تنامي نسبة التأييد الفلسطيني لحل الدولة الواحدة
ترى دوائر في اليسار الإسرائيلي منذ عشرات السنين ان اقامة الدولة الفلسطينية في حدود عام 1967 هي خشبة الإنقاذ لإسرائيل كدولة ذات اغلبية يهودية، وتحذر أنه بدون حل الدولتين فإن الأوضاع سوف تسير بثقة الى دولة ثنائية القومية.
ورغم تشديد الإدارة الأميركية الجديدة، على التزامها بحل الدولتين في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إلّا أن حل الدولتين لم يعد يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الفلسطينيين، وفق ما تؤكده استطلاعات للرأي.
قبل أيام أعلن القيادي الفلسطيني محمد دحلان، بان حلم الدولتين المنفصلتين، واحدة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس والثانية إسرائيل، يوجد في حالة النزع الأخير.
وشرح دحلان بان “الاحتلال دمر كل الأسس لحل الدولتين”، وبالتالي “فأنه شخصيا، وفي ضوء هدم حل الدولتين، مستعد لدولة واحدة كخيار تحدي”.
يدرك المعارض الفلسطيني المنفي، بان أياً من الحلين سيبدأ بالحراك قريبا، وان إسرائيل، من شبه المؤكد ستقرر الا تقرر. لكنه لا يحق له ان يبقى في الخلف. فالنقاش لدى الفلسطينيين عن إمكانية إقامة دولة يهودية – عربية من البحر الى النهر آخذ في التعزز.
وحتى أبو مازن، في خطاب القاه في رام الله في 2 تشرين الأول، حذر إسرائيل من ان رفضها حل الدولتين يجبر الفلسطينيين على التفكير بالبدائل. احدها، قال، هو العودة الى مشروع التقسيم للأمم المتحدة في 1947، والثاني – “دولة ديمقراطية واحدة على ارض فلسطين التاريخية، مع حقوق سياسية ومدنية كاملة للفلسطينيين”.
في حماس سارعوا لان يعانقوا اعلان دحلان. الدولة الواحدة هي رؤياهم. بحكم عربي، بالطبع. “سيكون هذا هو الحل الأفضل بالنسبة لنا، اذا نجحنا في اقناع شعبنا والاسرة الدولة بتبنيه”.
وقال د. احمد يوسف، احد أيديولوجي حماس. “حل الدولتين في طريقه الى الضياع”، وأضاف، “وإسرائيل لا تترك أي فرصة لتنفيذه”.
زيادة دعم حل الدولة الواحدة
بحسب البيانات الصادرة مؤخرا عن مركز القدس للإعلام والاتصال، يتضاءل دعم إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل باطراد بينما يزداد دعم حل الدولة الواحدة وإنهاء احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية بين الفلسطينيين. تتبلور اتجاهات الرأي العام الفلسطيني حول هذه المشاعر منذ سنوات.
وقد كشف تقرير سابق لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بالتعاون مع المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي أن أقل من 40 في المئة من الجمهور الفلسطيني يؤيدون حل الدولتين على حساب بدائل الدولة الواحدة.
ويقول جوزيف دانا المحلل المختص في شؤون الشرق الأوسط والأدنى، إنه لا ينبغي أن تكون نتائج استطلاعات الرأي بشأن دعم حل الدولتين بين الفلسطينيين مفاجئة لمراقبي النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
ويكمن السؤال الآن في إلى متى ستحتفظ القيادة على جانبي الصراع بالوضع الراهن قبل عودة الفلسطينيين إلى الشوارع بقوة. إذ أن جوهرة التاج في الوضع الحالي هي السلطة الفلسطينية.
ما تبقى من عملية السلام
ويضيف دانا، أنه ليس من الصعب معرفة سبب تراجع الدعم لحل الدولتين. فقد شاهد الفلسطينيون إسرائيل وهي ترسخ احتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية إلى درجة غير مسبوقة على مدى العقدين الماضيين مع تراجع المجتمع الدولي بدرجات متفاوتة.
ولم يعد ما تبقى من عملية السلام يلقى تنديد جميع الأطراف سوى عبر الخطب، بعد أن لبّى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب العديد من المطالب الإسرائيلية، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى الفلسطينيين هو أن العديد من الدول العربية أقامت علاقات أو اتفاقيات سلام قوية مع إسرائيل في غياب حل عادل للصراع. حيث كان تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي وكذلك الاعتراف الأميركي بمطالب إسرائيل بالقدس هو الجزرة الكبيرة لإسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام حقيقي مع الفلسطينيين. لكن كليهما حدث دون أي تغيير في الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وشجع هذا الدعم الدولي الجديد إسرائيل على ترسيخ الاحتلال.
