ترامب وأردوغان ثنائي لعرقلة العدالة
ديفيد فيليبس
يمثّل كتاب مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، جون بولتون، الجديد “في الغرفة حيث حدث ذلك”، سردا لرئاسة ترامب وخضوعه لعدد من قادة العالم الاستبداديين. كما يسلط الضوء على نمط من السلوكيات غير الأخلاقية وغير القانونية، من خلال تصويره يقدّم “امتيازات شخصية للدكتاتوريين الذين يفضّلهم”. فوفقا لبولتون، كانت عرقلة العدالة “أسلوبا للحياة” بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة.
ويركّز الكتاب خاصة على علاقة ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث حذّر بولتون من أن العلاقة التي تجمع ترامب مع رئيس أجنبي استبدادي آخر لن تحقق أي نتائج إيجابية.
واجتهد أردوغان في عملياته الرامية إلى التأثير على ترامب بطرق من شأنها أن تعزز سياساته الأساسية:
أوّلا، إسقاط التهم الموجّهة إلى بنك خلق بسبب انتهاكاته للعقوبات الأميركية المسلّطة على إيران.
ثانيا، تسليم فتح الله غولن الذي يتهمه الرئيس التركي بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة.
ثالثا، إقناع الولايات المتحدة بالانسحاب من شمال سوريا، وبالتالي التخلي عن حلفائها الأكراد.
وبدأت هذه الممارسات السياسية طويلا قبل أن تشمل ترامب. وبدأ سوء التصرف مع مايكل فلين، أول مستشار للأمن القومي للرئيس، الذي اعترف بأنه مذنب بحجب الحقيقة عن عملاء مكتب الشؤون الخارجية. وتعاون فلين مع المحققين مقابل التخفيف من عقوبته بسبب الاتهامات التي هددته وابنه الذي عمل في مشروع مجموعة فلين إنتل.
واعترف فلين بأنه مذنب بكذبه على مكتب التحقيقات الفيدرالي، على الرغم من أن جرائمه كانت أكبر، وشملت انتهاكات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، ومؤامرة اختطاف مزعومة لفتح الله غولن بهدف تسليمه إلى تركيا. ولم يشر في إفادته تحت القسم إلى “أن المسؤولين الأتراك أشرفوا على مشروع تركيا ووجّهوه”. وأيّد فلين تسليم غولن في مقال رأي نُشر في صحيفة “ذا هيل” في 8 نوفمبر 2016، مما أبرز فشل “مجموعة فلين” في التسجيل بشكل صحيح كوكيل أجنبي لتركيا.
وأدرك أردوغان من خلال تعاملاته مع فلين سهولة التلاعب بإدارة ترامب، وعمل على استغلال غرور الرئيس وقلّة فهمه للعلاقات الأميركية التركية.
في مايو 2018، استلم ترامب من أردوغان مذكرة صادرة عن مؤسسة قانونية تمثل بنك خلق الذي كان يواجه الاتهامات التي أثارها مكتب المدعي العام الأميركي في المقاطعة الجنوبية في نيويورك لتقويضه العقوبات، بما في ذلك عن طريق التحويل المزعوم لحوالي 20 مليار دولار من الأموال الإيرانية الخاضعة لقيود.
وحدد المدّعون أردوغان وصهره وزير المالية بيرات البيرق، كمتآمرين مشاركين لم تذكر أسماؤهما في لائحة الاتهام التي حددتها محكمة مانهاتن لإدانة محمد حقان عطا الله، الذي كان المسؤول التنفيذي في بنك خلق بخمس تهم من بينها التحايل المصرفي والتآمر لانتهاك قانون العقوبات الأميركية.
كان أردوغان والبيرق في خطر بسبب الادعاءات التي تشتبه في استغلالهما للبنك لتحقيق مصالحهما الشخصية، بما في ذلك غسيل الأموال.
طلب أردوغان من ترامب تسليم عطا الله أكثر من مرة. ووعده ترامب بأنه “سيهتم بالأمور”، مشيرا إلى أن المدعين العامين في المنطقة الجنوبية ليسوا من رجاله، ولكنهم من رجال أوباما، ملفتا إلى أنها مشكلة سيمكنه حلها عندما يستبدلهم برجاله.
ووفقا لبولتون، طلب ترامب من وكالات اتحادية متعددة أن تتخذ إجراءات من شأنها أن تخفف من مخاوف أردوغان. ثم تواصل مع المدعي العام بالوكالة ماثيو ويتاكر، لـ”حل” مشكلة تركيا. وأفادت بلومبرغ في أبريل 2019 بأن ترامب كلف وزير الخزانة ستيفن منوشين والنائب العام وليام بار بمساعدة بنك خلق على الإفلات من الاتهامات. ووفقا للسناتور رون وايدن، (العضو البارز في اللجنة المالية في مجلس الشيوخ)، “حاول دونالد ترامب التدخل في تحقيق جنائي في أكبر مخطط لانتهاك العقوبات في تاريخ الولايات المتحدة”.
تشكّل العلاقة التي تجمع ترامب بأردوغان خطرا على الأمن القومي الأميركي، حيث دافع رئيس الولايات المتحدة عن نظيره التركي على الرغم من قراره بشراء صواريخ “أس – 400” من روسيا. فقد كان من المفترض أن تؤدي عملية الشراء هذه إلى فرض عقوبات إلزامية ضد تركيا بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات، الذي اعتمده الكونغرس في 27 يوليو 2017.
