تحالف القاعدة وداعش في منطقة الساحل الأفريقي
في منتصف يوليو/ تموز الماضي، كان تنظيم “داعش” في الساحل وجماعة نصرة الإسلام ( تنظيم القاعدة) يتقاتلان على بلدة بير بالقرب من تمبكتو.
وقد تفاخرت جماعة “داعش” في مجلتها الأسبوعية بإسقاط أكثر من 40 قتيلاً من تنظيم “القاعدة” في هذه المعارك. وبشكل غير متوقع بالنسبة للجماعتين الإرهابيتين، وقع الانقلاب في النيجر في 26 يوليو/ تموز الماضي، مما دفع المجموعتين المتنازعتين على وسط مالي إلى التوصل إلى اتفاق.
ومع ذلك، وفي 3 أغسطس/ آب الماضي، ذكرت “داعش” أنها نفّذت عدة هجمات ضد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (القاعدة)، وفي 05 أغسطس/ آب الماضي، ذكرت في مجلتها الأسبوعية أنها تسببت في مقتل 75 شخصاً في منطقة الساحل في 8 عمليات. وفي 10 أغسطس/ آب، أكدت “داعش” أن فرعها في منطقة الساحل، أسقط 47 قتيلاً في عمليتين، وبالتالي فإن تأثير الاتفاق لم يكن فورياً.
وفي 11 أغسطس/ آب الماضي، بدأت علامات التغيّر تظهر، أولها أن القوات الروسية في مالي شنّت هجوماً في بير ضد الطوارق الانفصاليين التابعين لتنسيقية الحركات الأزوادية، وفي اليوم التالي في 12 أغسطس/ آب، شنّت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هجوماً في مالي. وكان تنظيم “القاعدة” يقاتل ضد القوات الروسية في نفس المكان.
وفي فترة ما بعد الظهر من نفس اليوم، أفادت حركة نصرة الإسلام والمسلمين (القاعدة) أن قوافل القوات المالية وقوات فاغنر الروسية لم تدخل مدينة بير وأن الحصار لا يزال قائماً. ومنذ ذلك اليوم، أصبح التعاون بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم “القاعدة” والطوارق من تنسيقية الحركات الأزوادية في منطقة تمبكتو أمراً لا يمكن إنكاره.
في هذه الأثناء، لم تعلن أي جماعة مسلحة عن وجود أي اتفاق محتمل، ولكن اعتماداً على ما ظهر من إشارات، توقفت مجلة “داعش” الأسبوعية في الفترة من 10 إلى 16 أغسطس/ آب عن نشر التقارير عن فرع التنظيم في منطقة الساحل. وللأسبوع الثالث من سبتمبر/ أيلول، يستمر “داعش” دون أن يعلن أي شيء عن فرعه في الساحل، وهو مؤشر واضح على توقف نشاطه في الساحل.
وبالاعتماد على هذه الإشارات، يمكننا التكهن أن اجتماعاً يكون قد عُقِد بين “القاعدة” و”داعش” وربما مع تنسيقية الحركات الأزوادية في الفترة ما بين 3 و9 أغسطس/ آب الماضي. وفي خضم ذلك، ورغم أنها مجرد شائعات، إلّا أنه في نهاية الشهر نفسه، ظهرت معلومات حول انقسام محتمل لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتشكّل فصيل جديد يُسمى “وحدة المسلمين” يسعى لدمج جماعة نصرة الإسلام وداعش الإرهابيتين.
وفي نهاية أغسطس/ آب الماضي، تلقت قوات الأمن السنغالية تنبيهاً بأن تنظيم “القاعدة” كان يُجنّد مقاتلين من بين المهاجرين الذين يسافرون بين السنغال ومالي وموريتانيا، وهو أمر منطقي بالنظر إلى القتال العنيف الذي كان مخططاً له في مالي.
وفي شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، أصبحت نوايا جماعة نصرة الإسلام والمسلمين واضحة، فهي تريد عزل شمال مالي عن بقية البلاد. وفي ذات السياق، جاء حرق سفينة “تمبكتو” مطلع شهر سبتمبر/ أيلول، لعرقلة وصول الإمدادات، والهجوم على قاعدة بامبا العسكرية في نفس اليوم، وفي 12 سبتمبر/ أيلول فرضت تنسيقية الحركات الأزوادية (الطوارق) حصاراً على منطقة ليري،
وفي 17 سبتمبر/ أيلول هاجمت الجيش على بعد 60 كلم فقط من الحدود مع موريتانيا. وبهذه التحركات، قامت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم “القاعدة” بحصار مدينة تمبكتو على طول الطريق الجنوبي وطريقا الجزائر وموريتانيا اللذان كانا تحت سيطرتها بالفعل.
وفي 8 سبتمبر/ أيلول، دخل وقف إطلاق النار بين جماعة نصرة الإسلام و”داعش” في منطقة ميناكا حيز التنفيذ، الأمر الذي من شأنه أن يمنح جماعة نصرة الإسلام والمسلمين القدرة الكاملة على مهاجمة الجيش المالي في غاو وتمبكتو. وكما هو معلوم، فإن الاندماج بين “القاعدة” و”داعش” أمر صعب للغاية بسبب مرجعيتهما العقائدية، ولكن في هذه المرحلة من الواضح أنه على الأقل هناك اتفاق. وإذا سمح “داعش” بهذه الهدنة، فإن أكثر المستفيدين هي جماعة نصرة الإسلام وتنسيقية الحركات الأزوادية (الطوارق)،
كل هذا مقابل ماذا؟ بالنسبة لتنظيم “داعش”، فإن التقدّم في النيجر لا يُشكّل مشكلة كبيرة، ورغبته الكبيرة منذ 3 سنوات هي التقدّم نحو موريتانيا أو عبر شمال مالي باتجاه الجزائر. وإذا عرضت عليه “القاعدة” ممراً طوله 150 كيلومتراً داخل مناطق سيطرتها عبر بوريم، فسيحصل كل منهما على مصلحته دون نشوب نزاع. فهل كان من الممكن أن يكون هذا هو الاتفاق؟.