تركيا والسراج يفشلان في توريط الجزائر في الأزمة الليبية
مصادر إعلامية وسياسية جزائرية تتحدث عن "غضب جزائري" من طلب السراج التدخل التركي
شهدت عاصمة الجزائر ، الإثنين، حراكا دبلوماسيا مكثفا بزيارتين إحداهما من فايز السراج رئيس ما يعرف بـ”حكومة الوفاق الوطني” والأخرى من وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو.
واستقبل السراج من قبل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ورئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، في وقت أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بيانا جددت فيه رفضها القاطع لأي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا.
وتزامنت زيارتا السراج وتشاووش أوغلو المفاجأتان إلى الجزائر بالتزامن مع إعلان رئيس النظام التركي بدء تحريك قوات تركية إلى ليبيا بطلب من السراج لإنقاذه ومليشياته من تقدم الجيش الوطني الليبي.
وأثارت الزيارتان في هذا التوقيت استغراب كثير من المتابعين، خاصة أن الرئيس الجزائري منذ تنصيبه نهاية العام الماضي أعلن رفضه التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا.
وتحدثت مصادر إعلامية وسياسية جزائرية عما وصفته بـ”غضب جزائري” من طلب السراج التدخل التركي في ليبيا لصالح مليشياته الإرهابية وجلبه مرتزقة من سوريا.
ويرى أولئك أن الجزائر عادت إلى ملف الأزمة كـ”طرف محايد وعلى مسافة واحدة بين جميع أطراف الأزمة الليبية”، وباشرت دورها بلقاء الأطراف المتسببة في تعقيد الوضع في ليبيا، وهما فايز السراج والنظام التركي، بهدف تجنيب المنطقة حربا إقليمية.
غير أن متابعين للموقف الجزائري الأخير من الأزمة الليبية يعدونه حائرا بين رفضها التدخل الأجنبي ومخاوفها من انتشار الجماعات الإرهابية فيها.
وأضافوا أن الخسائر التي تسببت فيها الأزمة الأمنية في ليبيا نتيجة ما يقول الخبراء: “إنه حرب استنزاف فرضت على الجيش الجزائري منذ 2011″، دفعت خلالها بآلاف الجنود والعتاد العسكري وفرضت حالة استنفار أمني وعسكري قصوى على طول الحدود مع ليبيا التي تفوق 900 كيلومتر”.
ويرى مراقبون أن تعاطي الجزائر مع الملف الليبي من “منظور البلد المحايد يتناقض أيضا مع تصريحات مسؤوليها التي تفيد بأنها “أكثر دول المنطقة تضررا من استمرار الأزمة الليبية، وأنها المهدّد الأول من انتشار الجماعات الإرهابية على حدودها والقواعد العسكرية الأجنبية المنتشرة عبر حدودها الشرقية”.
واستبق جزائريون زيارتي السراج وأوغلو بمنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حذروا فيها من الزج ببلادهم في الأجندات التركية والإخوانية المشبوهة التي كانت عدة دول عربية مسرحا لها على رأسها سوريا.
وذهب محللون إلى حد التفصيل في المشروع التركي والقطري الإخواني في ليبيا، حيث ذكر عدد منهم أن قطر وتركيا خلقتا بؤرة توتر جديدة على حدود الجزائر، لتوريطها في حرب لن تكون فيها الرابح مهما كانت الظروف.
وأوضح أولئك أن المخطط التركي أبعد من ليبيا ومن ضمان مصالحها الغازية في شرق المتوسط، بل توريط الجيشين المصري والجزائري في المستنقع الليبي باعتبارهما أكبر وأقوى الجيوش العربية والأفريقية.
وأثار مرافقة وفد عسكري رفيع للسراج برفقة وزيريه للداخلية والخارجية خلال زيارته المفاجئة إلى الجزائر استغراب المتابعين الذين طرحوا تساؤلات عن سر ودلالات ذلك، في وقت أكدت فيه الجزائر رفضها القاطع التدخل في شؤون ليبيا عسكريا أو سياسيا.
واستبعد خبراء أمنيون أن تقبل الجزائر أن تكون جسرا أو ممرا لمرتزقة أردوغان إلى ليبيا، كونها من الدول التي عانت من ويلات الإرهاب الذي لا تزال تحاربه على حدودها الشرقية والجنوبية.
وقدم الخبير الأمني الجزائري عبدالعزيز مجاهد تفسيرا لموقف بلاده من الأزمة الليبية واستقبالها السراج وأوغلو في يوم واحد.
وأوضح أن الجزائر استبقت زيارتهما برسالة قوية عندما أرسلت مساعدات إنسانية نهاية الأسبوع الماضي إلى ليبيا في الوقت الذي قررت فيه أنقرة إرسال قوات عسكرية إليها.
من جانبه يرى العقيد المتقاعد من الجيش الجزائري أن دور بلاده في الأزمة الليبية “هو دور وسيط، لإبعاد التدخلات العسكرية الأجنبية، وحلحلة الأزمة من خلال التقريب بين أطراف الصراع فيها”.
وأوضح أن ما يثار عن توقيت زيارتي أوغلو والسراج بالتزامن مع بدء إرسال أنقرة جنودها ومرتزقتها إلى ليبيا “مرتبط بالدور الذي باشرته الجزائر كوسيط في الأزمة”.
وتابع أن الأمر يندرج في إطار “سياسة احتواء تركيا ومن ثم إبعادها عن الأزمة الليبية“، وتوقع في المقابل نشاطا دبلوماسيا جزائريا مكثفا مع دول الجوار والدول الفاعلة، مشيرا إلى أن “أنقرة تقوم بدور أكبر من ليبيا لصالح الولايات المتحدة وهو الحد من النفوذ الصيني في أفريقيا بخلق بؤر توتر في دولة تعد بوابة أفريقيا، بالإضافة إلى أطماعها في السيطرة على شرق المتوسط”.
واستبعد الخبير الأمني تغير موقف الجزائر الرافض للتدخلات الأجنبية في ليبيا، مرجعا ذلك إلى “شخصيتها الدبلوماسية ومبادئها وتاريخها”، وختم كلامه بالإشارة إلى أن الجزائر “تريد أن تكون الطرف الإقليمي الذي يلتقي عنده الجميع لإبعاد شبح الحرب عن ليبيا والمنطقة”.