بداية أزمة بين الرئيس التونسي ورئيس حكومته
استحضر الرئيس التونسي، قيس سعيد، “خطابا ثوريا” أعاد به جدل “أزلام النظام السابق” إلى واجهة السجالات التي ساهمت في تأزيم المشهد السياسي في البلاد التي أنهكتها العناوين الخاطئة لصراع الإرادات ومراكز النفوذ في البلاد.
وبرزت خلافات بين الرئيس التونسي، قيس سعيد، ورئيس حكومته، هشام المشيشي، التي تعج بها كواليس الصالونات السياسية في البلاد، إلى العلن في أجواء اتسمت بضغط تصعيدي يُنذر باحتدام الصراع بينهما على من يُمسك بزمام السلطة التنفيذية، لجهة تحديد توجهاتها، ورسم أولوياتها في هذه المرحلة.
وكشف توقيت استحضار هذا خطاب قيس سعيد، وما رافقه من استعارة لشعارات كان يُعتقد أن الحركة السياسية في البلاد قد تجاوزتها منذ عدة سنوات، عن توتر حاد بين رأسي السلطة التنفيذية، وعن تناقضات مُتشعبة بين خيارات الرجلين، تشابكت خيوطها، وتعارضت على وقع تباين موازين القوى السياسية خاصة وأن هناك أوساطا تخشى أن يصبح المشيشي رهين الأحزاب.
وسعى الرئيس سعيد، إلى إثارة هذا التوتر في كلمة توجه بها إلى رئيس الحكومة، هشام المشيشي خلال اجتماع بينهما عُقد في قصر قرطاج الرئاسي مساء الأربعاء، انتقد فيه بشدة اعتزام المشيشي تعيين بعض الشخصيات المحسوبة على النظام السابق في مناصب رسمية في حكومته.
ومنح الخطاب الذي ينتهجه الرئيس خلال الآونة الأخيرة، وهو خطاب متشنج، خصومه المزيد من الأوراق ضده خاصة مع تكراره اتهامات لأطراف لم يسمها.
وفي هذا الصدد، فسّر الباحث في العلوم السياسية محمد الصحبي الخلفاوي بوادر الخلاف في مستويين اثنين يتعلق الأول بمدى أحقية الرئيس سعيد في هذا الشأن على الرغم من حقه في الإدلاء برأيه في المسألة، ويتعلق المستوى الثاني بالشكل والاخراج السيء جدا لسعيّد في التواصل مع المشيشي.
وأضاف الخلفاوي: أنه “يمكن للرئيس سعيّد الاحتجاج والضغط، لكن شكل الخطاب مرفوض باعتباره توجه بخطاب لا يمكن الرد عليه.. المشكل في الشكل، الرئيس سعيد لم يفهم بعد أنه رئيس جمهورية وهو لم يخرج من الطابع الشعبوي”.
واعتبر في هذه الكلمة التي عمدت الرئاسة التونسية إلى نشرها في موقعها الرسمي على شبكة “فيسبوك”، أن الشخصيات المعنية بتلك التعيينات “ليس لها مكان اليوم في الدولة التونسية، ولا يمكن أن تتحمل مسؤولية في الدولة، .. لقد أجرمت في حق الشعب، ولا بد أن تُحاسب وتُحاكم”.
وتابع مُخاطبا المشيشي بلهجة فيها الكثير من التهديد، قائلا “أعتقد أن لديك من الحكمة والوعي، ومن بعد النظر لإبعادهم عن أجهزة الدولة.. هؤلاء ليس لهم أي شعور بالمسؤولية، وليس لهم ضمير، عبثوا بالدولة كيفما شاؤوا، وهناك إجراءات سأضطر اضطرارا لاتخاذها”.
