“القاعدة” بعد 22 عامًا من تفجيرات سبتمبر
تمر الذكرى الـ22 على تفجيرات 11 سبتمبر عام 2001 والتي تورط فيها تنظيم ما يُعرف بـ”قاعدة الجهاد”، الذي نشأ في حضن جماعة الإخوان باعتراف قادته، ما يطرح سؤالًا عريضًا عما بقي من “القاعدة” بعد مرور أكثر من عقدين على الهجوم الإرهابي الأكبر من نوعه بأمريكا.
في البداية، يجب أن نشير إلى أن تنظيم القاعدة نشأ في حضن الإخوان المسلمين، باعتراف زعيم التنظيم الثاني، أيمن الظواهري، الذي قال إن أسامة بن لادن قال له، إنه نشأ في حضن الإخوان وتربى على يد قادته؛ هذا اعتراف من زعيم القاعدة أن أفكاره كان مصدرها الإخوان. هذا الاعتراف مصدره الزعيم الثاني للتنظيم بأنّ أفكار المؤسس الأول تعود للإخوان في الأساس.
إنّ أيمن الظواهري نفسه اعترف في كتابه “فرسان تحت راية النبي”، أنه سافر إلى أفغانستان من خلال ترشيح الإخوان له، عندما كان يعمل في إحدى المصحات العلاجية، وتعرف بـ”الجمعية الطبية الإسلامية” المملوكة لأحد قادة الإخوان، ويدعى أحمد الملط، والذي كان نائبًا لمرشد الإخوان حتى وفاته في العام 1995.
وهنا تبدو العلاقة الحقيقية بين “القاعدة” و”الإخوان”، ليس في سفر الظواهري إلى أفغانستان، والذي يعود الفضل فيه للإخوان، حيث بات بعد ذلك الرجل الأول في التنظيم الأخطر، الذي مارس العنف شرقًا وغربًا، وإنما هناك روابط جمعت الظواهري بالإخوان في بدايات حياته، فكان يعمل مع التنظيم المصنف إرهابيًا في مصر، وفي المراكز العلاجية التي أنشؤوها، وكان وثيق الصلة بهم.
لم تنته علاقة الإخوان بقادة القاعدة عند هذا الحد، لكنها امتدت لنشأة التنظيم، التي كانت باقتراح، عبد الله عزام، أحد قادة الإخوان المسلمين، والذي كان قد قال لأسامة بن لادن، بعد انتهاء الحرب الأفغانية والتي بدأت في العام 1979: لقد انتهت الحرب ولكن بقي الجهاد، ونحن معنا قاعدة بيانات لكل المجاهدين، سواء من ارتقوا إلى ربهم أو من لا زالوا على قيد الحياة، ومن هنا أتى مسمى التنظيم قاعدة الجهاد!
فقيادات تنظيم قاعدة الجهاد تربوا على يد الإخوان وفي كنف التنظيم وضمن المنظومة التربوية التي أسهمت في خلق العنف وتأسيسه منذ نشأة تنظيم الإخوان الإرهابي في نهاية العشرينات من القرن الماضي، ليس هذا فحسب، لكن قرار نشأة تنظيم القاعدة خرج من عقل الإخوان وبترتيب قادته الذين زاروا فيما بعد أفغانستان، وهنا نقصد مرشد الإخوان الخامس، مصطفى مشهور، وعضو مكتب الإرشاد، كمال السنانيري.
فهل أخفقت الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة القاعدة التي غزت أفغانستان بسببها في العام 2001، فخرجت بعد عشرين عامًا دون أن تحقق ما كانت ترنو إليه من القضاء بشكل نهائي على التنظيم؛ فعندما انسحبت بقواتها من أفغانستان في العام 2020 كان أيمن الظواهري حيًا ولم تنجح في قتله بعد شهور من خروجها، كما أنها لم تنجح في قتل أسامة بن لادن إلا في العام 2011 أي بعد عشر سنوات من غزو أفغانستان، وهو ما يؤشر إلى المواجهة الخجولة للتنظيم.
