تركيا-أوروبا: نهاية الحلم؟
حمل التوتر التركي-الأوروبي الأخير معه جملة من التساؤلات: بأي اتجاه سيتقدم هذا التصعيد، وهل وصلت الأمور حقا إلى لحظة إعلان الطريق المسدود في مسار العضوية التركية؟.
وما هي البدائل الممكنة بالنسبة للجانبين التي تحمي شعرة معاوية في علاقاتهما بعيدا عن مطلب العضوية الكاملة لتركيا في الاتحاد الأوروبي؟.
نناقش منذ عقود مسألة من هي الجهة التي سيكون لها الكلمة الفصل في موضوع انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وأية معايير ستطبق: المعايير الأوروبية أم المعايير التركية؟ الإجابة عن هذا السؤال تعني حتما تجاوز الكثير من العراقيل والصعاب، لكن كلا الطرفين يتمسك بمواقفه وما يقوله ويريده دون مهادنة أو قبول الدخول في حوار من هذا النوع.
أغضب البرلمان الأوروبي الأتراك مرة أخرى بعدما صوت بالأكثرية المطلقة على تقريره السنوي حول مسار العلاقات وفرص أنقرة في العضوية الكاملة تحت سقف الاتحاد الأوروبي.
توقف التقرير مطولا عند ما تنتظره وتريده المؤسسات الأوروبية من تركيا وضرورة مراجعة سياساتها ومواقفها في التعامل مع الكثير من الملفات الداخلية والخارجية، إذا ما كانت متمسكة بمسار العضوية الكاملة.
ردة الفعل الأولى والأهم جاءت على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان يردد قبل أسابيع “افتحوا الطريق أمام تركيا في أوروبا، نفتح الطريق أمام السويد في حلف شمال الأطلسي”، لكنه يقول هذه المرة “يحاول الاتحاد الأوروبي الانفصال عن تركيا.. سنجري تقييماتنا على هذا الأساس، وإذا لزم الأمر فبمقدورنا نحن أيضا أن نبتعد عن هذا الهدف”.
ما إن دعا التقرير الأوروبي “إلى استكشاف إطار مواز وواقعي للعلاقات مع أنقرة غير العضوية الكاملة”، حتى سارع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتشوتاكيس للقول “إن طريق تركيا نحو العضوية الأوروبية تمر عبر أثينا، ونحن سنلعب هذه الورقة ضد تركيا من أجل حماية مصالحنا”.
هذه المواقف كافية لإغضاب الرئيس التركي ودفعه للإعلان أن بلاده لم تحتج من قبل إلى دعم الاتحاد الأوروبي ولن تحتاج إليه، وأن التعامل مع المجموعة الأوروبية يتم وفق سياساتها ومواقفها حيال تركيا.
قيادات العدالة والتنمية تقول “إذا كانوا لا يريدوننا بينهم فليعلنوا ذلك صراحة لنبحث عن خيارات إستراتيجية إقليمية ودولية ونحن نستطيع أن نفعل ذلك”.
هناك قناعة يتبناها البعض في أوروبا، وهي أن بقاء أردوغان وحزبه على رأس الحكم في تركيا فرصة لإبقاء حالة التوتر والقطيعة والتباعد في مسألة العضوية التركية، وهو خيار أفضل بالنسبة لهم، لأن وصول المعارضة إلى كرسي الحكم سيحمل معه تضييق الخناق على مناورات أوروبا منذ عقود باتجاه عرقلة هذا المطلب التركي.
بالمقابل هناك قناعات في الداخل التركي خصوصا في أوساط المعارضة تقول إن أنقرة تريد رفع أرقام التبادل التجاري مع الدول الأوروبية لكنها ليست في عجلة من أمرها لناحية عضويتها داخل الاتحاد التي تنتظرها منذ 6 عقود.
هذا ما لن تقبل به العواصم الأوروبية والعديد من القيادات السياسية والشعبية في الداخل التركي وعلى رأسهم محمد شيمشاك وزير المالية الحالي وأقرب أعوان أردوغان نفسه، فهو الذي كان يردد في مارس/آذار 2018 أن “الجانبين التركي والأوروبي بحاجة إلى بعضهما البعض، ونحن سنواصل الاستلهام من المعايير الأوروبية في مسائل الديمقراطية والحقوق”.
