ثمة الكثير مما يمكن عمله بين تونس والخليج
تحمل زيارة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار إلى سلطنة عمان إشارة واضحة إلى أن تونس عرفت أخيرا أن وجهتها الحقيقية هي الخليج، بعدما جربت رهانات أخرى واكتشفت أنها غير ذات فائدة.
جرب التونسيون الاتحاد الأوروبي فإذا به يبحث من انفتاحه على تونس عن حل مشاكله وليس حل مشكلتها كما كان يفعل في عقود ماضية. وجربوا دول الجوار مثل الجزائر وليبيا، وإلى الآن يسمعون الكثير من الأخبار عن اللقاءات الرسمية واجتماعات اللجان المشتركة ومذكرات التفاهم، ولم يروا على الأرض شيئا ذا بال يمكّنهم من تجاوز الأزمة دون المرور من قناة صندوق النقد.
نبيل عمار يحمل رسالة من الرئيس قيس سعيد إلى سلطان عمان هيثم بن طارق، والزيارة تهدف، كما قالت وزارة الخارجية التونسية، إلى “ترؤس أشغال الدورة السادسة عشرة للجنة التونسية – العمانية المشتركة، مع بدر البوسعيدي، وزير الخارجية العماني”.
وأكدت الوزارة أنه “سيتمّ خلال الزيارة التوقيع على عدد من اتفاقيات التعاون (دون ذكر تفاصيل)، التي من شأنها إثراء الإطار القانوني المنظّم للعلاقات بين البلدين الشقيقين”.
ولم تكن زيارة نبيل عمار هي الأولى للخليج، فقد سبق أن قام بجولة خليجية شملت كلا من الإمارات والسعودية والكويت لاستكشاف فرص التعاون، أو بالأحرى استعادة نسق التعاون الذي تراجع بشكل لافت بسبب ما شهدته تونس بعد 2010 من أحداث أمنية وسياسية وظهور خطاب معاد لدول الخليج ضمن هوجة سياسية كانت قد قطعت الكثير من الوشائج التي تربط تونس بالخليج وغير الخليج.
الآن هدأت الأوضاع وتراجعت الشعارات ووجدت الدولة نفسها مجبرة على أن تبحث عن حلول لبناء الجسور التي تعطلت.
بالتأكيد ستجد تونس لدى دول الخليج كل التفهم والترحيب، لكن الخليج لم يعد هو الخليج، فقد تغيرت الأفكار والإستراتيجيات وبات ضروريا على أي بلد يريد أن يدخل الخليج ويحصل على حصة، ولو ضئيلة من المشاريع والاستثمارات، أن ينسى الصورة القديمة ويقدم نفسه وفق عروض وخطط واضحة حتى يقدر على المنافسة مع شركات من الشرق والغرب.
لا يجب التفكير في أن الاتجاه إلى الخليج يعني الحصول على التمويلات والمساعدات، فقد بات المال الخليجي مخصصا فقط للاستثمارات، وهو ما يعني التفكير في تغيير قوانين الاستثمار وتسهيل الإجراءات وتذليل العقبات البيروقراطية والقيام بحملة تسويق قوية لإقناع المستثمر الخليجي.
من المهم أيضا أن يكون التحرك التونسي لاستقطاب المستثمر الخليجي وفق عروض واضحة، وأن تساعد الحكومة الشركات الخاصة التونسية على أن تكون طرفا في الشراكة مع رأس المال الخليجي في تونس، وكذلك تسهيل الطريق أمامها لدخول السوق الخليجية.
وما يربط تونس بالخليج ليس فقط الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية، فهناك عنصر آخر مهم تحتاج تونس إلى أن ترعاه وتطور سبل الاستفادة منه، وهو موضوع العمالة التونسية الموجودة في الخليج. صحيح أن تونس استفادت من هجرة الكثير من اليد العاملة المتخصصة إلى الخليج في العقود الماضية، لكن نوعية العمالة المطلوبة تغيرت الآن، ودول الخليج لديها مشاريع عملاقة، وسيحتاج الأمر إلى أن تطوع تونس تعليمها الجامعي ليراعي نوعية العمالة المتطورة التي يحتاجها الخليجيون في خططهم 2030 – 2040.
الاستثمار الخليجي هو قشة النجاة لتونس، وهو استثمار سخي ومؤثر، لكنه استثمار متقلب وحساس ويحتاج إلى طمأنة فعلية وإلى أن تتغلب حكومة أحمد الحشاني على البيروقراطية، وأن لا تسقط في ما سقطت فيه دول أخرى بالنظر إلى المال الخليجي على أنه سهل ويمكن الاستحواذ عليه والمماطلة في تسديده أو تسديد مرابيحه. هذه العقلية الانتهازية دفعت الخليجيين إلى وقف مسار المساعدات والدعم الذي كان يقدم لبعض الدول العربية والاكتفاء فقط بالاستثمارات.
الفرصة مواتية، إذا، للتقدم خطوات نحو الاستثمار الخليجي وتشجيعه وفتح الطريق أمامه وتبديد العقبات لاستقطابه، خاصة أن السعوديين قد جاؤوا إلى تونس وعرضوا أفكارهم وقبلهم جاء الإماراتيون وفتحوا الباب أمام المشاريع الاستثمارية.
الجميع يريد مساعدة تونس على مغادرة مربع الأزمة. والكرة في مرمى تونس، فماذا ستقول لهؤلاء؟ وأي تسهيلات ستقدمها؟
فهم المستثمرون الخليجيون أن تونس عادت إلى وضعها المستقر كما كان قبل 2011، وأن مرحلة الصراع السياسي والمزايدات قد ولّت، ولذلك جاؤوا إلى تونس ومن حقهم أن يسمعوا من الحكومة، ماذا تريد؟ وما هي خططها؟ وكيف ستتفاعل معهم من أجل تشجيعهم على الاستثمار في تونس بدلا من الذهاب إلى أماكن أخرى؟
وأكد وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر بن إبراهيم الخريف، على هامش اللجنة المشتركة بين البلدين نهاية العام الماضي، البحث عن فرص استثمارية وامتيازات تشغيلية في تونس خاصة أنها تزخر بثروات معدنية مهمة كالحديد والنحاس والرصاص واحتياطي كبير من الفوسفات.
وأوضح بندر بن إبراهيم الخريف أن المملكة تتطلع إلى أن تكون شريكا فاعلا في الحراك الاقتصادي الذي تشهده تونس، من خلال البحث عن الفرص الاستثمارية للقطاع الخاص، بهدف الرفع في مستوى التبادل التجاري بين البلدين.
وقبل السعوديين جاء الإماراتيون وطرحوا إنجاز المشاريع الاستثمارية. وفي أغسطس الماضي التقى وزير الدولة الإماراتي الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان مع الرئيس التونسي، وناقشا العلاقات الثنائية والفرص والإمكانيات لتطويرها ودفعها إلى الأمام.
وأكد الشيخ شخبوط بن نهيان حرص قيادة دولة الإمارات على الوقوف إلى جانب تونس وحكومتها وشعبها، فضلا عن تعزيز العلاقات بين البلدين واستثمار الفرص المتاحة لدفع آفاق التعاون المشترك في القطاعات كافة.
وبالنتيجة، فإن هناك الكثير مما يمكن عمله بين تونس والخليج على مستوى التعاون الاقتصادي والاستثمارات، والمطلوب أن تراهن تونس على هذا التمشي وتضع الأساسات الضرورية لإنجاحه خاصة أن قادة دول الخليج يقفون الآن إلى جانب تونس ويريدون مساعدتها على القطيعة مع الماضي.