وتبدو الصورة قاتمة بنفس القدر عندما يتعلق الأمر بالشؤون الفلسطينية الداخلية. حيث إن القيادة الفلسطينية معزولة عن غضب الشارع. وهو ما ترك العديد من الفلسطينيين يتساءلون كيف يمكن لقيادييهم أن يرشدوهم للمضي قدما بعد أن فشلوا في وقف تدمير ترامب لعملية السلام أو التقارب الإسرائيلي مع الدول العربية.
الفجوة بين حماس وعباس
وفي نفس الوقت، لا يبدو أي مؤشر على تضييق الفجوة بين قيادة حماس في غزة وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية. ويقترب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، البالغ من العمر 86 عاما، من عامه العشرين من ولايته التي تبلغ أربع سنوات، بعد أن ألغى مؤخرا الانتخابات التشريعية.
وقال أكثر من 70 في المئة من المستطلعين في استطلاع الرأي لمركز القدس للإعلام والاتصال إن على عباس أن يعلن بسرعة موعدا جديدا للانتخابات. وعلى الرغم من الطبيعة الشديدة لتحديات الفلسطينيين، فإن هذه المشكلات ليست جديدة في الأساس.
وفي حين أن التغييرات المهمة في الوضع الراهن لا تبدو وشيكة، فإن إسرائيل قلقة للغاية بشأن الاستقرار طويل الأمد للسلطة الفلسطينية إلى درجة أنها تضغط على الحلفاء الأوروبيين والعرب لزيادة تبرعاتهم لعباس. وقد تبدو دعوات إسرائيل للحصول على دعم مالي للسلطة الفلسطينية غير منطقية على السطح، لكنها تكشف منطق الاحتلال الداخلي.
قمع الشعب الفلسطيني
ويقول جوزيف دانا إن السلطة الفلسطينية أصبحت الأداة الأكثر فاعلية لإسرائيل لاستمرار قمع الشعب الفلسطيني. وتعدّ قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، التي درّبتها وجهزتها إسرائيل والولايات المتحدة والأردن، خط الدفاع الأول للمصالح الإسرائيلية في الضفة الغربية. وتتصدّى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية أولا لأي احتجاج فلسطيني ضد الاحتلال.
ويشير إلى أنه من خلال التبرعات من الدول الأوروبية والعربية، يمكن للسلطة الفلسطينية أن تخصص أموالا كافية لإبقاء موظفي الخدمة المدنية الفلسطينيين مطيعين وغير راغبين في المخاطرة بكل شيء مع انتفاضة جديدة.
وسيكون الفلسطينيون أحرارا في شن حملة سلمية متواصلة ضد الاحتلال الإسرائيلي دون أن تقف السلطة الفلسطينية في طريقهم، مثل الانتفاضة الأولى التي بدأت في أواخر الثمانينات. وتبذل إسرائيل كل ما في وسعها لضمان عدم عودة أي شيء مماثل للانتفاضة الأولى إلى شوارع الضفة الغربية وغزة.
وستحافظ إسرائيل على هذه الاستراتيجية من خلال المزيد من الدعم للسلطة الفلسطينية.
وفي السنوات الأخيرة، تضاءلت التبرعات للسلطة الفلسطينية من 1.3 مليار دولار في 2011 إلى بضع مئات من الملايين. وقد دفع هذا البعض في الحكومة الإسرائيلية، مثل وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج، إلى الضغط مباشرة على الدول الأوروبية لزيادة التبرعات قائلا إنه من مصلحة إسرائيل أن تكون السلطة الفلسطينية “قوية ومستقرة”.
الفصل العنصري
ولا يحتاج المرء إلى درجة علمية متقدمة في سياسات الشرق الأوسط ليرى كيف أن ديناميكيات الفلسطينيين الذين ضاقوا ذرعا والذين لا يستطيعون الابتعاد عن الذراع الطويلة للاحتلال الإسرائيلي تشكّل صندوق بارود.
وتعلمت إسرائيل جيدا كيفية تشديد سيطرتها على السكان المضطربين من أمثلة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وروديسيا. وأظهر نموذجها الفريد للسيطرة استمرارية أطول بكثير من الأنظمة المماثلة الأخرى.
ومع ذلك، يشير جوزيف دانا إلى أن التاريخ يعلمنا أن أنظمة الأقليات هذه القائمة على السلوك غير المتكافئ والتمييزي لا تدوم إلى الأبد. وقد يبدو الاحتلال صارما، لكنه سيتغير ويتحول في المستقبل. لكن استقرار السلطة الفلسطينية هو أفضل مقياس لمعرفة متى سيترسخ التغيير في فلسطين. وسيدخل الصراع فصلا جديدا ومجهولا عندما تنهار السلطة الفلسطينية.