النهضة.. توزيع البيض على أكثر من سلة
امين بن مسعود
كان لا بد من كشف الهيئة العليا المستقلة الانتخابات لأصحاب التزكيات البرلمانية للمرشحين للانتخابات الرئاسية التونسية، حتّى يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود لإستراتيجية حركة النهضة حيال الاستحقاق الرئاسي.
بعيدا عن خطاب الاصطفاف الأيديولوجي الذي تبثه حركة النهضة لجمهورها، وقوفا وراء مرشحها المُعلن عبدالفتاح مورو، فإنّ سياسة ضمنية مخفية تديرها الحركة من وراء حجاب، قوامها توزيع بيض التزكيات على أكثر من سلة وتنويع دعمها على أكثر من مرشح تأمينا لأكثر من غاية.
فالحركة التي رمت ببيضها في سلال المنصف المرزوقي وإلياس الفخفاخ وحمادي الجبالي وحاتم بولبيار، تسعى إلى تأمين حظوظها في باقي المحطات الانتخابية، وهو استثمار سياسي في الكتلة البرلمانية الوازنة التي تحظى بها الحركة.
وطالما أنّ القانون الانتخابي التونسي لم يتفطن إلى أهمية تقنين التزكيات البرلمانية، حتى لا تستحيل الأخيرة إلى طوق سياسي وحزبي في عنق المرشحين، يسيطر على مسارات التحالف وعلى مسلكيات الانسحابات، فإنّ الكتلة البرلمانية الأوسع ستبقى لها اليد الطولى في ضبط إيقاع الترشحات والمرشحين، وسيبقى لها عظيم الأثر في مسار الانتخابات الرئاسيّة.
ولن تتجاوز المنظومة السياسية التونسية مُعادلة تأثير البرلمان في الرئاسة، واستثمار الكتل البرلمانية للمتسابقين إلى الرئاسة، إلا إذا توزعت التزكيات على كافة الكتل التشريعية، أو اقتصرت على التزكيات الشعبية، أو تغيّر النظام السياسي التونسي نحو النظام الرئاسي.
وطالما أن القضية مُحالة إلى المستقبل والمجهول، فإن لا شيء يحول دون توظيف حركة النهضة، وباقي الحركات السياسية الكبرى باعتبارها كتلا نيابية وازنة، لوجودها البرلماني للتأثير على السباق الرئاسي، والمسك بمقاليد اللعبة وميكانيزماتها الداخلية.
وعبر هذا السيناريو، تحقق النهضة أهدافا سياسية مهمة متعلقة بالاستحقاق الرئاسي، فإن تمكّن مورو من الوصول إلى قرطاج من الدور الأوّل يكون توزيع بيض التزكيات قد أدى دور تشتيت الأصوات الانتخابية، والحيلولة دون التركيز على مرشح واحد من المُعارضة، إضافة إلى الإبقاء على خيط الود القديم مع ممثلي الترويكا السابقة المنصف المرزوقي وإلياس الفخفاخ باعتبارهما يمثلان الحدائق الأمامية والواجهات الحداثية لحركة النهضة.
أمّا إذا فُرض على الحركة لعب الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية، فإن التزكيات ستلعب دور استدرار الدعم لصالح مورو، والاصطفاف وراءه، وما كان قبل الدور الأول عنوانه التشتيت والتنويع يصير بعده ذا وظيفة التوحيد والتجميع.
هكذا يتضح أنّ لدى الحركة مرشحا رسميا واحدا، هو عبدالفتاح مورو، ولكن في المقابل لها أكثر من بديل مقبول بقوّة في حال عجز مورو عن المرور.
المُلاحظة أنّ كافة المزكّين، هم من المرشحين الذين إما لا أحزاب سياسية لهم (الجبالي وبولبيار)، وإما من الذين ينتمون إلى أحزاب ضعيفة (الفخفاخ والمرزوقي)، وهي بذلك تسند شخصيات لا سند برلمانيّا لها يسهل تطويعها وتجييرها، أمّا الشخصيات ذات الإسناد البرلماني فإن التحالف معها يكون على صفقات وعلى مشاريع وهو ما سوف يتضح نسبيا بعد الانتخابات الرئاسية وجليّا عقب البرلمانية.
لا هدايا مجانية تقدّمها حركة النهضة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولا إكراميات في سباق انتخابي تنخرط فيه الحركة ساعية إلى كسر العقدة السياسية والنفسية التي طالما استحكمت في أداء وخطاب القيادات والقواعد.
حسابات النهضة في الترشح للانتخابات الرئاسية مبنية على خمسة مؤشرات. الأول تمكّنها من منصب شيخ مدينة تونس المنصب الأكثر رمزية في تاريخ السياسة المحلية، والثاني استقراء لهامش تحرك وتأثير العواصم العربية الرافضة للإسلاميين، والثالث استباق أي محاولة لتغيير النظام السياسي إلى رئاسي، والرابع المحافظة على ذات الخزان الانتخابي للاستحقاق البرلماني، والخامس الإتيان برئيس مقبول ومضمون لا يضع الحركة في الزاوية كما فعل المرحوم الباجي قائد السبسي خلال العام الماضي.
كانت سنة 2018 سنة مرهقة لحركة النهضة، بعد أن أشعل قصر قرطاج من تحت أقدامها كافة الرمال المتحركة، انطلاقا من ملفّ الغرفة السوداء، مرورا بمبادرة تغيير النظام السياسي وقانون الانتخابات، وليس انتهاء بمشروع قانون المساواة في الميراث. وهي كلها ملفات ساخنة حشرت الحركة في الزاوية وقد تكون دفعتها جديا في التفكير في رئيس مضمون مربوط بمقر الحركة في مونبليزير.