تصريحات عنصرية لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي تثير غضب البلدان والسياسيين
أثارت تصريحات وصفت بالعنصرية والاستعمارية لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الخميس، موجة غضب عارمة لم تتوقف عند حد اعتبار ما قاله المسؤول الأوروبي “عنصرية لا تراعي أبسط قواعد الدبلوماسية في الحديث”.
وخاطب بوريل قبل أيام دبلوماسيين منتظرين بلغة بعيدة تمام البعد عن الدبلوماسية، واصفاً القارة الأوروبية بأنها “حديقة”، ومعظم العالم بـ”الغابة”، مضيفاً أن “البستانيين يجب أن يعتنوا بالحديقة، لكنهم لن يحموا الحديقة ببناء الجدران”.
واستدعت دولة الإمارات، الاثنين، القائم بأعمال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي، وطلبت تفسيراً لما وصفتها بأنها تصريحات “عنصرية” أدلى بها بوريل، كما قال وزير الدولة القطري، حمد بن عبد العزيز الكواري، إن التصريح “يعبر عن عنصرية واختلال توازن وفلس حضاري وقيمي”.
وردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، على بوريل بالقول، إن “أوروبا أنشأت تلك الحديقة من خلال النهب البربري للغابة”، مضيفة أن “فلسفتهم في الفصل والتفوق أصبحت هي الفكرة الأساسية للفاشية والنازية”.
وأثارت التصريحات انتقادات عديدة من مستخدمي شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، دارت أغلبها حول استنكار “استحضار عبارة عفا عليها الزمن من حقبة الاستعمار”.
تصريحات بوريل
وكان بوريل وصف خلال تصريحاته التي تعرضت لانتقادات، أوروبا بأنها “حديقة”، ومعظم العالم “غابة يمكن أن تغزو هذه الحديقة”، وذلك بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.
وقال بوريل: “يجب أن يعتني البستانيون بالحديقة، لكنهم لن يحموها ببناء الجدران، فوجود حديقة صغيرة لطيفة محاطة بجدران عالية لمنع دخول الغابة لن يكون حلاً، لأن الغابة تتمتع بقدرة قوية على النمو والجدار لن يكون أبداً عالياً بما فيه الكفاية”.
وأضاف: “يجب أن يذهب البستانيون إلى الغابة. يجب أن يكون الأوروبيون أكثر انخراطاً مع بقية العالم. وإلا فإنَّ بقية العالم سيغزونا”.
عنصرية ومخيبة للآمال
وأعربت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية، في بيان، عن رفضها لتصريحات بوريل، ووصفتها بالعنصرية، مشيرة إلى أنها “تسهم في تفاقم التعصب والتمييز على المستوى العالمي”.
وأضافت: “استدعت وزارة الخارجية والتعاون الدولي، ممثلة في محمد سيف الشحي مدير إدارة الشؤون الأوروبية والسيدة ريم كتيت نائبة مساعد الوزير للشؤون السياسية، السيد إيميل بولسن القائم بأعمال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى الدولة، حيث طُلب من مكتب الممثل الأعلى تقديم تفسير مكتوب بشأن تصريحات بوريل المؤذية والعنصرية”.
وتابعت: “تعتبر تصريحات بوريل مخيبة للآمال وتأتي في وقت تدرك فيه جميع الأطراف أهمية احترام الأديان والثقافات والمجموعات العرقية الأخرى، فضلاً عن قيم مثل التعددية والتعايش والتسامح”.
قالت سفينيا هان، عضوة البرلمان الأوروبي: “لا يزال لغزا كيف انتهى بنا المطاف مع شخص غير دبلوماسي مثل بوريل بصفته أكبر دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي”.
وتابعت في تغريدة عبر “تويتر”: “في مثل هذه الأوقات، نرى الحاجة إلى وزير خارجية حقيقي في الاتحاد الأوروبي وسياسة خارجية مشتركة.. نحن بحاجة إلى إصلاح الاتحاد الأوروبي وتقليص دور المفوضية. ترشيح الدول الأعضاء لشاغلي المناصب ليس مؤهلاً كافياً”.
