تمهيداً لحلّها… الأمن التونسي يغلق جميع مقار حركة النهضة الإخونجية
قيس سعيد يتوعد من أرادوا إسقاط الدولة وتفجيرها من الداخل
في خطوة قد تمهد لحل الحركة وسحب الاعتراف القانوني بها، أغلقت قوات الأمن كافة مقار حركة النهضة الإخونجية، بما فيها مقرها المركزي، ومنعت العاملين من الدخول إليها، فيما قال الرئيس التونسي قيس سعيد إن بلاده تخوض “حرب تحرير وطني” ضد “من يسعون لضرب الدولة ومؤسساتها”.
وتأتي هذه التطورات بعدما ألقت قوات الأمن القبض على رئيسها راشد الغنوشي، مساء الاثنين، بسبب تهديده بإشعال حرب أهلية في البلاد.
وقال سعيد في كلمة خلال الاحتفال بالذكرى السابعة والستين لعيد قوات الأمن الوطني إن “واجبنا المقدس في هذه المرحلة التي تعيشها بلادنا هو الحفاظ على الدولة ومؤسساتها وعلى المجتمع وكيانه”، لافتاً إلى “أننا نخوض معاً حرب تحرير وطني على نفس جبهة القتال”.
وأضاف الرئيس التونسي: “نحن نطبق القانون، كل قواعده، وكل الإجراءات التي نص عليها، لا نريد أن يظلم أحد، لكن نترك الدولة التونسية لهؤلاء يعبثون بها كما يشاءون وكما يريدون”.
وطالب القضاء بـ”لعب دوره الذي ينتظره الشعب التونسي، خلال هذه المرحلة التي تعيشها تونس”.
وخاطب سعيّد القوات الأمنية والعسكرية قائلاً: “دوركم أيها الأبطال من قواتنا الأمنية وقواتنا العسكرية، هو الحفاظ على المجتمع من التفكك”.
وتابع: “واجبكم كواجبنا هو الحفاظ على الدولة ومؤسساتها ضد الذين أرادوا إسقاطها، وحاولوا كما تعلمون يائسين تفجيرها من الداخل حتى تتحول إلى مجموعة من المقاطعات”، مشدداً على أنه “لا مجال لمن يتطاول على الدولة، أو يسعى إلى تفكيك المجتمع”.
غلق جميع مكاتب الحركة في تونس
وقال القيادي في حركة “النهضة” رياض الشعيبي لوكالة “فرانس برس”، الثلاثاء، إن “قوة أمنية دخلت إلى المقر الرئيس للحركة، وطالبت المتواجدين فيه بالمغادرة وأغلقته”.
وأضاف الشعيبي: “كما قامت قوات أمنية أخرى بغلق جميع مكاتب الحركة في البلاد، ومنعت الاجتماع فيها”.
وكانت “النهضة” أعلنت أنّ رئيسها راشد الغنوشي أوقف، مساء الاثنين، على أيدي وحدة أمنية داهمت منزله في العاصمة، واقتادته إلى “جهة غير معلومة”، ثم أعلنت أنه يخضع للتحقيق في ثكنة أمنية بالعاصمة.
ووصفت الحركة في بيان نشرته على “فيسبوك”، توقيف الغنوشي بأنه “تطوّر خطير جداً”، مطالبة “بإطلاق سراح الغنوشي فوراً، والكفّ عن استباحة النشطاء السياسيين المعارضين”.
استهداف مؤسسات الدولة
وأشارت الأوساط السياسية التونسية إلى أن تصريحات الغنوشي الأخيرة التي بدا فيها خطابه مرتفعا وملمّحا إلى خيار “الحرب الأهلية” يظهر أن حركة النهضة تريد الحفاظ على واقع يسمح لها باستهداف مؤسسات الدولة بحملاتها وتصريحات قيادييها والإيحاء بعدم الاستقرار الداخلي من خلال توظيف الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، وهو وضع لا يقبله الرئيس سعيد.
وأرسل الغنوشي الأحد إشارات أثارت تساؤلات في الساحة التونسية، خاصة بحديثه عن أن استثناء الإسلام السياسي “إجرام” و”مشروع حرب أهلية”، في استدعاء واضح لمخاوف التونسيين من التوترات الأمنية التي شهدتها البلاد بين 2012 و2013 من اغتيالات سياسية وعمليات إرهابية استهدفت الجيش والأمن والسياحة وطالت المدنيين.
