الهيمنة التركية على ليبيا مستمرة
رئيس الوزراء الليبي الجديد يعتبر أنقرة حليفاً وصديقاً
رغم تأكيدات المجتمع الدولي المتكررة على ضرورة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية، لا يبدو أن ليبيا ستغادر قريبا مربع الهيمنة والوصاية التركية التي رسختها تفاهمات واتفاقيات عسكرية وأمنية مع حكومة السراج وتدخلا عسكريا أضفى مسحة من الاحتلال المغلف بمنطق “بطلب من الشعب الليبي”.
كل التصريحات التي أعقبت الإعلان عن سلطة انتقالية تشمل حكومة ومجلسا رئاسيا مكلفان بتسيير شؤون “دولة” لا تملك في الوقت الراهن مقومات الدولية، تشير إلى أن المشهد السياسي تغير لكن الوضع لم يتغير.
وأكد عبد الحميد دبيبه في أول تصريح له عقب انتخابه رئيسا لحكومة انتقالية : أنه سيكون هناك تضامن بين النظام التركي وليبيا، مضيفا في حوار مع وكالة الأناضول التركية الحكومية “لدينا تضامن كبير مع الدولة والشعب التركيين، تركيا حليفة وصديقة وشقيقة وعندها من الإمكانيات الكثيرة لمساعدة الليبيين في الوصول إلى أهدافهم الحقيقية. وتركيا تعتبر من الشركاء الحقيقيين لنا”.
وسبق تصريحات دبيبه، تأكيد من النظام التركي على أن وجوده العسكري في ليبيا والتفاهمات والاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي أبرمتها مع حكومة السراج السابقة لن تتأثر بانتخاب السلطة المؤقتة الجديدة، مؤكدة أن الحكومة الجديدة “تدعم الدور التركي” في ليبيا.
وكان ملتقى الحوار السياسي الليبي المنعقد في جنيف قد صوت الجمعة الماضية لصالح اختيار سلطة تنفيذية جديدة مؤقتة في ليبيا بقيادة محمد المنفي وهو دبلوماسي سابق رئيسا للمجلس الرئاسي وعبدالحميد دبيبه وهو رجل أعمال منشغل بالسياسة رئيسا للحكومة المقبلة. وستقود السلطة التنفيذية الجديدة ليبيا حتى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر المقبل.
وقال ياسين أقطاي مستشار رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان “الاتفاقيات التي عقدتها أنقرة مع حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، لن تتأثر بانتخاب الحكومة المؤقتة”.
وتابع في تصريحات لوكالة ‘سبوتنيك’ الروسية “تركيا تتواجد في ليبيا بدعوة من الشعب الليبي وحكومة السراج والحكومة الجديدة لا تعارض هذه الاتفاقيات ولا الوجود التركي في البلاد، بل على العكس تدعم الدور التركي هناك”.
وتتناقض تصريحات المسؤول التركي مع الدعوات الدولية وآخرها تلك التي صدرت قبل أيام عن مجلس الأمن الدولي الذي طالب بسحب جميع القوات الأجنبية من ليبيا، في إشارة تحديدا إلى تركيا التي ألقت بثقلها العسكري دعما لحكومة السراج السابقة في مواجهة هجوم كان شنه الجيش الوطني الليبي في ابريل 2019 قبل أن تفضي الجهود إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وهو الذي أسس لمسار سياسي انتهى باختيار حكومة انتقالية للتحضير لانتخابات عامة (تشريعية ورئاسية) قبل نهاية العام الحالي.
ونقلت الوكالة الروسية عن أقطاي قوله “اختيار الحكومة الجديدة في ليبيا جاء بعد التوصل إلى تفاهمات عبر عملية حوار معروفة وتركيا ترحب باختيار الحكومة الجديدة وتراه أمرا إيجابيا نظرا لاقتراب الشعب الليبي من الاستقرار وتعزيز الحوار الداخلي في البلاد”.
وقال أيضا “تم تأسيس نظام رئاسي يشمل الغرب والشرق والجنوب في البلاد ونأمل أن ينعكس هذا الأمر إيجابيا على الساحة في البلاد”.
وزعم أقطاي أن الشعب الليبي يتبنى رؤية النظام ، في حال أن التدخل التركي كان سببا في تأجيج الانقسامات والصراع المسلح الذي لم يهدأ إلا قبل فترة قصيرة مع جهود أممية وجهود دول الجوار لدفع طرفي الأزمة إلى حوار سياسي ينهي الأزمة.
