تونس: عبد الفتاح مورو يدعو الغنوشي للانسحاب من الحياة السياسية
دعا القيادي الإخونجي المستقيل عبد الفتاح مورو، راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإخونجية ورئيس البرلمان إلى التنحي والانسحاب من الحياة السياسية.
دعوة مورو وصفتها مصادر مقربة من حركة النهضة انها تعبير عن توجه عام بين قياديّي حركة النهضة الحاليين والمستقيلين بأن الغنوشي هو سبب أزمات الحركة وأن عليه أن يتنحى ويمنح الفرصة لقيادات جديدة لتجرّب حظها.
وقال مورو في حوار مع وسائل الإعلام “على الغنوشي أن يعتزل السياسة، لقد أتعبناه (في حركة النهضة) طيلة خمسين عاما.. ولْيعتبرها نصيحة أخوية ووطنية، ويعتزل السياسة ليتفرغ لعمل آخر”.
وبدا مورو كأنه يستجيب لمن طالبوه بالتوسّط لدى الغنوشي ودعوته إلى الانسحاب من رئاسة البرلمان كسبيل وحيد لنزع فتيل الأزمة بين رؤوس السلطة الثلاثة في البلاد.
المصادر اعتبرت أن الغنوشي لم يعد محل ثقة وترحاب بين أصدقائه من القيادات التاريخية لحركة النهضة وقبلها الاتجاه الإسلامي و”الجماعة الإسلامية”، وأن الدعوة إلى تنحيه باتت مشتركا بين أغلب القيادات التي أعلنت استقالتها مثل لطفي زيتون ومورو، فضلا عن الخلافات الحادة بينه وبين قيادات لم تعلن انسحابها بعدُ مثل عبداللطيف المكي وسمير ديلو ومحمد بن سالم.
ويضفي تراجع شعبية الغنوشي بين قيادات النهضة الإخونجية ومنتسبيها مشروعية قوية على الدعوات من خارجها التي تطالبه بالاستقالة من رئاسة البرلمان، أو تبحث عن توفير النصاب الكافي لتقديم عريضة أمام جلسة عامة للبرلمان من أجل سحب الثقة منه.
ويقول معارضون إن الأزمة الحادة داخل البرلمان سببها عجز الغنوشي عن إدارة الجلسات، وخاصة لاتهامه بتحريك الخيوط من وراء الستار لمنع استقرار المؤسسة التشريعية، والتغطية على الخطاب العنيف الصادر عن ائتلاف الكرامة الإسلامي الشعبوي.
لكن مصادر سياسية تؤكد أن دعوة مورو إلى اعتزال الغنوشي السياسةَ تخفي رغبة في رد الاعتبار لنفسه من الرجل الذي دفعه إلى الانسحاب مكرها من حركة النهضة متغافلا عن “إرث إسلامي” كان مورو أحد مؤسسيه قبل الغنوشي نفسه.
وتشير هذه المصادر إلى أن قيادات الحركة على علم بأن الغنوشي وبعض المحيطين به هم من كانوا وراء تهميش مورو، لافتة إلى تأثر مورو من المعلومات التي وصلته عن وجود فيتو من الغنوشي حال دون دعمه بشكل كامل للوصول إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في 2019، وأن رئيس حركة النهضة لم يكن يريد لشريكه التاريخي في “العمل الإسلامي” أن يكون رئيسا لتونس وأن يخطف الأضواء على حسابه.
وفي مايو 2020 أعلن مورو انسحابه من الحياة السياسية بشكل نهائي، مؤكدا أنه لم يعد له مكان فيها، ما اعتبر وقتها اعترافا بأن الغنوشي كان وراء إخراجه من النهضة ليتخلص بذلك من أحد القياديّين التاريخيين، وذلك بعد نجاحه في التخلص من أسماء بارزة أخرى مثل حمادي الجبالي وقبله صالح كركر، ولاحقا عبدالحميد الجلاصي كأحد الفاعلين الرئيسيين في التنظيم الإسلامي في العقود الأخيرة.
وكشف مورو أنه توصل إلى هذا القرار منذ أشهر (أي منذ خسارته في الانتخابات الرئاسية وما حف بها من تسريبات واتهامات) و”دليل ذلك أنني لم أظهر في نشاط سياسي أو حديث سياسي منذ أشهر قبل الحديث عن الخلاف الحالي (داخل الحركة) وقبل أن يُعلن عنه”.
يذكر أن مورو ترشح باسم حركة النهضة خلال الدور الأول للانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2019 وجاء ثالثا وراء المرشح المستقل قيس سعيّد ومرشح حزب قلب تونس (ليبرالي) نبيل القروي.
ويقول مقربون من حركة النهضة الإخونجية إن الخلاف بين الغنوشي ومورو بدأ منذ الانطلاقة الأولى لأنشطة “الجماعة الإسلامية” وخلال السبعينات وقبل الإعلان عن تسمية حركة “الاتجاه الإسلامي” (1981) التي هدفت إلى إخراج العمل الإسلامي من بعده الدعوي التجميعي إلى بعده السياسي.
ويقوم هذا الخلاف على الزعامة، فقد كان مورو خطيبا مفوها ولديه حضور كبير في المساجد، خاصة أنه من سكان العاصمة تونس، وكان يحظى بثقة ودعم من علماء جامع الزيتونة المنتمين إلى عائلات معروفة مثل عائلة النيفر وبن عاشور وبالسرور، فيما كان الغنوشي على الهامش، ما جعله لاحقا يضع يده على حركة الاتجاه الإسلامي للتعويض عن غياب المقبولية بين وجوه “العمل الإسلامي”.
وأحاط الغنوشي نفسه داخل حركة الاتجاه الإخونجي بقيادات من مناطق داخلية خاصة من الجنوب ثم الساحل ليكسر هيمنة أبناء العاصمة على النشاط الإسلامي الاستعراضي، وخاصة مورو والمحامي حسن الغضبان الذي توفي منذ أسابيع قليلة وكان على خلاف كبير مع الغنوشي.
وفي ظل شعوره بالعزلة داخل الاتجاه الإسلامي استقال مورو أكثر من مرة، وأطلق تصريحات أثارت عليه غضب الغنوشي وجماعته، خاصة حين تبرأ من عملية باب سويقة 1991 التي أودت بحياة حارس لمقر التجمّع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم في فترة زين العابدين بن علي.