القضية 162 تكشف تفاصيل التآمر الإخونجي على مصر
18 متهم في جرائم غسيل أموال وتمويل الإرهاب
كشفت أوراق القضية 162 أمن دولة عليا في مصر، جانبا من آليات جبهات الصراع في تنظيم الإخونجية لضمان ولاء أعضاء الهايكل التنظيمية في الداخل المصري، حيث يدور صراع ضار بين جبهة محمود حسين الأمين العام السابق لتنظيم الإخونجية، المعروفة بجبهة إسطنبول، حيث يتواجد غالبية قيادات الجبهة، وبين جبهة لندن التي يقودها القائم بأعمال مرشد التنظيم إبراهيم منير المقيم في لندن.
ويرفض كل فريق الاعتراف بشرعية الفريق الآخر، وأصدرت كل جبهة على حدة قرارا بعزل منافستها، ما يجعل كل جبهة في التنظيم المعروف بتراتبيته الصارمة والقائم على السمع والطاعة تبحث تمرير شرعيتها المطعون فيها عبر وسائل أخرى.
وتكشف أوراق القضية 162 أمن دولة عليا، جانبا من تلك الوسائل، حيث تعتمد الجبهتان على ما يبدو على ضخ الأموال في شرايين التنظيم لشراء ولاء القيادات الوسيطة وضمان السيطرة على مفاصل التنظيم.
وفي أحدث قضايا نيابة أمن الدولة العليا رقم 162لسنة 2022 أحالت النيابة محمود حسين، ومدحت الحداد القيادي الشهير وأحد رجال الأعمال الإخونجية المهمين للمحكمة الجنايات.
وأحال المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا أوراق القضية إلى محكمة الجنايات للنظر في اتهام 18 قيادياً من تنظيم الإخونجية، غالبيتهم بالداخل المصري وبعضهم هارب ومقيم في تركيا، في اتهامات بالمشاركة في تهريب أموال، وتهريب أعضاء من المنظمة الإرهابية وملاحقين أمنياً إلى خارج البلاد بطرق غير مشروعة.
عمليات غسيل أموال
كشفت القضية الأخيرة أن الإخونجية كتنظيم تمكنوا من إيجاد بديل لكثير من الشركات التي تم التحفظ عليها في أوقات سابقة، فقد ظهر من التحقيقات أن محمود حسين قام بإصدار أوامر تنظيمية لبعض أعضاء التنظيم المقيمين في مصر، لتأسيس شركة لاستيراد المستلزمات الطبية برأس مال كبير، وبإدارة إخونجية غير معروفة للسلطات الأمنية لتكون ستارا لعمليات غسيل أموال.
وأشارت أوراق القضية إلى أنه عبر هذه الشركات تمكن التنظيم من تهريب أموال للإنفاق على عملياته الإرهابية، فقد قامت أصحاب الشركة حسب اتهام النيابة بإخفاء بعض الأموال في بضائع مهربة إلى الداخل المصري، وتسلمها عضو التنظيم والمتهم الخامس في القضية، والذي قام بدوره بتسليمها لأعضاء بعينهم، للإنفاق على العمليات العدائية ضد الدولة ومؤسساتها.
كما كشفت اعترافات المتهمين أيضا عن قيام بعض أعضاء التنظيم الإرهابي بشراء أراض وعقارات بغرض استثمارها في توفير التمويل اللازم لتمويل العمليات الإرهابية.
وعقب الإطاحة بتنظيم الإخونجية من الحكم في 2013 تشكلت لجان خاصة داخل التنظيم تولت تنفيذ عمليات إرهابية واغتيالات، صنف بعضها كمنظيمات إرهابية في عدة دول غربية.
كما أشارت أوراق القضية إلى أن المتهمين سعوا في أوقات الأزمات لتهريب العملات الأجنبية إلى الخارج للضغط على العملة المحلية، على أمل تعميق الأزمة الاقتصادية الناتجة عن إغلاق كورونا.
استغلال مؤسسات الدولة للتزوير
كما كشفت التحقيقات عن قيام أحد المتهمين بتقليد خاتم حكومي وتزوير جوازات وتذاكر سفر للعدد من عناصر التنظيم الإرهابي، مستغلاً وظيفته في إحدى شركات الطيران، لتهريبهم من ميناء القاهرة الجوي.
وتأتي هذه الاعترافات لتكشف غموض هروب العديد من قيادات الإخونجية خارج مصر رغم إدراجهم على قوائم الممنوعين من السفر.
وخلال السنوات الماضية نظرت المحاكم المصرية مئات القضايا الإرهابية التي تورط فيها تنظيم الإخونجية، وصدرت أحكام بالسجن على عدد كبير من قيادات وكوادر التنظيم، وفي حالات غير قليلة كانت تلك الأحكام غيابية.
ووفق القانون المصري تعاد محاكمة المتهمين الصادر بحقهم أحكام بالسجن غيابيا.
كما تبين من التحقيقات ومن المضبوطات، استغلال قادة التنظيم أتباعهم من العاملين في مؤسسات الدولة المصرية، لتنفيذ عمليات عدائية ومخالفة للقانون وضد الدولة المصرية وتوزيع مطبوعات تتضمن ترويجا لأغراض التنظيم بالإضرار باقتصاد البلاد.
