بايدن وترامب و«تيك توك» والناخبون الشباب.. فصل إثارة جديد بالانتخابات
لا حديث هنا في الولايات المتحدة سوى عن قضية «حظر تيك توك»، ومدى تأثيرها المحتمل على قواعد الناخبين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ذلك أنه ومنذ أسبوع، صوّت مجلس النواب بأغلبية ساحقة لصالح مشروع قرار يجبر (تيك توك) على الانفصال عن الشركة الصينية المالكة له، وإلا فإنه سيقع تحت طائلة الحظر في أمريكا.
وهذا التصويت داخل المجلس لا شك أنه أكبر تشريع يهدد هذا التطبيق الذي بات بمثابة (المتنفس) لمعظم شعوب العالم، وهو اليوم يجند مجموعات الضغط الخاصة به لمواجهة هذا القرار الذي رأى أنه (حظر فعلي) للتطبيق.
وستتجه الأضواء خلال الفترة المقبلة إلى مجلس الشيوخ الذي لا يزال في انتظار التصويت على القانون، وإن كان الذي يتردد هنا في واشنطن وبالقرب من الكابيتول، أن معظم من في المجلس متخوفون من إقرار مشروع يضر بقرابة 200 مليون مشترك في الولايات المتحدة، على الرغم من أن إدارة بايدن أوفدت خلال الساعات الماضية مسؤولين من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل لعقد إحاطات مغلقة مع أعضاء مجلس الشيوخ؛ للتأكيد عليهم بأهمية وخطورة ذلك التهديد الذي يشكله استغلال خصوم الولايات المتحدة لبيانات الأمريكيين (شديدة الحساسية) وعلى رأسها بالطبع ما هو متوافر في بياناتهم عبر تطبيق (تيك توك)، ولكن كثيرا من المشرعين في المجلس وعلى رأسهم السيناتور الجمهوري راند بول، يعلنون صراحة معارضتهم للقانون لأنه ينتهك حرية التعبير ويثنون على المشروع الذي طرحته السيناتور الديمقراطية (ماريا كانتويل) والذي يتحدث عن ضرورة إعطاء وزارة التجارة صلاحيات إضافية تفرض من خلالها قيودا على تطبيقات مملوكة داخل الولايات المتحدة من شركات أجنبية مثل (تيك توك).
وهنا لا بد من التوقف عند تأثير هذا الأمر على الانتخابات المقبلة، فالرئيس بايدن يتعين عليه لاحقا التوقيع على القرار والذي بات عنوان مشروعه (حماية الأمريكيين من التطبيقات الأجنبية الخاضعة للرقابة)، وسيكون له تأثيرات سياسية هائلة في حال توقيع الرئيس عليه قبل نوفمبر/تشرين الثاني المقبل حيث لا يخفى عليه -أي الرئيس- أنه بذلك التصرف إن حدث يستبعد مجموعة كبيرة من الشباب كانوا سيدعمون إعادة انتخابه. وهو اليوم يعلن دعمه مشروع القانون خوفا على أمن البيانات ومنعا لتأثير بكين الإعلامي في أغراض دعائية وتضليل إعلامي قد يروج له الحزب الشيوعي الصيني كما قال.
أيضا، فإن المارد الصيني لن يسكت عن هذا التوجه لحظر التطبيق، حيث يتردد كثيرا أن المالك الفعلي للتطبيق هو الحزب الشيوعي الصيني، وبالتالي يطمح البيت الأبيض إلى إقناع المشرعين داخل مجلس الشيوخ بأن يقنعوا شركة (بايت دايتس) المالكة لتطبيق (تيك توك) والتي تتخذ من بكين مقرا لها بالتخلي عن ملكيتها لهذا التطبيق خلال 6 أشهر أي قبل الانتخابات بأيام قليلة.
وهنا يرد السؤال عن تأثير هذا التطبيق على المرشحين للرئاسة، حيث إن تطبيق (تيك توك) لا يعني فقط للشباب الأمريكيين منصة يتابعون فيها أخبار ترامب وبايدن بل إنه منصة للبحث عن المعلومات ولقمة العيش وحتى الترفيه.
والقانون الذي سيعرض على مجلس الشيوخ لا يحظى أبدا بشعبية لدى أولئك الشباب وهم الذين سيكون لهم تأثير كبير في الانتخابات المقبلة، وهذا أمر لا يغيب عن إدراك أعضاء مجلس الشيوخ له فأولئك الشباب سيجدون صعوبة وربما استحالة في الانتقال إلى منصة أخرى يأملون أن تساعدهم في إنشاء محتويات الأعمال بنفس الطريقة التي تعودوا عليها عبر تطبيق (تيك توك).
كذلك فالولايات المتحدة مقبلة على موسم انتخابي غير مسبوق وكلا الحزبين يسعى إلى استقطاب أصوات الشباب، وهذا هو ما دعا الرئيس السابق دونالد ترامب إلى التحذير من إقرار المشروع المقترح لأنه سيفقد الشباب صوابهم على حد تعبيره على الرغم من أن هذا لم يكن رأيه في العام الماضي.