وفي المقابل، لم يصدر عن رئاسة الحكومة ما يُفيد بإقرار تعيينات جديدة، ومع ذلك، ربطت مصادر سياسية، هذا الأمر بتواتر لافت لتقارير إعلامية تتالت في وقت سابق تضمنت معلومات مُسربة مفادها أن المشيشي يعتزم تعيين عدد من المستشارين، منهم من تولى مناصب رسمية أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي.
وتدفع تلك المعلومات بعدة أسماء منها توفيق بكار، المحافظ الأسبق للبنك المركزي، المُرشح تعيينه مستشارا للشؤون الاقتصادية في حكومة المشيشي، وسليم التيساوي مستشارا للشؤون الاجتماعية، وإلياس الغرياني مستشارا للشؤون الدبلوماسية، إلى جانب المنجي صفرة الذي لم يُحدد المنصب الذي سيُسند له.
ويرى مراقبون أن هذا التوتر بين الرجلين يبدو مختلفا عن التوترات التي شهدتها العلاقة بينهما سابقا، ذلك أن الكلام الغاضب الذي قاله الرئيس قيس سعيد بنبرة حادة، ينم عن ارتفاع سقف الخلافات ليشمل مسائل أخرى أكثر عمقا تتمحور بالأساس حول السيطرة على الإمساك الفعلي بالسلطة التنفيذية.
وتتداخل في هذه الخلافات، حسابات أخرى مرتبطة بموازين القوى في علاقة بالصراع الدائر منذ فترة بين الرئيس قيس سعيد، وراشد الغنوشي بصفته رئيسا للبرلمان، وهو صراع عمقته التحركات الأخيرة للمشيشي التي اقترب فيها كثيرا من الغنوشي وحليفه نبيل القروي على حساب قيس سعيد.
ويعكس اصطفاف الغنوشي إلى جانب المشيشي ودفاعه عن قراراته، الذي ترافق مع انتقادات حادة وجهها مسؤولو حزب قلب تونس، إلى الرئيس قيس سعيد، أن الخلافات بين هرمي السلطة التنفيذية تُخفي صراعا مُتعدد الجبهات، وليس معزولا عن السياق العام لتشابك المشهد السياسي الداخلي المرتبط بالحكومة.
ووقف الغنوشي في تصريحات له تعليقا على كلمة الرئيس قيس سعيد، إلى جانب رئيس الحكومة هشام المشيشي، حيث اعتبر أن التعيينات التي قام أو سيقوم بها المشيشي “نافذة ما دامت لا تخالف القانون والدستور”.
وفيما دعا الغنوشي في نفس السياق إلى سياسة التوافق والتعاون بين مختلف السلطات، انتقد النائب البرلماني، عياض اللومي القيادي في حزب قلب تونس، موقف سعيد من التعيينات، ووصفه بـ”الشعبوي”.
وأكد في تصريحات إذاعية أن حقيقة هذه الخلافات، ليست التعيينات، وإنما تعود بالأساس إلى أن الرئيس قيس سعيد “لم يتقبّل تحول حكومة المشيشي إلى حكومة سياسية.. ليست حكومته لأن البرلمان افتكها منه تقريبا، وهو في كل مرة يريد أن يظهر أنه الفاعل الأصلي”، على قوله.
ولكن المحلل السياسي باسل ترجمان لا يساير اللومي في رأيه حيث يقول: “الرسالة التي أراد الرئيس سعيد إيصالها أنه بعد 10 سنوات من سقوط نظام بن علي لا يزال القضاء عاجزا عن النظر في بعض الملفات، والرسالة كانت موجهة بالأساس للقضاء لأنه ليس من المعقول أن يبقى أشخاص في دائرة الاتهام في المئات من القضايا المرفوعة ضدهم من 2011”.
وأضاف ترجمان “السؤال الذي كان مطروحا في موقف سعيد يتلخص في أنه هل ستبقى هذه القضايا معلقة ومن المستفيد من ذلك لأن الأصل أن يكون القضاء حاملا للحرية والمجتمع”.
الأوبزرفر العربي