الانتقاد جاء أيضا من زملاء المهنة؛ إذ كتب الدبلوماسي الكندي البارز، بوب ري على “تويتر”: “تابعت الموضوع. يا له من تشبيه رهيب قام به بوريل”.
وتابع بوب ري، “من المؤكد أن التاريخ وتجربتنا الحية تعلمنا أنه لا يوجد جزء من العالم يخلو من العنف”.
الغضب والانتقاد تحول إلى التشكيك في استحقاق بوريل لوظيفته، إذ كتب ماريك كلاين الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد؛ وهي إحدى أعرق الجامعات في العالم، “كان بوريل ولا يزال غير مناسب على الإطلاق لوظيفة الممثل الأعلى للشؤون الخارجية”.
نغمة استعمارية
وتعليقا على تصريحات وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، قال فيليب مارليير، أستاذ الدراسات الأوروبية بجامعة لندن، على حسابه بـ”تويتر”، “قال جوزيب بوريل إن أوروبا حديقة. ومعظم بقية العالم غابة ويمكن للغابة أن تغزو الحديقة”.
وأضاف مارليير أن “هذا التشبيه مسيء بشكل رهيب، وله نغمات استعمارية وعنصرية قوية”.
أما المحللة والباحثة، ماريا دوبوفيكوفا، فرأت في تصريحات بوريل، استعادة لنغمة عنصرية ولت، تفيد بأن “الأوروبيين هم الأشخاص المتميزون” في هذا العالم.
الجمعية الدولية، وهي مؤسسة تنشط في إقليم كتالونيا الإسباني، فقالت في بيان مقتضب: “هذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها وزير الخارجية الإسباني السابق، جوزيب بوريل، ادعاءات مثيرة للجدلَ”.
وتابعت: “ولكن من المقلق للغاية أن نرى الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي يقول مثل هذه التعليقات العنصرية والتي تبرز (نظريات) التفوق الأوروبي، مع الإفلات التام من العقاب”.
عنصري ويجب أن يستقيل
الباحث الأمريكي من أصول إثيوبية، ديفيد كينج، كتب على “تويتر”: “يجب أن يقدم جوزيب بوريل بصفته بستانيا عنصريا في أوروبا، استقالته واعتذاره لأولئك الذين يٌسمون الغابة”.
الدكتور ديفيد ولو، الخبير السياسي والمتخصص في الشؤون الجيوسياسية، كتب على “تويتر”: “غباء رئيس السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، بوريل يلحق به.. بعد أن وصف العالم خارج أوروبا، بالأدغال وهدد بالقضاء على الجيش الروسي، تراجع عن تصريحاته”.
وأشار إلى أن “هذا الرجل موهوم ويحتاج إلى دورة مكثفة حول الجغرافيا السياسية حتى يتمكن من وضع الأمور في نصابها.. هل حان الوقت لتقاعده؟”.
بدوره، قال الباحث ثورستون بينر، على حسابه بـ”تويتر”: “ستكون ملاحظات بوريل في الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية، بمثابة مادة تعليمية لأجيال من الطلاب في الأكاديميات الدبلوماسية وبالتحديد في دورات تدريبية تحلل أسوأ ممارسات الاتصال العام”.
لكن هناك قراءة أخرى لتصريحات بوريل، قدمها دانييلي روفينيتي، الخبير الإيطالي، إذا قال لـ”العين الإخبارية”: “ربما كان خطاب بوريل علامة على الزخم، يؤكد الاتحاد الأوروبي على موقفه إلى جانب الديمقراطيات، إلى جانب أمريكا (ولكن أيضًا مع اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية)، وضد جبهة الاستبداد (المكونة من دول روسيا والصين وإيران)”، وتابع “أنها مسألة نماذج لإدارة النظام العالمي”.
وكان بوريل، قد قدم العام الماضي، أرقاماً خاطئة للعدد المقدر للحشد العسكري الروسي في محيط أوكرانيا”. وفي وقت سابق هذا العام أثار صدمة أيضاً عندما قال إن الاتحاد الأوروبي يمكنه أن يقدم طائرات مقاتلة لمساعدة كييف على محاربة موسكو، وهو ما لم يتحقق.