وفي قراءة تحليلية، فإنه لا شك أن البيع القسري الذي تقترحه دوائر صنع القرار في واشنطن لن يغير في تدفق بيانات المشركين أو الوصول إليها وحتى ما أوصت به لجنة الاستثمارات الخارجية داخل الكونغرس، وهي الموكلة بالنظر في المخاطر التي تهدد الأمن القومي من ضرورة فصل الشركة الصينية عن التطبيق يبقى مبالغا فيه ويضر لاحقا بالاستثمارات، وما زلنا نحن هنا في واشنطن ننتظر تداعيات شهادة الرئيس التنفيذي للشركة الصينية (شي زي تشيو)، والتي سيدلي بها أمام الكونغرس خلال الأيام القليلة المقبلة.
ويمكنني أن أقول إنني، وبعد نقاشات مطولة لأكثر من أسبوعين حول هذا الأمر، خرجت بالخلاصات التالية:
أولا: “لا شك أن قرار مجلس النواب وأي تأكيدات قانونية مستقبلية له سيظهر الولايات المتحدة في رأي معظم الناخبين والشباب تحديداً على أنها ضد مبادئ التنافسية العادلة في قوانين التجارة الدولية وقواعدها الاقتصادية”.
ثانيا: “حتى الساعة لم يجد الساسة الأمريكيون أدلة دامغة على أن الصين قد استخدمت (تيك توك) من أجل جمع معلومات استخباراتية أو أنها استغلت بيانات مستخدمي التطبيق، أو أن التطبيق قد قام بجمع معلومات عن مستخدميه أكثر مما تقوم به التطبيقات الأخرى”.
ثالثا: “خلال حوار لي مع أحد الصحفيين بجوار الكابيتول قال لي إنه لا يأخذ على محمل الجد كل ما ستتم مناقشته حول هذا القانون على مدى الأشهر الـ٦ المقبلة بل يعتبره نوعا من الأشغال المتبادل بين الحزبين، وأن ما يدعيه وزير الخزانة السابق في عهد ترامب من سعيه لجمع ١٥٠ مليار دولار لشراء التطبيق لا يمكن أن يتم قبل الانتخابات، وأن الحل الأمثل لقضية خصوصية البيانات داخل الولايات المتحدة هو تمرير قانون (جوهري) يحسم ويحدد تفاصيل القضية.
رابعا: “من الصعوبة بمكان أن يصمد القانون الذي أقره مجلس النواب أمام التدقيقات القانونية في مجلس الشيوخ وهو بالطبع سيأخذ وقته في المجلس في مسار تشريعي اعتيادي قد يستغرق عدة أشهر؛ إذ يصعب التصديق على نص تشريعي بهذا الحجم في عام يشهد انتخابات رئاسية”.
خامسا: “لا شك أن مشروع هذا القانون إلى جانب أنه يمس بحقوق قرابة 200 مليون من المستخدمين الأمريكيين للتطبيق فهو كذلك سيخلق مشاكل لأكثر من 5 ملايين شركة صغيرة تعتمد على المنصة لخلق أو زيادة فرص العمل”.
سادسا: “خلال هذه الساعات تستخدم حملة إعادة انتخاب بايدن تطبيق تيك توك لمحاولة الوصول إلى الناخبين الشباب، واليوم أيضا يخشى بايدن وفريقه وكثير من ساسة أمريكا من إمكانية استخدام التطبيق للتأثير على الناخبين من قبل المالك الصيني للتطبيق، لذلك كان القرار بحظر التطبيق من متاجر التطبيقات الأمريكية مالم يتم فصله عن الشركة الصينية (بايت دانس) حيث يلزم القانون الجديد الشركة بالبيع في غضون ٦ أشهر والكلام هنا بعد الموافقة بالطبع في مجلس الشيوخ إذ كما قلنا سابقا فإن التصويت لصالح القرار في مجلس النواب لا يجعله قانونا”.
في خلاصة، يمكن القول إن الرئيس بايدن بحاجة إلى تعزيز جاذبيته بأعين الناخبين الشباب وهم الذين يفضلون عادة اختيار الديمقراطيين دوما؛ ولأنه كان قد دخل تطبيق (تيك توك) من أجل إقناعهم باختياره رئيسا مجددا فهو في ذلك إنما يسير في ركاب كثير من الديمقراطيين البارزين الذين أعلنوا ترشحهم من خلال هذا التطبيق، وهو ما يخالف توجهات معظم الجمهوريين الذين يتجنبون هذا التطبيق بسبب مخاوفهم الأمنية.
وفي تقديري أنه وخلال الفترة المقبلة ستحاول حملة الرئيس بايدن الاستفادة من المؤثرين في هذه المنصة دون انضمامهم إليها، خصوصا بعد أن حظر الرئيس بايدن منذ عام استخدام التطبيق في الدوائر الحكومية، وحتى استطلاعات الرأي باتت تحسم أن شباب (تيك توك) أقل حماسا لإعادة انتخاب بايدن وبالتالي فيجب على فريق حملته أن يشرح وعبر هذا التطبيق للشباب كيف سيتعاملون ويخططون لمعالجة القضايا الرئيسية التي تحفز أولئك الشباب للإدلاء بأصواتهم وهم الذين يملأون التطبيق بالحديث عن تكاليف الدراسة الجامعية والرعاية الصحية وكيفية مواجهة العنف المسلح وأمور كثيرة أخرى، وسيبقى (صداع العلاقة) بين الرئيس المقبل والشباب الأمريكيين منطلقا، ويا للغرابة مما لا قدرة لكل منهما على مواجهته أو التخلي عنه.. إنه “تيك توك” الذي بات عاملا جديدا في انتخابات مقبلة تتجدد كل دقيقة عوامل إثارتها الاستثنائية.