التعاون مع عصابات التهريب
وحول قرار إحالة القضية للمحاكمة وتداعيات ذلك على الخلافات التنظيمية بين جبهات التنظيم، أعرب طارق البشبيشي الكاتب والباحث في الجماعات الإرهابية والقيادي السابق في التنظيم عن اعتقاده بأن “أي حديث حول مراجعاتهم (الإخونجية) الفكرية أو التنظيمية هو عبث لا طائل منه، فوقائع تلك الجريمة يعود إلى أشهر قليلة مضت، أي وقت أن كانت هناك أصوات تطالب بدعوتهم للحوار الوطني كانوا هم يخططون لتخريب مؤسسات الدولة ونشر شائعات حولها وتنظيم علميات عدائية”.
وأوضح القيادي السابق “أن هذا أمر يجب ألا يكون مستغرباً منهم، فتاريخ الإخونجية حافل بالجرائم، ويجب أن نتعلم من تجربتنا الطويلة مع هذا التنظيم الإرهابي المتطرف، الذي ثبت أنه يعمل دائما لصالح قوى إقليمية غير وطنية، فعبر تاريخهم تعاونوا مع عصابات التهريب، ففي الأربعينيات كان حسن البنا (مؤسس التنظيم) يشتري السلاح من عصابات التهريب أو كان يقوم بسرقته من الجيش المصري”.
وأضاف أنه في ضوء هذه العلاقات مع جماعات التهريب الضاربة في العمق يمكن فهم كيف حاول القيادي الإخونجي صفوت حجازي الهرب عبر منفذ سيوة على الحدود مع ليبيا، حيث قيل حينها إنه عثر على مليوني جنيه مع المهرب كمقابل لتأمين عملية فراره.
ويرى البشبيشي أن أفضل تعامل مع هذا التنظيم هو القطيعة مع أفكارها وأعضائها، لافتا إلى أن جرائم التمويل وغسل الأموال التي تضمنها قرار النيابة تأتي ضمن مئات القضايا التي ارتكبها الإخوان بعد ثورة 30 يونيو/حزيران 2013 ، أي ليس بعيدا عن ممارسات الإخونجية مع جرائم تهريب.
وأكد أن التنظيم لم يفقد قدراته بالكامل ولم يتوقف عن تأسيس كيناته الاقتصادية البديلة، لتنفيذ عمليات غسل الأموال، وأن كل الادعاءات عن شلل الجماعة تنظيمياً يمكن اعتباره جزءا من حيلهم لتخفيف الضغط الأمني حول عناصرها.
العداء للدولة المصرية
من جانبه، يرى هشام النجار الكاتب والباحث المتخصص في الإسلام السياسي أن هذه القضية تأتي أهميتها ليس في أركانها، فهناك جرائم أشد بشاعة ارتكبها الإخونجية، ولكن توقيتها في شهر مايو/أيار 2022 يؤكد استمرار التنظيم على نهجه العدائي لمصر.
ففي الوقت الذي يزعم فيه قادتهم توقفهم عن الصراع على الرئاسة إذا بهم لا يتوقفون عن العداء للدولة المصرية وتمويل الإرهاب، مشيراً إلى أن حجم الوقائع والدلائل والبراهين والقرائن التي أثبتتها التحريات وأكدتها اعترافات المتهمين في هذه القضية وإن لم يفصل فيها القضاء حتى الآن تؤكد أن التنظيم يعمل من رأسه إلى أصغر عضو فيه من أجل إسقاط الدولة.
وذكر النجار “أن أعضاء التنظيم قاموا بتنفيذ عمليات إرهابية لتفجير مؤسسات وبنى تحتية واغتيال وتصفية شخصيات عامة، ونشر شائعات والمساهمة في عمليات تحطيم الاقتصاد المصري، ونشر ثقافة الغضب والاحتراب الداخلي (…) هؤلاء لا يمكن أن يكونوا جادين في توقفهم عن الصراع مع الدولة”.
فساد المال والفكرة
أما منير أديب، الكاتب والباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، فيرى أن هذه القضية هي انعكاس لما وصل إليه تنظيم الإخونجية، من فساد مالي هو جزء من فساد الفكرة، وبالتالي القضايا المنظورة أمام المحاكم المصرية تدل على سقوط التنظيم، كما سقطت الفكرة من قبل والتي ما عاد لها بريقا.
وأضاف أن الصراعات داخل الإخونجية دليل على فساد التنظيم والفكرة معا، والقضايا المنظورة أمام القضاء تؤكد ذلك وتؤشر له، وتلفت إلى ضرورة الاستمرار في محاولات تفكيك التنظيم والفكرة حتى ينتهي خطر الإخونجية.
وأكد أديب، أن الإخونجية متهمون في ذمتهم المالية، كما أنهم متهمون أيضاً في قضايا أخلاقية تتعلق بغياب الشرف والقيم، فهم سعوا لإسقاط الوطن وما زالوا في طريقهم سائرون، وهذا دليل آخر على فساد أخلاقهم وسوء نيتهم.
ونبه إلى أن هذه القضية ووقائعها تعبير واقعي عن محاولات جبهات الإخونجية لاكتساب ولاءات التنظيم المصري لصالح كل جبهة، فمن ناحيته اكتشف محمود حسين زعيم جبهة إسطنبول والمتهم الأول في القضية أنه بحاجة لتدعيم وجوده في التنظيم المصري بالداخل حتى لا يترك فرصة لغريمة إبراهيم منير للاستيلاء على المكاتب الإدارية في الداخل.
واختتم أديب تصريحه بضرورة محاسبة الإخونجية على جرائمهم في حق الوطن، فمحاسبتهم على جرائمهم قد يكون رادعا لغيرهم حتى لا يرتكبوا جرائم أخرى في حق الوطن.