المعارضة التركية تعتبر تفاهمات أردوغان مع السراج بمثابة مذكرة “حرب”
تصاعدت مؤخرا نبرة التهديد في خطابات رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، الذي يلوح بين الحين والآخر بالتدخل العسكري في ليبيا، مستندا في ذلك إلى اتفاقين أبرمتهما أنقرة مع حكومة السراج بطرابلس.
والخميس، قال أردوغان في خطاب في أنقرة، إن برلمان بلاده يعتزم التصويت في يناير/كانون الثاني على مشروع قرار يقضي بإرسال قوات إلى ليبيا، لدعم حكومة السراج والمليشيات الإرهابية المسلحة هناك.
تأتي هذه الخطوة بعدما صدق البرلمان التركي، السبت الماضي، على الاتفاقين المذكورين، بدعم من أصوات التحالف المكون من حزبي العدالة والتنمية (الحاكم) والحركة القومية المعارضة.
فيما أعلنت أحزب المعارضة الأخرى -يأتي على رأسها الشعب الجمهوري زعيم المعارضة، والخير، والشعوب الديمقراطي الكردي- رفضها الاتفاق المذكور.
وفي وقت سابق، قال حزب الشعوب الديمقراطي “إن اتفاق التعاون الأمني والعسكري مع ليبيا بمثابة مذكرة حرب”، في بيان صادر عنه، قبل مصادقة البرلمان على الاتفاق، وتناقلته العديد من وسائل الإعلام المحلية.
وأضاف الحزب في بيانه موضحا “أن الاتفاقيتين المبرمتين مع حكومة السراج التي تعتبر أحد طرفي الصراع هناك تعني جر تركيا للحرب، لا سيما أن هاتين الاتفاقيتين وقعتا في وقت تشهد فيه ليبيا حربا داخلية”.
وتابع البيان “واتفاقية التعاون الأمني والعسكري تجعل من تركيا طرفا عسكرياً في ذلك الصراع، ولن يقتصر دروها على كونها طرفا سياسيا فحسب، وهذا يعني جعل تركيا في صف حكومة طرابلس فعليا”.
وأشار البيان إلى “أن نظام العدالة والتنمية الحاكم، في 18 مايو/أيار الماضي، أرسل كميات كبيرة من الذخيرة والأسلحة الثقيلة، من بينها العربات المدرعة من مخازن الجيش التركي، كدعم مباشر لحكومة طرابلس”، مضيفا وحتى اللحظة لم يصدر عن السلطات التركية أي بيان يوضح كيف أرسلت هذه الأسلحة، ووفق أي إجراء، وعملا بأي اتفاق؟”.
واستطرد “والآن تم توقع اتفاق للتعاون الأمني والعسكري، وستقوم تركيا بموجبه بإرسال أفراد عسكريين إلى هناك، وهذا يعني اشتراك فعلي في الحرب هناك”، مشيرا إلى أن “حكومة طرابلس التي يدعمها أردوغان لا تسيطر سوى على 10% فقط من الأراضي الليبية”.
البيان أشار كذلك إلى أنه “حتى الأراضي التي تضمنها اتفاق الحدود البحرية الموقع مع ليبيا لا تقع تحت سيطرة حكومة طرابلس”، مشيرا إلى أن “الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر يسيطر على 70% من مساحة الأراضي الليبية، ويزداد الدعم الدولي المقدم له يوما بعد يوم”.
وشدد البيان على أن “قيام الحزب الحاكم بإدراج هذين الاتفاقين على جدول أعمال البرلمان للمصادقة عليهما، لا يعني شيئا سوى ضيق في الأفق السياسي والدبلوماسي لذلك النظام”.
بدوره أصدر حزب “الخير” المعارض بيانا أكد فيه رفضه تلك الاتفاقيات، وذكر في هذا الصدد “أن الاتفاق الأمني والعسكري الموقع مؤخرا يعتبر الثاني من نوعه الذي توقعه تركيا مع ليبيا بعد عام 2011، الذي شهد إسقاط نظام الرئيس معمر القذافي”.
وأضاف بيان الحزب موضحا “تم توقيع الاتفاق السابق في 4 أبريل/نيسان 2012، بغرض تقديم التدريب العسكري، والمساهمة في تحقيق الاستقرار بليبيا آنذاك، والقضاء على مظاهر الفوضى الأمنية”.
وتابع “أما الاتفاق الجديد فقد تضمن تعاونا عسكرياً شمل مع حكومة السراج، والزج بجيش تركيا في شؤون دولة أخرى لا علاقة لتركيا بها لا من قريب ولا من بعيد”.
بدوره قال أحمد كامل أروزان، رئيس العلاقات الدولية بالحزب نفسه، إن أردوغان يرغب من وراء ما يصبو إليه بشأن ليبيا في تقديم الدعم والإنقاذ لتنظيم الإخوان هناك، على اعتبار أن نظام طرابلس هو آخر قلاع الإخوان بالمنطقة.
وأضاف أروزان، في تصريحات تلفزيونية، أن موقف أردوغان إزاء الأزمة الليبية يكشف عن تناقض كبير وازدواجية في المعايير.
وأشار إلى أن رئيس النظام التركي يمنح حكومة طرابلس شرعية لا تملكها، في الوقت ذاته الذي يرفض فيه الاعتراف بنظام بشار الأسد في سوريا الذي لا يختلف في شيء عن وضعية السراج.