وعندما هدد الكونغرس بوقف بيع مقاتلات “أف – 35” الأميركية المتطورة إلى تركيا، وعلى الرغم من تحذيرات بولتون، وقف ترامب إلى جانب أردوغان، رافضا العقوبات كما يقتضي القانون الأميركي الذي لم يُعتمد ضد تركيا حتى الآن.
كان الدعم الأميركي للمقاتلين الأكراد في شمال سوريا شوكة أخرى في حلق أردوغان الذي وصف قوات سوريا الديمقراطية بـ”الإرهابية”. وأصر على أنها تهدد بلاده، على الرغم من أن الأكراد السوريين لم يتوغلوا عبر الحدود.
استجاب ترامب لمطالب أردوغان في مكالمة هاتفية في 14 ديسمبر 2018. ووافق على سحب القوات الأميركية من مراكز المراقبة في شمال سوريا، والتي ردعت عمليات تركيا عبر الحدود ضد قوات سوريا الديمقراطية التي دعمت القوات الأميركية في معركتها ضد داعش.
قُتل ما لا يقل عن 11 ألف مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية وأصيب 24 ألفا منهم بجروح خطيرة في معاركهم ضد الدولة الإسلامية بناء على طلب أميركا.
قال بولتون “لم يستطع ترامب إدراك حقيقة أن أردوغان كان إسلامويا راديكاليا، وأنه كان يدعم الإخوان المسلمين والمتطرفين عبر الشرق الأوسط من خلال تمويل حزب الله وحماس، وأنه كان معاديا لإسرائيل”.
وردد ترامب “دعاية نظام أردوغان”، متهما الأكراد باستهداف الأرمن والمسيحيين في شمال سوريا دون أن يدرك بأنهم كانوا يحمونهم من وكلاء تركيا الجهاديين. وواجه ترامب انتقادات لاذعة لتخلّيه عن الأكراد، فأجاب “إن الأتراك والأكراد يتقاتلون منذ سنوات عديدة. نحن لن نتورط في حرب أهلية”.
أمر بولتون بصياغة بيان مفاده أن الولايات المتحدة هزمت داعش وستترك تركيا لتدمير بقايا التنظيم في سوريا، بعد المكالمة الهاتفية التي جمعت رئيسي البلدين في 14 ديسمبر. كانت هزيمة التنظيمات الإرهابية أولوية بالنسبة للولايات المتحدة بدءا من إدارة جورج دبليو بوش. ومع ذلك، أكّد بولتون أن ترامب قال إن أردوغان لا يهتم بمحاربة داعش.
استقال وزير الدفاع جيمس ماتيس احتجاجا على قرار ترامب، الذي يشمل تخليه عن الأكراد. وبعد استقالة ماتيس، تحرّك البنتاغون ببطء في سحب القوات من شمال سوريا، مما أثار غضب أردوغان.
وكرر ترامب تعهده بالانسحاب من شمال سوريا في مكالمة هاتفية أخرى جمعته به في 6 أكتوبر 2019.
بينما نجح أردوغان في إقناع ترامب بخيانة الأكراد، فشل في دفعه إلى تسليم فتح الله غولن وفي دفع السلطات الأميركية إلى إسقاط الاتهامات ضد بنك خلق.
وحاول ترامب أن يبهر أردوغان بما يستطيع فعله، حيث يعاني من نوع من الحسد في ما يتعلق بالصلاحيات الأوسع التي يتمتع بها الرئيس التركي.
ردا على ذلك، يزيد أردوغان من الثناء على ترامب ويجتهد في سعيه لإقامة علاقة شخصية يمكنه الاستفادة منها لتقويض جهود الكونغرس بشأن تنفيذ العقوبات على بلاده والاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن.
يتشارك ترامب وأردوغان في ميولهما الاستبدادية وكرههما لمبدأ سيادة القانون. وشبّه بولتون أردوغان بالفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد كتاب بولتون أن ترامب وضع المساعدة الأمنية المصرح بها من قبل الكونغرس لأوكرانيا كنتيجة لشرط توفير ما يستطيع استغلاله ضد جو بايدن وابنه. وأخبر ترامب بولتون في 20 أغسطس 2019 بأنه لن يفرج عن أي مساعدة لأوكرانيا “حتى يتم تسليم جميع مواد التحقيق الروسية المتعلقة بكلينتون وبايدن”.
كما طلب ترامب من الصين مساعدته في الفوز في انتخابات 2020. وكتب بولتون أن ترامب حاول تبادل منافع شخصية وتجارية مقابل منافع سياسية. وشملت “استعداده للتدخل في التحقيقات الجنائية” بما في ذلك التي تشمل شركة “زد.تي.إي” الصينية العملاقة.
كما يتضمن الكتاب معلومات مهمة أخرى عن ترامب. فخلال اجتماع في صيف 2019 في نيو جيرسي، قال ترامب إنه يجب سجن الصحافيين لإجبارهم على الكشف عن مصادرهم. “يجب إعدام هؤلاء الناس. إنهم أوغاد”. وانتقد عدد من المسؤولين في الحكومة ما جاء على لسانه.
كان بولتون مع ترامب، مما يجعل معلوماته موثوقة. ومع ذلك، ليس وطنيا. حيث كان عليه أن يقول الحقيقة أثناء عملية عزل الرئيس.
يجب أن يكون تحقيق المصلحة الوطنية أهم من جمع الأموال مقابل معلوماته.
الأوبزرفر العربي