انعكاسات فوز أو خسارة أردوغان على “الإخوان”
لا شك في أنّ نتيجة التصويت في الدورة الثانية لانتخابات الرئاسة التركية المزمع اجراؤها الأحد سوف تنعكس بصورة أو بأخرى على تنظيمات الإسلام السياسي، بخاصة مع وجود عدد كبير من “الإخوان المسلمين” المصريين في تركيا، ربما حصل أغلبهم على الجنسية، فباتت تركيا بذلك الملاذ الآمن للحركة الأم لكل التنظيمات الإسلاموية في العالم.
أصبحت تركيا مقرّ “الإخوان المسلمين” البديل، بعد قرار حلّ التنظيم في مصر في أواخر عام 2013، فداخل تركيا يقيم القائم بأعمال المرشد العام لـ”الإخوان” د. محمود حسين، كما انتقل د. صلاح عبد الحق، القائم بعمل المرشد العام في الجبهة المناوئة، إلى الإقامة في تركيا بعد موت سلفه إبراهيم منير، الذي كان يقيم في العاصمة البريطانية لندن.
يستلهم “الإخوان” من الإقامة في تركيا أنّها كانت مقرّ آخر خلافة إسلامية سقطت في العام 1924، حيث تفكّكت الإمبراطورية العثمانية إلى دول ذات حدود، فهم يعتقدون بذلك أنّ عودة الخلافة سوف تكون من تركيا، كما أنّ عودتهم سوف تكون أيضاً من داخل أراضي الخلافة القديمة، بحكم أنّ تركيا فتحت ذراعيها لهم بعد فشل تجربتهم في القاهرة.
نُحاول قراءة وضع التنظيمات الإسلاموية، بخاصة “الإخوان المسلمين”، داخل تركيا، في حال فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو مرشح المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو، في الانتخابات الرئاسية، من خلال قراءة الوضعية التي وصلت إليها هذه التنظيمات، في ظلّ وجود الأول على رأس السلطة لعقدين من الزمن، وفي حال استمراره أو حتى ابتعاده عنها.
استقبلت تركيا “الإخوان” الذين أقاموا فيها وحصل أغلبهم على الجنسية التركية، وباتت مقرّ قيادة التنظيم هناك، وبات لهم هيكل اقتصادي ضخم من شركات بمئات الملايين من الدولارات، فأنعشوا من خلالها الاقتصاد التركي، ويُضاف إلى هذا وذاك، أنّ أغلب اجتماعات التنظيم الدولي قبل انشقاقه إلى نصفين كانت تُعقد داخل الأراضي التركية.
احتضان تركيا للإخوان لم يقتصر فقط على الاستقبال والجنسية، رغم أنّ البعض متّهم في قضايا جنائية، جزء منها ما زال منظوراً أمام القضاء المصري على خلفية التحريض على استخدام العنف، بل باتت تركيا منصّة إعلامية كبيرة، حرّض “الإخوان” من خلالها ضدّ الدولة في مصر على مدار 10 سنوات كاملة.
رعاية الحكومة التركية لـ”الإخوان” امتدت إلى احتضانها للمجموعات المسلّحة مثل حركتي “سواعد مصر… حسم” و”لواء الثورة”؛ فلا تزال قيادتا هاتين الحركتين تقيمان على الأراضي التركية، وهما من ساعدتا في التخطيط لتنفيذ عشرات العمليات المسلّحة داخل القاهرة.
التقارب المصري – التركي، دفع الحكومة التركية إلى تخفيف حدّة انتقاد الدولة في وسائل إعلام “الإخوان”، ثم تطور الأمر إلى إغلاقها أو بالأحرى نقلها إلى خارج الأراضي التركية. ولكن، يبقى أنّ الحكومة التركية ما زالت ترفض تسليم بعض المجموعات التي حرّضت على استخدام العنف أو على الأقل أُدينت من قِبل المحاكم المصرية.
دور تركيا لم يقتصر فقط على دعم “الإخوان المسلمين”، ولكنها باتت ممراً لبعض المجموعات المتطرّفة إلى داخل سوريا. فهناك من يقدّم الدعم لـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) من الأراضي التركية، سواء من خلال تسفير الشباب للالتحاق بهذه التنظيمات أو من خلال تقديم الدعم المالي تحت لافتة العمل الخيري مثلاً.
في حال فوز الرئيس أردوغان في جولة الإعادة، سوف يتمّ تعزيز وجود تنظيم “الإخوان المسلمين” وباقي التنظيمات الإسلاموية في الداخل التركي، وقد بات أغلب أعضاء هذه التنظيمات والمتعاطفين معهم موجودين بصورة قانونية على الأراضي التركية بعد حصولهم على الجنسية.
وجود الرئيس التركي 20 عاماً على رأس السلطة، ووجود “الإخوان” 10 سنوات في تركيا ساعدا في تذليل مهمّة “الإخوان” في حال أخفق الرئيس التركي في الوصول مجدداً إلى منصب الرئيس؛ ورغم ذلك، بحثوا عن بدائل لهم في عدد من الدول في قارات مختلفة.
من أهم بدائل “الإخوان” انتقال عدد منهم مع جزء كبير من استثماراتهم إلى عدد من الدول الأوروبية والأفريقية. انتقل إلى هذه الدول من لم يحصل على الجنسية، حفاظاً على هذه الاستثمارات وفي الوقت نفسه إيجاد بديل في حال نجح مرشح المعارضة أمام أردوغان.
في حال أخفق أرودغان في الانتخابات، يقول كليتشدار أوغلو إنه سيقوم بمراجعة قوانين الهجرة والجنسية، كما أنّه سوف يُراجع أيضاً الجنسيات التي حصل عليها بعض المهاجرين بصورة استثنائية، وهو ما يهدّد بعض “الإخوان” الذين حصلوا على الجنسية التركية في السابق، الأمر الذي دفع التنظيم للبحث عن بدائل إقامة أخرى لبعض أعضائه.
رهان “الإخوان” في تركيا على فوز أردوغان أو أن تأخذ العلاقات المصرية – التركية منحىً جديداً، يسمح بصفقة يعود “الإخوان” على أساسها إلى القاهرة أو يُعاود التنظيم نشاطه من جديد، وهو ما لن تقبله القاهرة تحت أي ظرف ولن ترضى به تحت أي ضغط مهما كانت الإغراءات.
ما نود قوله، إنّ تركيا سوف تظلّ ملاذاً آمناً للجماعات الإسلاموية عموماً و”الإخوان” على وجه الخصوص، سواء فاز أردوغان بالسلطة أو خسر أمام مرشح المعارضة، بخاصة وأنّ “الإخوان” بمؤسساتهم باتوا موجودين في الداخل التركي بصورة قانونية، سواء عبر الأشخاص أو المؤسسات التي أقاموها، ويحاولون استثمار القوانين التركية لصالح تعزيز هذا الوجود.
وجود “الإخوان” في تركيا قد يُهدّد أوروبا بصورة أكبر خلال الفترة المقبلة، حيث ينشط التنظيم بصورة لافتة في القارة العجوز، بعدما تعثّر كثيراً في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يجب الانتباه إليه.