اليمين الفرنسي “المتطرف” يتقدم ويسحق حزب الرئيس ماكرون

ماكرون يدعو إلى "تحالف واسع" لمواجهة صعود اليمين

تصدّر اليمين الفرنسي “المتطرف“، الأحد، بفارق كبير نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية التاريخية في البلاد، وقد يصل إلى الحكم للمرة الأولى في ظل الجمهورية الخامسة، بعد أن سحق بتقدمه حزب الرئيس ماكرون، فيما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى “تحالف ديمقراطي وجمهوري واسع” في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية في مواجهة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف

وبحصوله على ما بين (34.2 و34.5%) من الأصوات، تقدم حزب التجمع الوطني وحلفاؤه على تحالف اليسار (الجبهة الشعبية الوطنية) الذي حصد ما بين (28.5 و29.1%) من الأصوات، فيما حل معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون ثالثاً (20.5 إلى 21.5%) في هذا الاقتراع الذي شهد مشاركة كثيفة لن تقل عن 65%، وفق مراكز الاستطلاع.

أما الجمهوريون (يمين) الذين لم يتحالفوا مع اليمين المتطرف فنالوا عشرة في المئة.

والتوقعات الأولى لعدد المقاعد في الجمعية الوطنية تشير إلى أن التجمع الوطني وحلفاءه سيحصدون غالبية نسبية كبيرة وربما غالبية مطلقة بعد الدورة الثانية المقررة الأحد المقبل.

ويتبقى الآن أسبوع على جولة الإعادة المقررة في السابع من يوليو. وستعتمد النتيجة النهائية على مدى استعداد الأحزاب لتوحيد قواها في كل من الدوائر الانتخابية الفرنسية البالغ عددها 577 في الجولة الثانية.

مارين لوبان: الديمقراطية تكلمت

وعلقت مارين لوبان على نتائج الجولة الأولى قائلة: “الديمقراطية تكلمت ووضعت التجمع الوطني في الطليعة ومحت حزب (الرئيس إيمانويل) ماكرون”.

وأضافت: “أشكر جميع الفرنسيين الذين أظهروا رغبتهم في طي صفحة ماكرون وأتباعه”، محذرة: “الفوز لم يتحقق بعد، بل يجب القيام بكل شيء لمنع نجاح جبهة معادية للسامية وللجمهورية” في إشارة إلى “الجبهة الشعبية الجديدة”.

وكررت لوبان دعوتها لأنصار حزبها لمنحه “الأغلبية الساحقة في جولة الإعادة ولكي يتم تعيين جوردان بارديلا رئيسا للحكومة المقبلة باسم مبدأ التناوب على السلطة ثم الشروع بعد ذلك في القيام بإصلاحات”.

وواصلت: “أدعوكم إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع بكثافة في الجولة الثانية”، داعية أولئك “الذين لم يصوتوا لصالح حزبها الاقتراع لصالح الحرية والأمن والوحدة”.

وفي ختام كلمتها، حاولت طمأنة الفرنسيين بالقول: “لن يفقد أي فرنسي حقوقه. الحقوق ستكون كلها مضمونة”، منهية: “في 7 يوليو/تموز المقبل جندوا أنفسكم لكي بفوز الشعب. عام 2024 سيشهد ولادة الأمل”.

ولم يختلف خطاب جوردان بارديلا، رئيس “التجمع الوطني” كثيرا عن خطاب لوبان، فقد شكر الفرنسيين الذين “تنقلوا بكثافة إلى مراكز التصويت وأكدوا مرة أخرى عبر التصويت طموحهم للتغيير”.

ماكرون يدعو إلى “تحالف واسع”

من جانبه، دعا ماكرون، الأحد، إلى “تحالف ديمقراطي وجمهوري واسع” في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية في مواجهة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، بعد تصدره نتائج الدورة الأولى.

وقال ماكرون في تصريح مكتوب إن “المشاركة الكبيرة في الدورة الأولى (…) تظهر أهمية هذا التصويت بالنسبة إلى جميع مواطنينا، وإرادة توضيح الوضع السياسي”، مضيفاً “في مواجهة التجمع الوطني، إنه الآن وقت تحالف واسع (يكون) بوضوح ديمقراطياً وجمهورياً في الدورة الثانية”.

وكان ماكرون فاجأ البلاد عندما دعا إلى انتخابات مبكرة بعد أن سحق حزب التجمع الوطني ائتلاف تيار الوسط المنتمي إليه ماكرون في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا الشهر.

بينما قال رئيس وزراء فرنسا جابرييل أتال، الأحد، أن حزب التجمع  الوطني يجب ألا يحصل على أي صوت في الجولة الثانية.

وأضاف بعد أن جاء معسكره مع الرئيس ماكرون في المركز الثالث، وبفارق كبير، في الجولة الأولى: “يجب ألّا يذهب ولا حتى صوت واحد للتجمع الوطني… يجب منعه من الحصول على تكون له الأغلبية المطلقة”.

وبعد أن ظل التجمع الوطني، الذي لا يرى جدوى من عضوية الاتحاد الأوروبي والمناهض للهجرة، منبوذاً لفترة طويلة صار الآن أقرب إلى السلطة من أي وقت مضى.

المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية

فيما أبدى رئيس حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا، السياسي البارز في تيار اليمين المتطرف، الأحد، استعداده لتولي منصب رئيس الوزراء، إذا فاز حزبه بأغلبية مطلقة بعد الجولة الثانية من الانتخابات المقررة الأسبوع المقبل.

