تونس: مناورة إخونجية للخلاص من إرث “النهضة” في قضايا الإرهاب والفساد

بالتزامن مع محاولات راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإخونجية، تبرئة نفسه من جرائم حركته الجاري التحقيق القضائي فيها، بإعلانه الاستعداد للتخلي عن رئاستها إذا ما تقدم طرف بـ”تسوية” لأزمة تونس، أفادت مصادر تونسية أن قيادات “منشقة” عن الحركة الإخونجية، تستعد لإطلاق حزب جديد تخوض من خلاله غمار الانتخابات البرلمانية المنتظرة في ديسمبر المقبل.

وكان الغنوشي قد قال ردا على سؤال حول مطالب قوى سياسية بابتعاده عن حركة النهضة كشرط للعمل معه في المعارضة: “رئاسة الحركة ورئاسة المجلس (البرلمان)، أو أي رئاسة أخرى هي أمر هين وقليل أمام مصلحة تونس، ولذلك لو تقدم لنا أي طرف بتسوية للمشكلة التونسية تتطلب هذه التضحية منا فهذا أمر يسير، ولكن أن نبادر نحن بالتنازل عن موقعنا فلمصلحة من ولرغبة من؟”.

ولم يوضح طبيعة هذه التسوية التي يمكن أن يقبلها، مع تأكيده على استمراره في وصف الإصلاحات التي قام بها الرئيس التونسي قيس سعيد منذ 25 يوليو 2021 بأنها “انقلاب” على الشرعية والديمقراطية، ورفض ما ترتب عليها مثل الاستفتاء على الدستور.

خلافات داخلية

وتغرق الحركة الإخونجية في خلافات داخلية منذ أكثر من عام، وأعلن عشرات من قياداتها استقالتهم خلال الأشهر الأخيرة، اعتراضا على استمرار الغنوشي في رئاستها.

وبحسب مصادر داخل النهضة، فإن القيادات المنشقة عن حركة النهضة تستعد لتأسيس حزب وتشكيل تحالفاتها وإعلانها بعد إعلان قانون الانتخابات الجديد.

وتتوقع المصادر أن يتولى القيادي الإخونجي المستقيل، سمير ديلو قيادة، الحزب الجديد، إلى جانب عدد من أعضاء مجلس النواب المنحل.

كما ترجح ذات المصادر أن يحرص الحزب الجديد على عدم الجهر بأيديولوجيته، وذلك لتجنب غضب الشارع التونسي، ولتفادي حالة النفور الكبير ضدها.

سفينة غارقة

ويرى الخبير القانوني التونسي، حازم القصوري، أن تصريح الغنوشي في هذا التوقيت محاولة للقفز من “سفينة النهضة الغارقة”.

وأضاف القصوري، “صحيح أن الخلافات والصراعات بين قيادات الحركة حقيقية، ولا يمكن إنكارها، ولكننا أمام محاولة إخونجية لاستغلال هذه الحالة، وتصديرها للعلن، لتأسيس كيان سياسي على خلفيتها، بديل لحركة النهضة، يحمل أفكارها، ولكنه لا يحمل ثقل جرائمها التي سدّت أمام الحركة مجال العمل السياسي”.

ويرجح القصوري أن هذه القيادات الإخونجية تسابق الزمن لتشكيل الكيان الجديد، لتخوض به غمار الانتخابات البرلمانية المنتظرة بديسمبر المقبل، والذي تقف عقبات قانونية أمام حركة النهضة للمشاركة فيها، نتيجة التحقيق مع قيادات بها، منهم الغنوشي، بتهم تتعلق بالإرهاب والاغتيالات والفساد.

ويعوّل القصوري على قانون الانتخابات الجاري تجهيزه لتنظيم شروط الترشح بما يضمن منع تسلل المتهمين بالإرهاب والفساد والتمويلات الأجنبية من خوض الانتخابات، مثل قيادات النهضة وحلفاءها.

ونبّه إلى أن “الفساد السياسي والاقتصادي تركة ضخمة لا يمكن للقضاء وحده حسمها بجرة قلم، ولكن الأمر يحتاج التزاما سياسيا أخلاقيا لمواصلة دعم العدالة والمحاسبة”.

وبدأ الرئيس التونسي قيس سعيد خطوات إصلاحية عميقة في تونس بداية من 25 يوليو 2021 لإزاحة خطر الحركة الإخوانية عن البلاد، بدأت بتجميد البرلمان ذي الغالبية الإخونجية، ثم حلّه لاحقا، وإقالة الحكومة، وتبع ذلك تغييرات في القضاء وكافة مؤسسات الدولة، ووصلت إلى الاستفتاء على دستور جديد، يتبعه إعداد قانون للانتخابات وتنظيم عمل الأحزاب والمنظمات وشروط تمويلها، ثم تختم الخارطة السياسية بانتخابات برلمانية مبكرة.