المشهد المتغير لخطط قيادة داعش في أفريقيا
شهدت قيادة “داعش” في أفريقيا عدداً من التغييرات المهمّة في السنوات الأخيرة،
إن ديناميكيات هذه المنظمة الإرهابية في القارة الأفريقية معقدة ومتطورة باستمرار وتتطلب تحليلاً دقيقاً.
ولفهم الوضع الحالي، من الضروري دراسة كيف أصبحت فترة بقاء زعماء تنظيم “داعش” في مناصبهم في أفريقيا أقصر بشكل متزايد، وكيف أدى ذلك إلى تغييرات في طريقة إدارة التنظيم في المنطقة.
تميّز الزعيم السابق، أبو بكر البغدادي، باستراتيجيته القائمة على الاستنزاف في القتال ضد أعدائه. وتم تطوير هذه الاستراتيجية بعد الحرب المفتوحة في سوريا والعراق والتي سعى التنظيم الإرهابي من خلالها إلى إرهاق خصومه من جميع النواحي: العسكرية والاقتصادية واللوجستية.
وأثناء فترة قيادته للتنظيم الإرهابي، أهمل البغدادي ولايات غرب أفريقيا، والتي تضم دولاً مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا والكاميرون.
وبدلاً من ذلك، قام بتوحيد هذه المناطق تحت مظلة فرع واحد أطلق عليه اسم “ولاية غرب أفريقيا” في نيجيريا.
كما اعترف بوجود ولاية وسط أفريقيا، والتي حلّت جزئياً محل القوات الديمقراطية المتحالفة في أوغندا. علاوة على ذلك، في يونيو/ حزيران 2019، أعلن “داعش” الإرهابي عن وجوده في موزمبيق.
كانت استراتيجية البغدادي واضحة: إقامة محور وسط أفريقيا. ومع ذلك، اصطدمت هذه الإستراتيجية بوجود تنظيم “القاعدة” في غرب القارة، رغم أن مشكلة التعايش بين المجموعتين الإرهابيتين لم تكن مطروحة في ذلك الحين.
ومع وصول زعيم “داعش” الجديد، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، في عام 2019، حدث تغيير في الاستراتيجية في عام 2020. قرر “داعش” التحرك نحو المناطق التي تسيطر عليها “القاعدة”، متوقعاً أن الحرب ضدها ستكون مجرد نزهة عابرة.
لكن مع مرور الوقت تأكد سوء التقدير، حيث قوبل بمقاومة شرسة في منطقة الساحل، بالإضافة إلى الحرب التي تشنها ضده القوات الدولية والجيوش الوطنية في مالي، وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا.
وخلال قيادة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، خفض “داعش” عدد الهجمات الإرهابية، لكن في المقابل ارتفع عدد الضحايا، بالإضافة إلى الاستيلاء على أسلحة وآليات وموارد أخرى.
وتركز التنافس بين “داعش” و”القاعدة” في غرب أفريقيا على مالي وبوركينا فاسو والنيجر ابتداء من عام 2022 خلال حقبة قيادة أبو الحسن الهاشمي القرشي، ثم أثناء قيادة أبو الحسين الحسيني القرشي (2022-2023). ولم يتردد “داعش” في منطقة الساحل في ارتكاب فظائع ضد المدنيين، وبالتالي فقد دعم السكان المحليين.
وبعد مقتل، أبو الحسن الهاشمي القرشي، في فبراير/ شباط 2022 اتضح أن فرع “داعش” في الساحل سعى لغزو شمال مالي بأي ثمن. وواصل خليفته، أبو الحسين الحسيني القرشي، هذه الاستراتيجية، واتجه نحو شمال مالي وجنوب الجزائر، بدلاً من موريتانيا.
ووصل آخر زعيم لداعش، أبو حفص الهاشمي القرشي، لقيادة التنظيم الإرهابي في 3 أغسطس/ آب 2023. وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه تحليل نواياه بالكامل، إلا أنه يمكننا فحص دعاية الجماعة بحثاً عن بعض الأدلة.
الملاحظة الرئيسية هي أن القائد الجديد للتنظيم الإرهابي يبدو أنه يعطي أهمية أكبر لوسائل الإعلام أكثر من سلفه. ولا يزال غرب أفريقيا محوراً رئيسياً للنشاط، لكن عادت سوريا وخراسان إلى دائرة الضوء في الأسبوع الأول من قيادته للتنظيم.
على عكس المناسبات السابقة، يكرر “داعش” نشر قسم بيعة منتسبيه للزعيم الجديد، مع التركيز على التقارير الفوتوغرافية وتقسيم الجماعات بشكل أكثر تفصيلاً حسب مناطق النشاط، في محاولة واضحة لتعزيز التماسك والتحريض، خاصة لدى مجموعته في غرب أفريقيا.
وتواصل المجموعة استهداف المسيحيين، لا سيما في نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق. وفي مالي، كثفت هجماتها ضد الجيش، متجهة نحو النيجر مستغلة حالة الانقلاب التي اضطرت معها قوات الأمن إلى التركيز على مناطق أخرى.
في بلاغات “داعش” خلال الأيام الخمسة عشر الأولى من قيادة أبو حفص الهاشمي القرشي، تم ذكر مناطق عمليات مختلفة، والتي يمكن أن نستقرئ من خلالها توجهاً لأهميتها وهي: منطقة المثلث، البحيرة، أنديرمبوكان، سامبيسا، أزواغ، الفاروق، بانكي، الساحل بولاية بوركينا فاسو، المعارك ضد “القاعدة” وضد القوات الروسية في مالي، وفروعها في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي يُشير إليها إعلام “داعش” باعتبارها الخلافة في منطقة بني الواقعة شرقي الكونغو.
بالإضافة إلى ذلك، خلال الأسبوعين الأولين لقيادة أبو حفص الهاشمي القرشي، تم نشر خمسة تقارير مصوّرة عن منطقة الساحل وتقريران عن موزمبيق. وشهدت هذه المناطق زيادة في العمليات والخسائر، مما يؤكد أهميتها الاستراتيجية لجماعة “داعش” الإرهابية.
وفي الوقت نفسه، اشتد التنافس بين “داعش” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة للقاعدة في الساحل، ليس فقط في ساحة المعركة، ولكن أيضاً في الدعاية الإعلامية، حيث وصف “داعش” بعض أخبار “القاعدة” في المنطقة بأنها أكاذيب.
باختصار، تعتبر قيادة “داعش” في أفريقيا ساحة متغيرة ومتطورة باستمرار. تبنّى قادة التنظيم استراتيجيات مختلفة، من الاستنزاف إلى المواجهة المباشرة مع القاعدة. ولا تزال المنطقة نقطة محورية لنشاط “داعش”، مع تركيز متجدد على الدعاية والتنافس المتزايد مع المنظمات الإرهابية الأخرى في المنطقة. ولا يزال مستقبل “داعش” في إفريقيا غير مؤكد وسيتطلب يقظة مستمرة لفهم توجهاته وانعكاساته بشكل كامل.