تركيا تدفع ثمن سياسة أردوغان للنمو بأزمة اقتصادية
مارك بنتلي
سجلت تركيا أعلى معدل نمو اقتصادي بين الاقتصادات الرئيسية في الربع الثالث من السنة الحالية.
وأبرزت بيانات رسمية نُشرت يوم الاثنين نمو الاقتصاد بنسبة 6.7 في المئة على أساس سنوي وبنحو 14 في المئة على أساس فصلي. وبذلك، أصبحت تركيا ظاهريا موضع حسد عالم يكافح آثار فيروس كورونا الاقتصادية والمالية.
لكن التوسع بين يوليو وسبتمبر، والذي جعل نمو الصين السنوي الذي وصل 4.9 في المئة يبدو ضئيلا، جاء بتكلفة مالية هائلة على البلاد، بما كاد يدفعها نحو أزمة عملة ثانية في غضون سنتين.
غذى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصهره بيرات البيرق، الذي استقال من منصبه وزيرا للخزانة والمالية قبل أسابيع، النمو الاقتصادي في تركيا بإجبار البنوك على الإسراف في الإقراض، مما أدى إلى قفزة في ديون الشركات، وتراجع قيمة الليرة، وخسارة عشرات المليارات من الدولارات من احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية.
بحلول نهاية الربع الثالث من سنة 2020، كان الاقتصاد التركي يظهر علامات شديدة على الانهاك. امتدّ التضخم نحو خانة العشرات، واتسع عجز الحساب الجاري، وفقدت الليرة ما يقرب من 12 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية يوليو. ودفعت المخاوف البنك المركزي إلى مضاعفة أسعار الفائدة من 8.25 إلى 15 بالمئة في سبتمبر ونوفمبر. وجاءت زيادات أسعار الفائدة في وقت كانت فيه البنوك المركزية الأخرى تسهل سياستها النقدية.
كان النمو الاقتصادي في الربع الثالث مدفوعا بطفرة اقراض الشركات التركية والمستهلكين. ونتيجة لذلك، ارتفع النشاط في قطاعي البنوك والتأمين بنسبة 41 في المئة، وذلك حسب بيانات معهد الإحصاء. وتعني زيادة الاقتراض أن الاستهلاك الأسري قفز بنسبة 9.2 في المئة عن سنة 2019، في حين ارتفع الناتج الصناعي بنسبة 8 في المئة.
وأدّت هذه العوامل إلى زيادة الطلب على الواردات بينما تقلصت الصادرات. وأظهرت بيانات النمو الاقتصادي أن واردات السلع والخدمات إلى تركيا قفزت بنسبة 16 في المئة سنويا خلال الربع الثالث من العام، بينما تراجعت الصادرات بنسبة 22 في المئة.
بلغ الازدهار في الواردات ذروته في سبتمبر، عندما ارتفعت البضائع المقتناة من الخارج بنسبة 23 في المئة. وأدت هذه الزيادة إلى تضاعف العجز التجاري الخارجي التركي ثلاث مرات تقريبا.
وتسبب العجز التجاري في تدهور ميزان مدفوعات البلاد. وبلغ عجز الحساب الجاري المتجدد لمدة 12 شهرًا 27.5 مليار دولار في نهاية سبتمبر، أو حوالي 3.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
يجب أن تمول تركيا العجز من خلال أرباحها بالعملات الأجنبية مثل عائدات السياحة أو أن تواجه تصحيحا هبوطيا في قيمة الليرة. لكن هذه الأرباح تراجعت خلال الجائحة، مما فاقم مشاكل الليرة.
وبدلا من رفع أسعار الفائدة، أنفق البنك المركزي التركي عشرات المليارات من الدولارات من احتياطياته من العملات الأجنبية لدعم الليرة.
في الربع الثالث وحده، انخفضت الاحتياطيات بمقدار 12.5 مليار دولار، وفقا لبيانات البنك المركزي. وقالت مؤسسة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني في 20 نوفمبر إن صافي احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، ناقص المقايضات، انخفض إلى 46.5 مليار دولار سلبي من 22.7 مليار دولار في نهاية العام الماضي.
