ترقب عالمي لنتائج قمة “بريكس 2023” الخامسة عشر في جنوب إفريقيا
تتجه أنظار العالم نحو جنوب إفريقيا لمتابعة نتائج قمة “بريكس 2023” الخامسة عشر، خلال الفترة من الثاني والعشرين إلى الرابع والعشرين من الشهر الجاري، في ظل المساعي الروسية والصينية لتشكل عالم جديد أكثر توازنًا وحيادية ومتعدد الأقطاب، وانهاء الهيمنة الأمريكية على حركة التجارة الدولية.
أهمية هذا الاجتماع لا ينبع من قيمة المنظمة وقوة الدول الأعضاء وحسب، بل من أهمية الأجندة التي من المقرر مناقشتها، في مقدمتها بحث توسيع قاعدة بريكس وضم دول جديدة في مقدمتها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات وإيران والبحرين والجزائر، ناهيك عن مناقشة العملة الموحدة للمنظمة وتطوير بنك التنمية.
ولا يمكن إغفال التساؤلات التي تحاوط الاجتماع، والتي تتعلق بأهميته وأبرز الدول المحتمل قبولها، وما انعكاسات توسيع قاعدة بريكس على النظام العالمي الجديد، وأهمية ودور بنك التنمية، واحتمالية إقرار عملة موحدة تحد من سطوة الدولار على اقتصادات دول العالم.
مظلة سياسية واقتصادية جديدة
اعتبر الدكتور عماد ابشناس، المحلل السياسي الإيراني، أن العالم وارد الدخول في حقبة سياسية جديدة، لم تعد أحادية القطب هي الحاكمة فيه، وعليه فإن دول العالم تحاول إيجاد مظلة سياسية واقتصادية جديدة لنفسها.
وبحسب ابشناس، في هذا السياق، نرى عشرات الدول التي سئمت من سياسات الغطرسة الأمريكية المبنية على أساس واحد وهو أن كل شيء يجب أن يكون لمصلحتها أولًا، هذه الدول تريد الخروج من النظام القديم، والانضمام لنظام جديد، وهو ما يعكس رغبة هذه الدول لمحاولة الانضمام لبريكس، بما فيها إيران والمملكة العربية السعودية.
وقال ابشناس، إن إيران تأمل بأن تستطيع أن تجد أسواقًا جديدة خارج إطار عمل الدولار، تساعدها في مواجهة الإرهاب الاقتصادي الأمريكي، وبما أن منظمة بريكس تشمل بلدانا يشكلون ثلثي سكان العام، فإن أفضل مكان لهذا الهدف بالنسبة لإيران وغيرها من الدول التي تطمع في هذا الأمر الحصول على عضوية هذا التكتل الدولي الهام.
وأوضح أن إيران وبسبب الموقع الجيو سياسي الذي تتمتع به، فإن بإمكانها أن تصبح حلقة الوصل بين أعضاء هذه المنظمة.
سوق الطاقة في العالم
في هذا الجانب، قال سليمان العساف، عضو جمعية الاقتصاد السعودية، إن أكثر من دولة تقدمت للحصول على عضوية منظمة بريكس، ومن المتوقع أن يكون هناك اتفاق مبدئي خلال الاجتماع المقبل، لمناقشة ملف كل دولة تريد الانضمام على حدا.
وبحسب العساف، يعد بريكس ثاني أكبر تجمع في العالم بعد منطقة اليورو، وفي حال توسيعه سيضم دولا عديدة من ضمنها المملكة العربية السعودية، وإيران، ومصر، وسيكون لها ثقل مهم جدا في عالم الطاقة.
ويرى أن انضمام السعودية وإيران للمنظمة سيجعل سوق الطاقة في العالم يتركز معظمه في هذه المنظمة، خاصة أن واشنطن تهتم كثيرًا بـ “البترودولار” من أجل الحفاظ على قيمة الدولار، الذي يعاني من ضربات كثيرة، وتضخمه وضعفه، لا سيما بعد عملية التسييل الكمي لعدة تريليونات الفترة الأخيرة، وبات الشراء بدون غطاء، مجرد عملة مطبوعة.
وأوضح أن دخول هذه الدول سيقوي مركز هذه المنظمة ويجعلها أكثر رسوخًا، ويدفعها كذلك للسيطرة على سوق الغذاء، وهو الأمر الذي يثير قلق الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بشكل كبير، باعتبار أن انضمام هذه الدولة سيجعلها تتحول من المركز الثاني اقتصاديًا كمنظمة، لتحتل ربما المركز الأول مستقبلًا.
نقطة تحول فارقة
في هذا الصدد يقول حسن النعيمي، المحلل الاقتصادي، إن اجتماع مجموعة بريكس من أهم الأحداث في هذه الفترة، حيث يمكن أن يمثل نقطة تحول فارقة في مسار الأحداث العالمية، لما يتوقع أن ينتج عنه من القرارات.