يعلن شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي أن الاتحاد يستعد لضم أعضاء جدد بحلول عام 2030، خمس دول بين المرشحين من البلقان بين المدعوين للقمة الأوروبية المقبلة. المقاربة الأوروبية الجديدة للضم تمنح الدول المرشحة فرص المشاركة في اجتماعات أوروبية مغلقة تتعلق بالسياسات الدفاعية والأمنية.
هل تركيا ستكون بين المدعوين أم لا؟ وبأي صفة سيكون ذلك بين المسائل الغامضة حتى اللحظة؟ وهل على طريقة ” الاحتياط واجب ” تسارع الخارجية التركية للقول إن أعضاء البرلمان الأوروبي “أصبحوا أسرى للسياسات الشعبوية اليومية، وهو ما يعكس مدى ابتعادهم عن تطوير النهج الاستراتيجي الصحيح تجاه كل من الاتحاد الأوروبي والمنطقة”.
لم يتأخر دولت بهشلي زعيم حزب “الحركة القومية” وحليف أردوغان في تبني موقف الأخير بإعلانه “أن الاتحاد الأوروبي قد انتهى بالنسبة لنا”. ستذهب أنقرة وراء البدائل الاستراتيجية لتعويض خسارة عضويتها في الاتحاد الأوروبي حتما، خصوصا وأنها تتطلع للعب دور الدولة الإقليمية المركزية وبقعة التواصل الجيو استراتيجي في الإٌقليم.
لكن المسألة تحتاج إلى إجابة أيضا على تساؤل هل يعوضها ذلك عن عضوية الاتحاد الأوروبي؟ وهل هو من مصلحة دول المنطقة أم هي تفضل أن ترى أنقرة أمام الطاولة الأوروبية وتتعاون معها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ضمن هذا الإطار أيضا؟.
رحبت أوروبا بوصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في العام 2002 وهو الذي وضع مسألة العضوية الكاملة في المجموعة على رأس أولويات وأهداف الحزب الخارجية. بعد سنوات قليلة فقط بدأت الأمور تسير باتجاه مغاير تخلله الكثير من الخلافات والتباعد.
معايير كوبنهاغن وماستريخ الأوروبية خصوصا في مسائل الديمقراطية والحريات وموضوع الأقليات، ثم المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا قبل 7 سنوات وارتداداتها على العلاقات وكلها بين العوامل الكثيرة التي دفعت المسار نحو الجمود.
أعلن أردوغان قبل أشهر أنّ الاتحاد الأوروبي سيصبح أقوى ممّا هو عليه عند قبول العضويّة التركيّة. لكنّ المؤسسات الأوروبية ترى أنّ هناك خطوات لا يمكن تجنبها أو التهرب منها لتفعيل الحوار والتفاوض.
المشهد كما هو بإيجاز في الداخل التركي يقول “لن يقبلوا بنا مهما فعلنا” هي قناعة 80 % من الشعب التركي في استطلاعات الرأي التي تسأل عن فرص وحظوظ الأتراك في العضوية الأوروبية. بالمقابل في أوروبا لا تختلف الأمور كثيرا. “لا يمكن أن يكونوا بيننا” هي قناعة 80 % من الأوروبيين حيال عضوية أنقرة في النادي الأوروبي. استطلاعات رأي لم تتبدل نتائجها منذ سنوات.
لم تتوحد مواقف القيادات الأوروبية حول موضوع تركيا وعضويتها منذ البداية وعندما كان التكتل يضم 6 دول فقط ، ولم نشاهد حتى اليوم أي عرض أوروبي حقيقي لأنقرة على طريق عضويّتها في المجموعة.
فكيف سيكون وضعها مع 27 دولة عليها أن تعطي موافقتها عبر قرار جماعي مشترك وموحّد، وحيث تنتظر أثينا ونيقوسيا لحظة الانقضاض وعرقلة أي احتمال بهذا الاتجاه؟.
يبدو أن الوقت قد حان فعلا للاستيقاظ من حلم اليقظة والقبول بتسويات الترضية بعيدا عن العضوية. فلماذا تبدل القيادات الأوروبية في مواقفها حيث الكثير من ملفّات الخلاف والتباعد قائمة؟.
مقياس مهم سيسهل معرفة شكل ومسار العلاقات التركية الأوروبية في المرحلة المقبلة وهو هل توجه الدعوة لأردوغان للمشاركة في القمة الأوروبية المقبلة في 26 أكتوبر/تشرين الأول المقبل؟ وهل سيقبل الدعوة أم لا؟ وعلى أي أساس سيتم ذلك؟.