وتحرّك إشارات الغنوشي إلى “الحرب الأهلية” في ذاكرة التونسيين ما قامت به عناصر محسوبة على الحركة من عمليات عنف في 1987 وبعدها في 1991 ضد مختلفين معها في الرأي من أئمة مساجد أو منتمين إلى الحزب الحاكم.
التحريض على الحرب الأهلية
وقال الغنوشي في اعتصام بمقر جبهة الخلاص الوطني إن “الذين استقبلوا الانقلاب باحتفال لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين بل هم استئصاليون ودعاة لحرب أهلية”، وأن “الانقلابات لا يحتفى بها، الانقلابات تُرمى بالحجارة”.
وقبل أيام من الرسائل الملغزة للغنوشي، كان صهره وزير الخارجية السابق رفيق عبدالسلام قد هاجم مؤسسة الجيش.
وقال “الحقيقة التي يجب أن تقال ودون مواربة هي أن مقولة حياد الجيش التونسي وابتعاده عن السياسة كذبة كبيرة لا يمكن أن تصدق، ويجب أن يتم التوقف عن ترويجها”.
واعتبر محللون سياسيون تونسيون أن هذه التصريحات تلتقي عند نقطة واحدة، وهي انزعاج النهضة من مؤسسات الدولة التي استعادت هيبتها وقوتها وعزمها على القطيعة مع الوضع السابق الذي سهل اختراق المؤسسات وإضعافها.
وقال محمد جمور نائب رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد إنه “من السابق لأوانه أن نتحدث عن مواجهة بين السلطة والنهضة، ولو أن الحركة تتعلق بها تهم كثيرة كالتسفير والجهاز السريّ وتبييض الأموال، وهي ملفات أخطر من تصريح الغنوشي الأخير، ومن التسرع أن نقول إنها مواجهة”.
ولفت جمور إلى أن “الاحتفاظ بالغنوشي يأتي في إطار قانون مقاومة الإرهاب، في انتظار استكمال بقية مراحل التحقيق”، معتبرا أنه “حدث سياسي يجسد وجود صراع بين الحركة والسلطة”.
وفي أول تعليق رسمي على توقيف الغنوشي، دعا الرئيس سعيد الثلاثاء القضاء إلى أن يلعب دوره في هذه المرحلة “لتكون البلاد على موعد مع تحقيق تطلعات الشعب”.
وأضاف “نحن نطبق القانون ولا نريد أن يظلم أحد ولكن لن نترك الدولة التونسية فريسة لمن يعبث بها كما يشاء”.
وتابع “على الذّين يتلوّنون بكل لون ويعملون بكل السبل على تعطيل مسار تحقيق مطالب الشعب التونسي أن يختاروا على أي مقعد يجلسون”.
واعتبر أن “من اختار الباطل فلا مكان له داخل الدولة وعلينا جميعا أن نتصدى لهم حتى لا يبقوا حجر عثرة أمام تطهير البلاد”.
ورطة الغنوشي وحركته
وقال المحلل السياسي مراد علالة إن “المواجهة بين السلطة والنهضة لم تبدأ بل تقدمت، وربما خرجنا من المواجهة النائمة إلى المواجهة المفتوحة، وهذا منعرج جديد في العلاقة بين الطرفين”.
وأضاف علالة، “يبدو أن الغنوشي ورّط نفسه والحركة من خلال تصريحاته، وزاد في تعقيد وضعية النهضة بوضع المسمار الأخير في نعش الحركة التي غادرها الكثير من أبنائها”.
وتابع مراد علالة “هناك برود وعدم تناسب بين شخصية الغنوشي كزعيم للحركة وقيادات الحزب”، مضيفا أن “النهضة تجني الآن ما زرعته في السنوات الماضية” (قانون الإرهاب 2015 والتوافق في السلطة مع حركة نداء تونس ومرسوم الأحزاب، والإجراءات الاحترازية التي قد تؤدي إلى حلّ الحزب).
ومثُل الغنوشي مرارا أمام النيابة في إطار التحقيق معه في قضايا تتعلق بالفساد والإرهاب.
ومنذ بداية فبراير، أوقف ما لا يقلّ عن عشرين شخصية معظمهم من المعارضين المنتمين إلى حزب النهضة وحلفائه، بالإضافة إلى رجل الأعمال النافذ كمال اللطيف ومدير محطة إذاعية خاصة.