جاء تدهور الأوضاع المالية في البنك المركزي مع مشاكل في النظام المصرفي حيث تكافح الشركات لسداد ديونها. وفي حين تظهر البيانات الرسمية أن نسبة الديون المعدومة في الصناعة من إجمالي القروض كانت ثابتة عند حوالي 4 في المئة في الربع الثالث، إلا أنها لا تظهر الصورة الكاملة، كما يقول الاقتصاديون.
قالت فيتش في سبتمبر إن ديون البنوك التركية المعدومة تتجاوز ما تشير إليه الأرقام الرئيسية. وقالت إن التحمل التنظيمي، بما في ذلك تخفيف القواعد بشأن ما يشكل قرضا متعثرا وتأجيل سداد العديد من الديون بناء على أوامر حكومية، يخفي صورة مظلمة عن القطاع.
قال البنك المركزي التركي الأسبوع الماضي إن نسبة ديون الشركات من الناتج المحلي الإجمالي في تركيا ارتفعت من 56 إلى 69 في المئة خلال مطلع السنة الحالية. وقالت إن مستويات الدين الآن أعلى بكثير من المتوسط العالمي.
في نوفمبر، دعا رجال الأعمال الأتراك الحكومة إلى ضمان تأجيل البنوك لسداد الفوائد على مجموعة كبيرة من القروض للمساعدة في تسهيل أوضاعهم المالية. ونشهد تراجعا عن التنازلات عن سداد الفائدة على الإقراض، التي وُضعت خلال السنة الحالية، بعد تفشي الوباء.
بالإضافة إلى تدهور وضع الشركات التركية المالي، تراجعت مستويات التوظيف في البلاد، مما أضر بالتمويل الاستهلاكي. وفشلت أي زيادة في الدخل الأسري في مواكبة ارتفاع تكلفة السلع والخدمات، مما سلّط ضغوطا مالية شديدة على الكثيرين.
ووفقا لبيانات رسمية، ارتفع عدد العاطلين عن العمل والذين لا يبحثون عن عمل في تركيا بمقدار 2.6 مليون إلى 31 مليونا في 12 شهرا إلى حدود سبتمبر. وتقلصت القوة العاملة بمقدار 1.4 مليون إلى 31.7 مليون.
كما ارتفع معدل البطالة في تركيا من 12.9 في نهاية يونيو إلى 13.2 في المئة خلال الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر. لكن هذه الزيادة الطفيفة تبدو أقل بسبب الحظر الحكومي على تسريح الشركات للعمال ومئات الآلاف من الأشخاص الذين منحوا إجازة غير مدفوعة الأجر ولم تتضمنهم الأرقام الرسمية.
وتعني خسائر الليرة وتسارع التضخم أن الفقر في تركيا في ارتفاع أيضا. إذ يجب على الأسرة المكونة من أربعة أفراد أن تنفق الآن 2516 ليرة (323 دولارا) شهريًا لدفع تكلفة نظام غذائي صحي ومتوازن، حسبما قال إتحاد نقابات العمال في تركيا “ترك إيش” في تقرير الأسبوع الماضي، وهو أعلى من الحد الأدنى للأجور البالغ 2324 ليرة.
وقال إتحاد نقابات العمال إن خط الفقر في تركيا، والذي يشمل الأموال التي يتم إنفاقها على الملابس والإيجار وفواتير الخدمات والتعليم والصحة، يبلغ 8197 ليرة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور.
نظرا لانخفاض التوظيف في البلاد، تدفع الشركات التي تشغّل موظفين جدد رواتب أقل أمام الزيادات في تكلفة المعيشة.
ارتفعت أجور العمال الأتراك بنسبة 9.7 في المئة في الربع الثالث من العام الماضي، وفقا لبيانات نُشرت يوم الاثنين حول الناتج المحلي الإجمالي.
وتساهم بيانات الناتج المحلي الإجمالي في إخفاء آثار انخفاض قيمة الليرة. فبينما ارتفع الناتج الاقتصادي بنسبة 6.7 في المئة في الربع الثالث عند حسابه بالليرة، فإنه يتراجع عند قياسه بالعملة الصعبة.
يتم احتساب بيانات النمو في تركيا بالليرة ومن ثم تعديلها لحساب تأثير التضخم. ومن حيث الدولار، سجل الاقتصاد التركي انكماشا في الربع الثالث. وبلغ الإنتاج 197.4 مليار دولار في الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر، بانخفاض قدره 3.3 في المئة عن نفس الفترة في 2019.
الأوبزرفر العربي