ويضيف النعيمي، توقع أن يضم التكتل دولا أخرى تتمتع باقتصاديات قوية، ولها تأثيرها على الساحة الدولية، في مقدمتها مصر والسعودية والإمارات والجزائر والبحرين والمكسيك ونيجيريا، وغيرها من الدول التي تقدمت بطلب الانضمام لهذا التجمع، وذلك على الرغم من عدم وضوح المعايير والشروط المطلوبة لانضمام عضو جديد في هذا التجمع المهم.
وأكد النعيمي أن تكتل بريكس سيكون له تأثير قوي في رسم خارطة النظام العالمي الجديد، ويساهم في انعتاق الدول من هيمنة الدول الغربية وسيطرتها واستغلالها وجبروتها، إضافة إلى تأثيره على إعادة تنظيم المؤسسات الدولية المالية والاقتصادية والسياسية، وفق نظام يحقق العدالة والمساواة وضمان حقوق الجميع.
ويرى أنه في حال نجاح هذه القمة في إطلاق عملة دولية موحدة خاصة بتكتل بريكس؛ من شأنه أن يسرع التحولات المتوقعة لقيام النظام العالمي الجديد، حيث أن معظم الشعوب تعلق آمالا عريضة على إنجاح أعمال هذه القمة.
دور العملة الموحدة وبنك التنمية في مستقبل تكتل بريكس؟
يرى الدكتور عماد عكوش، المحلل الاقتصادي اللبناني، أن قمة بريكس تأتي في وقت تشهد فيه اقتصاديات بعض الدول أزمات، وسوف تحاول وخاصة الصين الاستفادة منها للتشبيك مع أكبر عدد من الدول الأفريقية، وهذا ما تظهره خارطة لقاءات الرئيس الصيني، كما يأتي الاجتماع بعد قمة روسية أفريقية الشهر الماضي عقدت في سان بطرسبرج حيث شهدت لقاء الرئيس بوتين بحوالي 17 زعيما أفريقيا.
وتوقع عكوش أن تنضم بعض الدول إلى المجموعة، في مقدمتها المملكة العربية السعودية التي تعاني من أزمة العجز في موازنتها، وهي تبحث من خلال هذا التجمع إلى توسيع رقعة المستثمرين لديها، واستقطاب المزيد من الاستثمارات، وخاصة من الصين والهند.
واعتبر أن أهمية انضمام دول ذات ثقل اقتصادي لهذه المجموعة، زيادة قدرتها ومقاومتها ومناعتها تجاه أي عقوبات يمكن أن تفرض لاحقا على اقتصادها، كما حصل مع العديد من دول المجموعة، مشددًا أن التحالف الحقيقي وتصرف المجموعة كجسد واحد لا يزال بعيدًا، حيث نرى ردود أفعال أحادية لما تتعرض له بعض هذه الدول من مشاكل وأزمات.
50% من أسواق العالم
وشدد عكوش على ضرورة تعزيز دور هذا التكتل والذي يملك سوقًا يصل إلى أكثر من 50% من أسواق العالم، وثروات تزيد عن 30%، وذلك عن طريق حوكمة عمله سياسيا واقتصاديا وماليًا، والبدء في تنفيذ مشاريع تعزز هذه الحوكمة، مؤكدًا أن بنك التنمية الجديد هو إحدى هذه العوامل التي تساعد على العمل المشترك، وكذلك ضرورة أن تستند العملة الجديدة الموحدة للمجموعة إلى متانة اقتصاد الدول الأعضاء، وأن يتم التداول بها تجاريا بين هذه الدول، حيث يعد هذا التوجه مهم لكسر أحادية الدولار واستعماله كإحدى أدوات العقوبات الأساسية اليوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
وتشهد هذه الاجتماعات مشاركة رؤساء دول ورؤساء حكومات الدول الأعضاء في المجموعة بالإضافة إلى ممثلين عن 50 دولة، ويشمل ذلك بيلاروسيا، التي تشارك لأول مرة في القمة.
وأكد المكتب الصحفي للكرملين، اليوم الإثنين، أن قمة مجموعة “بريكس” بمشاركة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ستبحث إمكانية توسيع المجموعة والأجندة العالمية والإقليمية وآفاق تطويرها.
وجاء في بيان الكرملين أنه “في الفترة من 22 إلى 24 آب/ أغسطس، سيشارك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين (عبر الفيديو)، في قمة “بريكس” الخامسة عشرة، التي تعقد برئاسة جمهورية جنوب أفريقيا. وسيجري في اجتماعات القمة وكذلك في الاجتماع غير الرسمي للقادة، مناقشة القضايا الملحة للمجموعة بما فيها مسألة توسيعها المحتمل، والأجندة العالمية والإقليمية، وآفاق مواصلة تطوير شراكة “بريكس” في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإنسانية وغيرها”.