وأضاف بارديلا: “سأكون رئيس وزراء يؤمن بالتعايش ولجميع الفرنسين، أحترم الدستور ومنصب رئيس الجمهورية، لكن لن أتنازل عن السياسات التي سننفذها”، مشدداً على أن “الشعب الفرنسي أصدر حكماً واضحاً”.

وفي حال بات بارديلا رئيساً للوزراء، ستكون المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية تحكم فيها حكومة منبثقة من اليمين المتطرف فرنسا. لكن رئيس التجمع الوطني سبق أن أعلن أنه لن يقبل بهذا المنصب إلا إذا نال حزبه الغالبية المطلقة.

وسيفضي الأمر إلى تعايش غير مسبوق بين ماكرون، الرئيس الحامل للمشروع الأوروبي، وحكومة أكثر عداء للاتحاد الأوروبي.

مشاركة عالية

وشهدت مراكز الاقتراع نسبة مشاركة عالية، مما يسلط الضوء على مدى تأثير الأزمة السياسية المتفاقمة في فرنسا على الناخبين.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسستا إبسوس” و”إلاب” للتلفزيون الفرنسي أن نسبة المشاركة النهائية في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية تراوحت بين 67.5% و69.5%.

وقال مدير الأبحاث لدى إبسوس فرنسا ماتيو جالارد، إن التقديرات تشير إلى أن إقبال الناخبين الفرنسيين في الجولة الأولى من الانتخابات هو الأعلى منذ عام 1986.

لكن النظام الانتخابي قد يجعل من الصعب التوصل لتقدير دقيق لتوزيع مقاعد الجمعية الوطنية المؤلفة من 577 مقعداً، ولن تُعرف النتيجة النهائية حتى نهاية التصويت في الجولة الثانية.

وستحتاج معظم الدوائر الانتخابية إلى جولة ثانية تضم جميع المرشحين الذين حصلوا على أصوات ما لا يقل عن 12.5 بالمئة ​​من الناخبين المسجلين في الجولة الأولى. ويفوز من يحصل على أعلى عدد من الأصوات.

“خطر” اليسار المتطرف

ورفض حزب الجمهوريين (يمين محافظ) الذي حصل على نحو 10% من الأصوات، دعوة ناخبيه إلى التصويت ضد التجمع الوطني اليميني المتطرف في الدورة الثانية.

وقالت قيادة الحزب في بيان: “حيث لن نكون موجودين في الدورة الثانية، وبالنظر إلى أن الناخبين أحرار في خيارهم، لن نصدر تعليمات وطنية، وسنترك الفرنسيين يعبرون استناداً إلى ضمائرهم”. واعتبر النائب الأوروبي عن الجمهوريين فرنسوا كزافييه بيلامي أن “الخطر الذي يهدد بلادنا اليوم هو اليسار المتطرف”.

وفي معسكر اليسار، أعلن المدافعون عن البيئة والاشتراكيون والشيوعيون أنهم سينسحبون إذا كان ثمّة مرشح آخر في موقع أفضل للحؤول دون فوز التجمع الوطني.

وصب موقف رئيس كتلة اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون في التوجه نفسه عبر إعلانه انسحاب مرشحي اليسار الذين احتلوا المركز الثالث، الأحد.

فترة غير مسبوقة

وإذا فاز حزب التجمع الوطني بأغلبية مطلقة فقد تشهد الدبلوماسية الفرنسية فترة غير مسبوقة من الاضطراب مع تنافس ماكرون، الذي قال إنه سيواصل رئاسته حتى نهاية فترة ولايته في عام 2027، وبارديلا على الحق في التحدث باسم فرنسا.

وشهدت فرنسا ثلاث فترات من “التعايش” عندما كان الرئيس والحكومة من معسكرين سياسيين متعارضين في فترة ما بعد الحرب. لكن لم تشهد أي منها أطرافاً متنافسة على إدارة الدولة تتبنى وجهات نظر متباينة جذرياً بهذا الشكل حيال قضايا عالمية.

وأشار بارديلا إلى أنه سيتحدى الرئيس إيمانويل ماكرون فيما يتعلق بالقضايا العالمية. ويمكن أن تتحول فرنسا من واحدة من ركائز الاتحاد الأوروبي إلى شوكة في خاصرته وتطالب بخفض مساهمتها في موازنة التكتل وتتصادم مع بروكسل بشأن وظائف المفوضية الأوروبية وتتراجع عن دعوات ماكرون لتعزيز وحدة الاتحاد الأوروبي والتأكيد على الدفاع.

ومن شأن تحقيق حزب التجمع الوطني انتصاراً صريحاً أن يؤدي إلى حالة من الضبابية حيال موقف فرنسا من الحرب الروسية الأوكرانية.

وللوبان تاريخ من الآراء المؤيدة لروسيا، وبينما يقول الحزب الآن إنه سيساعد أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد الغزاة الروس، فقد وضع أيضا خطوطاً حمراء مثل رفض تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى.

وعلى مدى عقود، فإنه كلما تزايد تأييد حزب التجمع الوطني، يتحد الناخبون والأحزاب من الأطياف الأخرى إذا ما رأوا أنه يقترب من تولي السلطة في البلاد. لكن هذا ربما لا يحدث هذه المرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى