ترشيحٌ في مهب الريح
من الطبيعي أن يفتح أداءُ بايدن غير المستقر في المناظرة التلفزيونية الأولى التي نُظمت قبل أيام، وظهر ترامب في نهايتها متفوقاً، البابَ أمام تحركاتٍ في أوساط الحزب الديمقراطي الأميركي لبحث إمكانات تقديم مرشحٍ بديل. فقد تجاوزت بعضُ ردود الأفعال التعبيرَ عن القلق أو خيبة الأمل إلى اتصالاتٍ ولقاءاتٍ كان أسرعها وأهمها بين زعيم الأغلبية في مجلس النواب حكيم جيفرز وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ شاك تشومر.
وهكذا بدا في أعقاب انتهاء المناظرة أن ترشيح بايدن لولايةٍ ثانية بات وكأنه في مهب الريح. غير أن الأمر قد لا يكونُ كذلك في ضوء صعوباتٍ كبيرةٍ أمام استبداله. ما زال عددٌ معتبر مِن قادة الحزب وأعضائه الحاليين والسابقين في مجلسي الكونجرس يفضلون استمرار بايدن في السباق لأسبابٍ قد لا يتفقون كلهم على أي منها.
ولا يقلُّ أهميةً عن ذلك، إن لم يزد، تأخر الوقت. فعندما عُقدت المناظرةُ المثيرة للجدل، كان قد بقي نحو ستة أسابيع على عقد المؤتمر العام للحزب في 19 أغسطس، حيث يُعلن اسم المرشح رسمياً ونهائياً.
فإذا لم يحدث توافقُ بين قادة الحزب على إقناع بايدن بالانسحاب، واقتنع هو بذلك، خلال أيامٍ سيتعذر الاستبدال. فالاستقرار على مرشحٍ بديل يتطلبُ عقد سلسلةٍ من عمليات التصويت بين مندوبي الحزب، الذين سبق اختيارهم في الانتخابات التمهيدية، لانتخاب هذا المرشح، توطئةً لإعلانه في المؤتمر العام. وإن افترضنا إمكان إقناع بايدن بالانسحاب، فسيكون التنافسُ شديداً بين مَن يسعون للترشح، وخاصةً إذا تقدم عددٌ مِن كبار الحزب مثل جافين نيوسوم حاكم ولاية كالفورنيا، وديس مور حاكم ميريلاند، وجريتشن ويتمر حاكمة ميتشجان، إلى جانب كامالا هاريس نائبة بايدن.
غير أن رفض بايدن الانسحاب قد يجعلُ السعيَ إلى تسمية مرشحٍ بديل أمراً بالغَ الصعوبة. والأرجحُ في هذه الحالة أن يتراجع مَن يريدون استبدالَه خشيةَ حدوث انقسام في صفوف الناخبين «الديمقراطيين». كما لا يصح القياس على الحالات التي اعتذر فيها رؤساء أميركيون سابقون عن ترشيحهم لنيل ولايةٍ ثانية، لأنهم قَبلوا الانسحابَ راضين وبادر بعضُهم به. وكان ذلك في وقتٍ مبكرٍ نسبياً قبل إكمال الانتخابات التمهيدية وليس بعدها، الأمر الذي أتاح فرصةً لاختيار مرشحٍ بديل خلال هذه الانتخابات.
وعلى سبيل المثال أعلن ليندون جونسون اعتذارَه عن ترشيحه لولايةٍ ثانية في 31 مارس 1968، أي قبل أكثر من أربعة أشهر من عقد المؤتمر العام للحزب الديمقراطي، وقبل أكثر من سبعة أشهر من يوم الاقتراع. ورغم أن الانقسام السياسي الاجتماعي الراهن يبدو أكبرَ وأعمق بكثيرٍ مما كان في حالة جونسون، ومِن قبله ترومان وكولدينج، فلا يبدو أن خوف أو حتى هلع كثيرٍ مِن الديمقراطيين مِن تداعيات فوز ترامب يكفي لأن يجعل ترشيحَ بايدن في مهب الريح فعلاً. فالصعوباتُ كبيرة، وخاصةً «الجنرال» وقت الذي يعمل لصالح رغبته في الاستمرار والتعويل على المناظرة الثانية التي يفُترضُ أن تُجرى في 10 سبتمبر المقبل.