ترامب “المتناقض” يشغل العالم والأمريكيين
هل يتقصد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إثارة الجدل عبر أقواله أحياناً؟ أم أنه فعلاً قليل الحنكة السياسية وضعيف الدبلوماسية كما يرى مراقبون كثر حول العالم؟ هل لا يستطيع ترامب التمييز بين “ترامب”، أحد أكبر أقطاب العالم في عالم العقارات، و”ترامب” رئيس الولايات المتحدة، أبرز قوة اقتصادية وعسكرية في العالم؟
يطرح البعض هذه الأسئلة في كل مرّة “يدلي فيها ترامب بدلوه”. يوم أمس، كان “الدلو” ثقيلاً على ما يبدو من ردّات في الفعل في الإعلام الأمريكي ووسائل التواصل الاجتماعي.
مؤتمر صحفي واحد بجدالات عدّة
في مؤتمره الصحفي في البيت الأبيض بالأمس، تزاحمت الأفكار في رأسه على ما يبدو بشكل حاد، فتفوه بأمور غريبة في ظرف أقل من ساعة حوت حلقة جديدة من سلسلة تعليقات وصفت بمعادية للسامية كان قد بدأها في وقت سابق.
أهان رئيسة وزراء الدنمارك. أصر مجدداً على أنه ليس عنصرياً. نفى نيته البدء بحرب تجارية مع الصين ولكنه ألمح إلى أنها “فرضت عليه”. تحدث عن روسيا وأشاد ببوتين. وختم كل ذلك بقوله إنه “الشخص المختار” لخوض الحرب التجارية مع الصين، في وصف رأى فيه كثيرون إسقاطاً دينياً للتعبير على الواقع السياسي الذي تمر فيه الولايات المتحدة.
ماذا عن التوقيت؟
بعد ساعات من وصف نفسه بـ”ملك إسرائيل” مقتسباً التعبير “المفاجئ” عن إعلامي أمريكي عنصري مثير للجدل من أنصار نظرية المؤامرة. وشكره أيضاً على توتير!
يقول ترامب في تغريدته متوجهاً للإعلامي : “شكراً لك وين ألين روت على الكلمات اللطيفة جداً”.
وينقل الكلمة التي استحقت شكره: “الرئيس ترامب هو أعظم رئيس لليهود وإسرائيل في تاريخ العالم، وليس أمريكا فقط، إنه أفضل رئيس لإسرائيل في تاريخ العالم … والشعب اليهودي في إسرائيل يحبه، كأنه ملك إسرائيل. كأنه ظهور المسيح الثاني … لكن اليهود الأمريكيين لا يعرفونه ولا يحبونه. إنهم لم يعودوا يعرفون ماذا يفعلون أو يقولون، هذا غير منطقي! لكن هذا جيد، إذا استمر في فعل ما يفعله، فهو جيد لكل اليهود والسود والمثليين والجميع. والأهم من ذلك، إنه جيد لكل شخص في أمريكا يريد وظيفة. ” واو!
ترامب كـ”غذاء” لتويتر
تعليقات وتغريدات الرئيس الأمريكي صبت الزيت على النار في الولايات المتحدة وباتت أفعال ترامب تملأ الدنيا وتشغل الناس أكثر من أي وقت مضى. بعد المؤتمر الصحفي تصدر هاشتاغ # 25thAmendmentNow موقع Twitter على مستوى الولايات المتحدة، في إشارة إلى المادة 25 من الدستور الأمريكي بشأن عزل رئيس الولايات المتحدة بحسب صحيفة “ذي غارديان” البريطانية.
اشتعل تويتر كذلك بعدة “هاشتاغات”: غير مخلص لترامب DisloyalToTrump، وملك إسرائيل KingOfIsrael، والمختار TheChosenOne، والمجيء الثاني TheSecondComing.
عبر يومين لم يتوقف ترامب عما اعتبره قسم كبير من الأمريكيين إهانة لليهود الأمريكيين، فما أعاده ترامب خلال مؤتمره الصحفي، كان قد صرح به في اليوم السابق في إطار معركة مستمرة بينه وبين النائبين الديمقراطيتين في الكونغرس رشيدة طليب وإلهان عمر.
ودعا ترامب، ولا يزال يدعو، إلى مقاطعة الديمقراطيين الذين يرى فيهم حاضنة للنائبين اللتين تحضان على مقاطعة إسرائيل واللتين منعتا مؤخراً من زيارتها بتحريض من ترامب بسبب نشاطهما المؤيد للفلسطينيين.