أعلنت واشنطن الحرب على تنظيم القاعدة في أفغانستان، بينما نجح التنظيم بالتمدد في أكثر من عاصمة أفريقية، وهنا يبدو الخطأ في إعطائها الأولوية لمواجهة تنظيم داعش الذي نجح في إقامة مملكته المزعومة في الرقة والموصل في 29 يونيه/حزيران من العام 2014، وانشغلت بذلك عن مواجهة القاعدة والتي بدت أخطر من “داعش”، فإذا كان الأخير يعد الأشرس، فإن القاعدة تعد “الأخطر”، كونها التنظيم الأم.
إن جماعة الإخوان هي الأخطر على مستوى التنظيم والأفكار من “القاعدة” و”داعش”، فمن رحمها خرجت القاعدة، ومن رحم الأخير خرج تنظيم داعش، فـ”الإخوان” هي الأم لكل التنظيمات المتطرفة التي أطلت على العالم، ولذلك لا فائدة من أي مواجهة لأي تنظيم دون مواجهة التنظيم الأخطر، والذي يمثل الرحم الولود لكل التنظيمات المتطرفة، والثدي الذي أرضع بعضها؛ فعلى أفكار الإخوان نشأة هذه التنظيمات وقوي عودها.
عندما نتدبر أحداث 11 سبتمبر عام 2001 نستحضر الخطة الأمريكية في مواجهة تنظيم القاعدة، وبعد مرور أكثر من عقدين من تفجيرات برجي التجارة العالميين نُحاول أن نقرأ ما حققته السياسة الأمريكية تجاه مواجهة هذا التنظيم وغيره من التنظيمات المتطرفة، صحيح انتهت آثار سبتمبر بكل ما خلفته من مآسٍ ولكن بقيت تبعاتها، خاصة وأن القاعدة مازالت تطل برأسها في أكثر من عاصمة إفريقية.
وهنا لابد أن تُراعي الاستراتيجية الأمريكية مواجهة القاعدة بنفس حماسها في مواجهة داعش؛ ولابد ألا تفرق بين مواجهة التنظيمات المتطرفة، وأن تًصنف هذه التنظيمات وفق خطرها، فلا يمكن مواجهة القاعدة وداعش بدون مواجهة تنظيم الإخوان، الذي يمثل الأم الرؤوم لكل التنظيمات المتطرفة، فلا فائدة من مواجهة لا تشمل التنظيم الأخطر على مر التاريخ.
لا أحد ينكر المواجهة الشرسة لتنظيم القاعدة والذي نتج عنه مقتل العديد من قياداته. صحيح أن التنظيم بات مشلولًا وغير قادر على الحركة، لكنه يتحرك بطريقة غير مركزية في أغلب مناطق تواجده، وهو ما يستلزم دعم الحكومات المحلية والإقليمية التي يتواجد فيها التنظيم، وقطع جذوره من خلال مواجهة التنظيمات الداعمة له، وأن يتم ذلك بدون حسابات سياسية.
يجب مراجعة لكل استراتيجيات مواجهة الإرهاب، وأن يتم الاستفادة من أخطاء الماضي، وقراءة التحولات التي مرت بها التنظيمات المتطرفة، بهدف وضع استراتيجية تكون أكثر عمقًا وتأثيرًا، وتقضي على ما تبقى من هذه التنظيمات وتحد من خطرها في نفس الوقت، ما دون ذلك سوف يظل الإرهاب يطل برأسه مُهددًا أمن العالم، وستتكرر أحداث 11 سبتمبر، حتى ولو اختلف شكل الهجوم وأثر الاعتداء.
نسي العالم هذا التاريخ 11 سبتمبر، فلم يعد أحد يسرد أحداثه رغم مرارتها، لكن العالم ما زال يتذكر هذه المأساة التي عاش تبعاتها على مدار عقدين من الزمن في محاولة للتخلص مما علق به من آثار لم يمحها الزمان، لكنها ستظل باقية حتى تفكيك ما تبقى من تنظيم القاعدة والأهم مواجهة الإخوان التنظيم الأم الذي نشأ في أحضانه.