وحتى بعد التوصل إلى حكومة مؤقتة، يبدو الوضع هشا على الرغم من التصريحات المغرقة في التفاؤل، فليبيا تقف على رمال متحركة سواء بسبب التدخلات التركية أو بسبب الميليشيات المسلحة التي سلحتها أنقرة على مدى سنوات سرا وعلانية.
وستواجه الحكومة الانتقالية صعوبات كبيرة لحصر السلاح بيد الدولة واستعادة هيبتها في ظل وجود تلك الميليشيات الموالية لتركيا.
ويبدو أن تصريح مستشار أردوغان التي قال فيها إن الوجود العسكري التركي لن يتأثر بانتخاب الحكومة المؤقتة، نابعة من تقدير أساسه أنه بات لأنقرة اذرع قوية في غرب ليبيا تشكل رقما صعبا في المعادلة السياسية برمتها.
ويزعم النظام التركي أنها مع وحدة واستقرار ليبيا بينما فجر تدخلها عسكريا وإبرامها اتفاقيات أمنية وعسكرية مع الحكومة السابقة، توترات على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، حيث يرفض شق واسع من الليبيين التواجد العسكري التركي ويعتبر الاتفاقيات مع حكومة السراج باطلة قانونيا لأنها لا تمثل كل الليبيين.
كما نددت دول عربية بالتدخل التركي وبالاتفاقيات واعتبرتهما تهديدا للأمن القومي العربي، فيما انتقدت دول غربية الأمر باعتبارها يتناقض مع القانون الدولي وقانون البحار الدولي.
لكن أقطاي قال اليوم الأحد إن “الاتفاقيات التي أبرمتها تركيا مع حكومة السراج هي اتفاقيات دولية ولن تتأثر بمواقف الحكومات الأخرى”، مضيفا “على الأطراف الليبية احترام بعضهم البعض وعدم السماح لأي أحد ليدخل بينهم كما عليهم عدم إعطاء فرصة للانقلابيين بهدف إنجاح العملية السياسية واستمرارها”. وقال “يعلم الجميع أن قوة ليبيا في وحدتها رغم الخلافات الموجودة بينهم”.
وقفز مستشار أردوغان على حقيقة أن التدخل التركي في ليبيا قد يقوض العملية السياسية، محاولا الترويج إلى أن “بعض القوى تسعى لسلب ليبيا من الليبيين وعدم تركها لهم كما فعلت سابقا وعلى الليبيين أن يكونوا حذرين أمام هذه القوى”.
وكان رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، قد أكد في اتصال هاتفي هنأ فيه محمد المنفي فيه بفوزه برئاسة المجلس الرئاسي وعبدالحميد دبيبه لفوزه برئاسة الوزراء، أن بلاده ستواصل تعزيز التعاون مع ليبيا خلال المرحلة الجديدة.
وبحسب وكالة الأناضول التركية الحكومية، قال رئيس الحكومة الانتقالية “تركيا فرضت وضعها ووجودها في العالم وليس في ليبيا فقط وهي الدولة الوحيدة التي استطاع الليبيون الذهاب إليها بحرية خلال فترة الحرب”.
وتابع “تركيا فتحت مطاراتها ولم تغلق سفارتها في طرابلس وأعتقد أن حرية التنقل سوف تنعكس على التعاون بين الشعبين في مجال الاقتصاد. ونأمل أن ننمي هذا التعاون ونرفع حجم التبادل التجاري إلى أعلى المستويات”.
ورئيس الوزراء الليبي الجديد بعيد كل البعد عن الإجماع خصوصا أنه شغل مناصب مهمة في ظل نظام معمر القذافي الذي سقط عام 2011 بعد 42 عاما في السلطة. وكان ينتمي إلى دائرة الأشخاص الموثوق بهم لدى القذافي.
كما كان قريبه علي دبيبة وهو أيضا رجل أعمال، رهن تحقيقات في ليبيا وأماكن أخرى بتهم الاختلاس. و كان مشاركا في المنتدى الذي اختار السلطة التنفيذية الجديدة الجمعة.
وبالنسبة إلى الحكومة الجديدة، فإن التحدي كبير بعد أكثر من أربعين عاما من حكم سلطة لا منافس لها وأفسح سقوطها المجال أمام العنف والصراعات على السلطة والتدخل الأجنبي.