إذاً يتهم ترامب الديمقراطيين بقلة دعم اسرائيل، وبالتالي فإن اليهود الأمريكيين الذين يعتزمون التصويت لصالح الحزب المنافس في انتخابات 2020 يظهرون خيانة كبيرة لإسرائيل وللشعب اليهودي.
وقال ترامب خلال اجتماع في مكتبه مع الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس: “أعتقد أن أي يهودي سيصوت لصالح ديموقراطي، إما يعاني من الجهل التام أو من عدم ولاء كبير”.
ليعود للرد على سؤال حول تهمة “الولاء” يوم الأربعاء بالقول: “لقد فعلت الكثير من الأشياء العظيمة لإسرائيل”، مشيراً إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ومعارضته إيران.
وأضاف: ” برأيي، لقد ابتعد الديمقراطيون عن إسرائيل، في رأيي، إذا قمت بالتصويت لصالح ديمقراطي، فأنت خائن جدًا للشعب اليهودي ولإسرائيل. والضعفاء فقط هم الذين يقولون أي شيء آخر غير ذلك “.
فئات صغيرة تدافع عن كلامه والأكثرية تنتقده
دافعت فئات صغيرة عن ترامب، مثل الائتلاف اليهودي الجمهوري، الذي يرى أن الرئيس كان يقصد عدم ولاء هؤلاء الأشخاص لأنفسهم قبل عدم ولائهم لإسرائيل.
ويقول نيل شتراوس المتحدث الوطني باسم الائتلاف: “أعتقد أنهم يستمتعون بهذا لأنهم يعتقدون أنه يصرف انتباهك عن دفاعهم عن رشيدة طالب وإلهان عمر. ليس من الجيد بالنسبة لهم تسليط الضوء على أعضاء الكونغرس المعادين للسامية، لذلك يرغبون في عكس الأمر وتحويله للرئيس، يحاولون القول أن هذا الرئيس فظيع، لكن الحقيقة هي أن الرئيس يقف مع اليهود الأمريكيين، ويدافع عن اليهود في جميع أنحاء العالم. لقد كان صديقاً عظيماً لمجتمعنا ولإسرائيل “.
بشكل عام أدان الزعماء اليهود الأمريكيون تصريحات ترامب معتبرين أنه بهذا وصل لمستوى خطير من معاداة السامية. ووصف ديفيد هاريس الرئيس التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية تعليقات ترامب بأنها “شنيعة”.
في حين قال جوناثان غرينبلات، المدير التنفيذي لمركز مكافحة التشهير في تغريدة على تويتر إن تهم عدم الولاء استخدمت منذ فترة طويلة لمهاجمة اليهود، داعياً الرئيس إلى التوقف عن “استخدام اليهود ككرة قدم سياسية” (بمعنى الاستغلال السياسي).
و”عدم الولاء”، بالمناسبة، مفهوم يروج له القوميون البيض بشكل أساسي، ويعتبر أحد تجليات معاداة السامية، مفاده أن اليهود مخلصون لإسرائيل أكثر من البلدان التي يقيمون فيها.
إضافة إلى ذلك، ذكّر مراقبون ونقاد ترامب، انتقدوا مشاركته تغريدة الإعلامي وين ألين، بأنه، في العقيدة اليهودية، لا يوجد مجيء ثان للمسيح. من جهته، قال السناتور بيرني ساندرز عبر تغريدة: “أنا شخص يهودي فخور وليس لدي أي مخاوف بشأن التصويت للديمقراطيين”.
بينما قال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر على تويتر: “عندما يستخدم ترامب وصفاً استخدم ضد الشعب اليهودي لقرون وكان له عواقب وخيمة، فهو يشجع – عن قصد أو عن غير قصد – على معاداة السامية في جميع أنحاء البلاد والعالم، كفى”.
هذه ليست المرة الأولى التي يقوم بها ترامب بأفعال مشابهة، ففي نيسان/ أبريل الماضي أمام الاجتماع السنوي للتحالف اليهودي الجمهوري في لاس فيغاس، وعند الحديث عن نتنياهو، استخدم عبارة “رئيس وزرائكم” عوضاً عن رئيس وزراء إسرائيل.
ولم يصدر تعليق من إسرئيل حول هذا الجدل.