفل حاليا بتصريف شؤون البلاد إلى حين إعلان حكومة جديدة.
استقالة سحبت البساط من تحت أقدام الحركة الإخونجية، ووضعتها أمام أصعب خياراتها، وهي التي كانت تجمع توقيعات النواب طمعا بسحب الثقة من الفخفاخ، ما يمنحها مشعل تسمية رئيس الوزراء الجديد، لكن الرئيس قيس سعيد لطمها وبعثر آمالها حين طلب من رئيس حكومته الاستقالة.
وبذلك، سدد سعيد للحركة الإخونجية ضربة قاضية، أعادت إليه صلاحية تسمية رئيس وزراء جديد، وتكليفه بتشكيل الحكومة، وفي حال رفض البرلمان منحها الثقة، يتم حله آليا والدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة، وهذا أكثر السيناريوهات شؤما بالنسبة لإخوان البلاد.
فاليوم، يقف إخونجية تونس بمفترق طريق أجاد سعيد حبك مساره، فإما أن تقبل بالشخصية التي يسميها هو وتصوت هي وحلفاؤها لصالح حكومته، ما يعني استنساخ التركيبة الحالية وموازين القوى نفسها بأسماء مغايرة، وإما اقتراع مبكر قد يقصيها كليا من المشهد، نظرا للاستياء الشعبي الكبير من أدائها، ومن التدهور اللافت للاقتصاد وللمستوى المعيشي للتونسيين في عهدها.
حمدي عاد ليقول إن “ارتفاع الأصوات الداعية لعزل النهضة ليس جديدا، سواء من الطبقة السياسية أو من الشارع الذي بات يتفق على حقيقة شبه حتمية وقاطعة وهي أن الرجل المنبوذ رقم واحد في تونس هو رئيس الحزب سليل الإخوان راشد الغنوشي”.
وتابع: “الآن، وبغض النظر عما سيأتي من خطوات سيتخذها سعيّد، فإن تونس أصبحت مرة أخرى أمام خطوة هامة ومفصلية لإخراج النهضة من الحكم مثلما حصل في 2013 إبان اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، لكن الطبقة السياسية لم تستثمر آنذاك الوضع الإقليمي، فعادت النهضة بعدما انحنت للعاصفة إلى الحكم بأشكال مختلفة قوامها توافق سرعان ما اتضح أنه مغشوش”.
وتوقع أن الحركة الإخونجية التي افتك منها سعيد المبادرة السياسية فيما يتعلق بتسمية رئيس الحكومة الجديدة، ستجد نفسها في مطب سياسي لم تعرفه من قبل، فالرئيس الآن سيزيد في إحراجها، وربما سيكلف شخصية يعرف أنها غير محل قبول من النهضة، لأنه يدرك أن الحزب الإخواني الآن كمن يسير على خيط على رقيق مغمض العينين، فإما أن يصادق على الحكومة الجديدة أو أن يحل الرئيس البرلمان ويدعو لانتخابات مبكرة لا ترغب فيها النهضة لعدة اعتبارات.
زلزال انهيار الإخونجية لم يستثن إخوان السودان، البلد المثقل بفساد الجماعة التي حكمته بقبضة من حديد، وتركت بصمات قاتمة لا تزال تشوه جزءا كبيرا من الذاكرة الجماعية للسودانية، رغم الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير في ثورة شعبية قبل عام.
وبدحر نظامهم، وجدت الحكومة الانتقالية نفسها أمام إرث ملغوم بقوانين استخدمتها الجماعة مطية لشرعنة فسادها وممارساتها، ما استدعى إصلاحات وتعديلات جذرية شملت حذف بعض القوانين، وتغيير أخرى.
ومؤخرا، نشرت وزارة العدل السودانية، بالجريدة الرسمية نصوصا إصلاحية تتضمن تعديلات قانونية أقرها رئيس المجلس الانتقالي عبدالفتاح البرهان.
وشملت التعديلات القوانين التي عبثت بها المنظمات الإخونجية بالبلاد، من ذلك قانون (الحقوق والحريات الأساسية) المعني بحقوق الإنسان وحرياته، مثل إنصاف حقوق المرأة والطفل، حيث ألغت المواد التي كانت تمس بكرامة المرأة، وإقرار حقها باصطحاب أبنائها للسفر معها خارج البلاد دون إذن من زوجها.
ولم تقتصر التعديلات على قانون الحريات، وإنما شملت أيضا القانون الجنائي الذي خاطه الإخونجية على مقاس مخططهم وأيديولوجيتهم العليلة إبان انقلابهم على الحكم قبل 3 عقود، واستهدفوا عبرها النساء أيضا، وغير المسلمين، وكل من يختلف معهم في الرأي أو المنهج أو العقيدة، حتى يمنحوا لأنفسهم، عبر نصوصهم الفضفاضة، حق مصادرة حريات الأشخاص وقهرهم.
نصوص متطرفة لا ترقى ـ تقنيا ـ لتصنيفها ضمن الخانة القانونية، ولا تمت بصلة للدين الإسلامي، لكن الإخونجية جعلوا منها سياطا سلطوها على رقاب الشعب السوداني، وكانت بمثابة الخليط الهجين بين النزوات الأيديولوجية للرئيس الأسبق جعفر نميري، والمخططات التدميرية للمخلوع عمر البشير، وهوس زعيم الإخوان حسن الترابي.
وبإقرار التعديلات، يكسر السودان أغلالا قيدت لعقود حريات مواطنيه وانتهكت حقوقهم، وساهمت في انفصال الجنوب، وهددت الوحدة، كما تعيد الاعتبار لعدد كبير من المواطنين ممن وجدوا أنفسهم وراء القضبان بتهم أخلاقية مفبركة، فقط لتواجدهم في مكان لاحتفال بأي مناسبة يجتمع فيها رجال بنساء.
ما تشهده الساحة الإقليمية من تطورات تحاصر جماعة الإخونجية، خاصة بعد حلها في الأردن أو دفع القوى المدنية في تونس لعزلهم من الحكم، ووقوعهم بمقصلة العدالة في السودان، يؤكد ـ وفق حمدي ـ أن الجماعة التي باتت مرفوضة سياسيا وشعبيا في كل الدول العربية تقريبا باستثناء قطر، لم يعد لديها أي هامش للمناورة أو بدائل جديدة تقدمها سوى بث الفوضى خاصة.
وحذر من أن الجماعة فقدت جميع أوراقها بعدما فضحت تجارتها بالدين، وكذلك أدوارها الكبيرة في دعم الإرهاب والميليشيات في كثير من القضايا سواء في سوريا أو حاليا في ليبيا، ما يعني أنه لم يتبق أمامها سوى اللجوء إلى العنف الذي ترتكز عليه أدبيات تأسيسها.
ولفت حمدي إلى أن الجماعة تراهن حاليا على النظام التركي الذي يدعمها بالمرتزقة والسلاح والعتاد، وأن ملامح العنف تظهر بالمشهد التونسي كلما ضاق الخناق عليها، وهذا ما يتوقعه مراقبون بقوة بالأيام القليلة المقبلة، سواء في تونس أو الأردن أو السودان.
الأوبزرفر العربي