تحركات عسكرية كبيرة على الشريط الساحلي الغربي الليبي
كشفت مصادر عسكرية تونسية وليبية لـ”الأوبزرفر العربي”، أن منطقة الشريط الساحلي الغربي الليبي تشهد منذ يومين تحركات عسكرية كبيرة، وخاصة في بلدة رقدالين، حيث تم رصد تجمع المئات من الآليات والسيارات العسكرية، وعشرات المئات من أفراد الميليشيات الموالية لحكومة السراج.
وترافق ذلك التحشيد مع تحرك أرتال عسكرية كبيرة مجهزة بأسلحة ثقيلة نحو بلدة جميل وقاعدة العسة العسكرية القريبة من الحدود التونسية، ما يعني أن بلدة رقدالين تحولت إلى ما يُشبه مركز تحشيد وتعبئة للميليشيات والمرتزقة، بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي، حيث تقع على الساحل الغربي الليبي على بعد نحو 120 كلم غرب العاصمة طرابلس، وحوالي 10 كلم جنوب شرق بلدة جميل، ونحو 10 كلم شمال شرقي مدينة زوارة.
وفي المقابل، بدأت قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في تنظيم صفوفها، والدفع بتعزيزات عسكرية لافتة إلى منطقة الساحل الغربي، حيث تم رصد عملية تعبئة كبيرة في مدينة الرجبان، تأتي بعد أن عقد حفتر اجتماعا مع رؤساء أركان القوات البرية والبحرية والجوية، خُصص لبحث التطورات العسكرية التي شهدتها المنطقة الغربية، وخُطَطِ الرد على أي هجوم جديد على قاعدة الوطية العسكرية.
ويُنذر هذا التحشيد من الجانبين بجولة جديدة من المواجهات العسكرية في هذه المنطقة، وسط تقديرات بأن ميليشيات السراج مدعومة بمرتزقة رجب طيب أردوغان تُخطط للهجوم مرة أخرى على قاعدة الوطية العسكرية الواقعة على بعد 140 كلم جنوب غرب العاصمة طرابلس.
وتجد هذه التقديرات ما يُبررها على أرض الواقع باعتبار أن هذه القاعدة استعصت على تلك الميليشيات رغم هجماتها المُتكررة عليها بالطائرات التركية المُسيرة التي لم تتوقف عن قصفها منذ نحو أسبوعين، وفي تصريحات مسؤولي حكومة السراج التي تُروّج لما يفيد بأن ميليشياتها باتت على تخوم هذه القاعدة، وهي تنتظر الأوامر باقتحامها.
ويبدو أن حكومة السراج مدفوعة بالتقدم الذي حققته ميليشياتها في بلدات الشريط الساحلي الغربي، تريد تحريك الأمور بسرعة لإحكام سيطرتها على مجمل المنطقة الغربية، وخاصة منها قاعدة الوطية العسكرية، حيث توعد السراج قبل يومين بانتزاع هذه القاعدة، وذلك بعد اجتماعه مع عدد من ضباطه منهم أسامة الجويلي آمر المنطقة الغربية وغرفة العمليات المشتركة، ومحمد الحداد آمر المنطقة الوسطى، واللواء عبدالباسط مروان آمر منطقة طرابلس.
وسربت بعض المنابر الإعلامية المحسوبة على حكومة السراج، تقارير مفادها أنه تم خلال ذلك الاجتماع إقرار خطة جديدة أعدها أسامة الجويلي لاستعادة قاعدة الوطية العسكرية قبل حلول شهر رمضان، ليتم بذلك ضمان السيطرة على كامل الشريط الساحلي الغربي، وعلى طول الحدود مع تونس، وخاصة المعبرين البريين “رأس جدير” و”الذهيبة/وازن”.
غير أن مصادر عسكرية ليبية حذرت من تلك التسريبات، واعتبرتها خدعة جديدة لحرف أنظار الجيش الليبي عن الهدف الحقيقي من التحركات العسكرية الراهنة، لافتة إلى أن الهدف الأقرب الآن هو مدينة ترهونة التي ما زال يُنظر إليها على أنها بمثابة الثغرة القاتلة التي تحول دون سيطرة ميليشيات الوفاق على مجمل الشريط الساحلي الغربي.
وأكد رئيس مجلس الدولة الاسشاري، خالد المشري، القيادي في حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، هذا التوجه، حيث قال إن حكومة السراج التي “سيطرت على مسافة 500 كلم على طول البحر، ماضية لتحرير بقية المدن كمدينة ترهونة”، مُعتبرا في تصريحات تلفزيونية سابقة أن هذا التطور الميداني “يعطي أهمية جديدة في رسم الخارطة الجيوسياسية بليبيا”.
ولم يستغرب المراقبون مثل هذه النبرة، وربطوا ذلك بتطورات الموقف التركي الذي زج بالمزيد من المرتزقة في محاور القتال، إلى جانب ضخ كميات هائلة من السلاح والعتاد الحربي، وتولي ضباطه إدارة المعركة، حتى باتت المواجهة تدور بين الجيش الليبي وتركيا مباشرة.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي الليبي، فرج زيدان، إن “المعركة تدور الآن بين قوات الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، والمخابرات التركية التي تقود القوات التابعة لحكومة اسراج”، مضيفا في تصريحات تلفزيونية بُثت مساء الثلاثاء أن الليبيين “يتعاملون الآن مباشرة مع قوة إنكشارية تضم مجموعة أو تركيبة من الفصائل كثير منها غير ليبية”.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تسارعت وتيرة تدفق العناصر العسكرية التركية على ليبيا تحت عناوين مختلفة كمستشارين وخبراء عسكريين، إلى جانب ضباط المخابرات، حيث طفا على السطح من جديد دور شركة “سادات” التركية للاستشارات الدفاعية الدولية في إدارة المعارك ضِمن محاور القتال في محيط العاصمة طرابلس، وغيرها من المناطق الغربية الأخرى.
تُعتبر شركة “سادات” التركية للاستشارات الدفاعية الدولية، التي تنشط حاليا في ليبيا دعما لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، واحدة من الشركات الأمنية المُريبة والتابعة لتنظيم الإخوان المسلمين.
وتعود هذه الشركة التي وسعت نشاطها في ليبيا، بعد توقيع “اتفاقية التعاون الأمني والعسكري” بين رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان وفايز السراج في 16 نوفمبر الماضي، إلى حزب العدالة والتنمية التركي.
وأسس هذه الشركة عام 1997 القائد السابق للقوات الخاصة التركية، العميد المتقاعد عدنان تانري فردي، الذي يعد واحدا من العسكريين المُقربين لأردوغان، والذي يعمل حاليا كأحد مستشاريه العسكريين. وقبل أن تهتمّ بالملفين السوري ثم الليبي، قامت هذه الشركة التي تضم في صفوفها أكثر من 23 ضابطا بتدريب شباب حزب العدالة والتنمية وتنظيمهم في شكل ميليشيا قادرة على التحرك إذا استدعى الأمر ذلك.
وبحسب العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي للجيش الليبي، فإن هذه الشركة تُشرف على عمليات جلب المرتزقة السوريين والمقاتلين الأجانب إلى ليبيا وتسليحهم بعد تدريبهم عسكريا. كما أنها تلعب دور الوسيط في إتمام صفقات بيع وشراء السلاح والمعدات العسكرية بين الشركات المختصة في تركيا وحكومة السراج مقابل الحصول على نسبة من الأرباح.
طرابلس- الأوبزرفر العربي