وأردف “ولو كانت الحكومة الموجودة بطرابلس شرعية كما يدّعي أردوغان فكذا الحال بالنسبة لنظام الأسد، فلماذا لا يذهب إلى دمشق ويصافح الأسد ويتعاون معه أمنيا كما يفعل في ليبيا؟!”.
وحذر المعارض التركي من تدخل بلاده العسكري في ليبيا، كونه يضعها في خضم حرب داخلية، مشيرا إلى أن الأوضاع في طرابلس على وشك الخروج من السيطرة.
وتابع قائلا “كما أن زيارة أردوغان لتونس لها صلة بهذا الأمر، إذ إن تونس بها حزب سياسي إخواني تعرض في الانتخابات التشريعية الأخيرة لهزيمة كبيرة”.
وأكد أن زيارة أردوغان لتونس تأتي للبحث عن دعم من حركة النهضة الإخونجية لحكومة طرابلس المعزولة محليا ودوليا.
وختم تصريحاته متسائلا “لماذا نتدخل في ليبيا؟ وما شأننا بما يجري هناك فهذه أمور داخلية؟”.
زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، أعرب في وقت سابق عن رفضه إرسال بلاده جنودا إلى ليبيا، وطالب الحكومة التركية بأخذ العبرة مما حدث في الأزمة السورية.
وأضاف متسائلا “لماذا نحن في ليبيا؟ لماذا انخرطنا في سوريا؟ يجب على الحكومة أن تأخذ دروسا مما حدث في سوريا”، حسب ما أفادت به صحيفة “حريت” التركية.
على الشاكلة نفسها، قال سيد طورون نائب رئيس الحزب، في مؤتمر صحفي مؤخرا “لسنا مع التدخل التركي في الشأن الداخلي الليبي، فهذا أمر غير صائب، فقرار ما يجري هناك من المفترض أن يحسمه أهل البلد”.
وتابع “وإن أردنا أن نقدم شيئا هناك فيجب أن يكون لتحقيق السلام وليس لتأجيج الأوضاع”.
ولفت إلى أن “هناك علاقات صداقة قديمة بين تركيا وليبيا، وعلينا أن نبتعد عن أية تصرفات تؤدي لسوء تلك العلاقات”.
في السياق ذاته شن المتحدث باسم الحزب فائق أوزتراق هجوما على أردوغان “بسبب إصراره على التضحية بأبناء الجيش التركي” بالتدخل العسكري في ليبيا ودعم المليشيات المتطرفة التابعة لحكومة فايز السراج.
وأكد المعارض التركي “أن أردوغان ورط تركيا في المستنقع السوري، والآن يستعد لتدمير جيشنا في ليبيا”، مضيفا “هل من واجبنا التدخل في الحرب الدائرة في ليبيا؟ لا.. فواجب جنودنا هو حماية أرض وطننا فقط من كل أشكال الخطر”.
وفي سياق ردود فعل الحزب ذاته، الرافضة لتدخل أردوغان بالشؤون الداخلية لليبيا، علّق نائب رئيس الحزب أونال جتشفيك أوز على قرار الرئيس أردوغان منح “هبة” تقدر بـ20 مليون ليرة تركية إلى من وصفها بـ”الدول الصديقة أو الحليفة”، ونَشْر هذا القرار في الجريدة الرسمية التركية.
وتساءل تشفيك أوز عن نقل الطائرات بدون طيار التابعة لشركات “İHA, SİHA”، والمركبات المدرعة “كيربي” التابعة لشركة “BMC” التي تُرسَل إلى ليبيا، قائلًا “هل ستكون ضمن برنامج الهبة؟”.
وردا على هذا القرار وجّه جتشفيك أوز إلى الرئيس التركي سؤالا “هل هدفكم من هذا القرار التحكم العسكري في حكومة الوفاق الليبية والهيئات الخاصة التابعة لها؟”، موضحا أن “من بين السلع والخدمات التي يتعين تقديمها للدول الصديقة أو الحليفة: الأسلحة والذخيرة”.
وأثارت مذكرتا التفاهم حول التعاون العسكري وتعيين الحدود البحرية بين أنقرة وحكومة الوفاق جدلا وسخطا محليا وإقليما ودوليا، بسبب محاولات أردوغان للاستحواذ على مقدرات ليبيا وقرارها السيادي في الحدود البحرية.
وقالت وسائل إعلام رسمية تركية إن أنقرة تتمسك بتمرير مذكرة التفاهم مع السراج، من أجل مواصلة تقديم الدعم العسكري لمليشيات السراج.
وذكر تقرير لخبراء من الأمم المتحدة أن أنقرة أرسلت بالفعل الشهر الماضي إمدادات عسكرية إلى ليبيا، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه المنظمة الدولية، حسب ما أفادت رويترز.
وكشف مصدر عسكري بالجيش الوطني الليبي أن هناك فرق اقتحام وقناصة أتراك يقاتلون في صفوف مليشيا حكومة الوفاق بالعاصمة طرابلس.
وتنخرط تركيا في دعم حكومة السراج والتنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة التابعة له بالمال والسلاح، على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي بحظر توريد السلاح إلى ليبيا منذ 2011.
ومنذ بدء عملية “طوفان الكرامة” التي أطلقها الجيش الليبي في أبريل/نيسان الماضي لتحرير طرابلس من التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة أسقطت القوات المسلحة أكثر من 30 طائرة تركية مسيرة تابعة للمليشيات.