جنوب شرق آسيا.. ساحة بديلة لإنعاش مشروع الإخوان
هشام النجار
أكد اقترابي العملي والمهني من ظاهرة الإسلام السياسي والجهادي في كل من إندونيسيا وماليزيا، أن المساعي الحثيثة التي تقوم بها تركيا وقطر وإيران للترويج لبعض الأفكار الإسلامية في منطقة جنوب شرق آسيا، هي بمثابة اختيار جاء بعناية، فهي بيئة خصبة لاستقبال الوافدين الجدد، بعدما تبيّن أن المنطقة العربية مليئة بالتحديات الأمنية، وعصية على اختراقها بمشاريع مناهضة لنموذج الدولة الوطنية.
لا تعني هذه النقلة إقامة دائمة هناك، بل يمكن وصفها بأنها استراحة المحاربين، استعدادا لمعركة أكبر سوف تدور رحاها في الشرق الأوسط. فرعاة الظاهرة والنافخون فيها تظل عقولهم وقلوبهم معلقة بالمنطقة العربية.
أثبت التفكير في الذهاب بالأجنحة الإقليمية والتصورات الطوباوية لمشروع الإسلام السياسي إلى ساحة أخرى، أن العرب قادة أنفسهم ولا مجال لفرض قيادة عليهم من تركيا أو من إيران، بعد أن وضع أغلبهم أياديهم على مكامن تغيير قواعد اللعبة في ملفات الإرهاب والطائفية والحد من دور الإسلام المسلح في بعض الدول.
اجتمع في كوالالمبور عاصمة ماليزيا رؤوس الأنظمة التي أدارت ورعت مشروع التقويض السريع للأنظمة العربية يومي الجمعة والسبت الماضيين، تحت عنوان فضفاض هو “ثورات الربيع العربي قبل ثماني سنوات”، بغرض خلق صيغة بديلة بعناوين أخرى لمشروع واحد انقلب إلى فوضى وحروب أهلية وإرهاب عابر للحدود، وإخفاق للإسلام السني والشيعي في إدارة الحكم.
وعلى الرغم من محدودية نتائج القمة، وغياب إندونيسيا وباكستان، وانتباه ماليزيا نفسها لخطورة تورطها في هذه اللعبة، إلا أنها كانت محاولة جادة ومدروسة لإنقاذ مشروع الإسلام السياسي عبر نقله إلى نطاق جغرافي أوسع.
يُعد اختيار ماليزيا دقيقا، فهي الحاضنة البديلة لجماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسي، ومركز الجذب الرئيسي للتنظيمات الجهادية الوافدة من الشرق الأوسط، وقبل ذلك كانت وجهة المقاتلين من خريجي مدرسة أفغانستان الجهادية من العناصر المحلية أو من دول جنوب شرق آسيا المجاورة.
ظهر المشروع الجديد في قطر كمقر، وتنامى في تركيا كمحور رئيسي، ولقي قبولا في إيران، واعتمد على جماعة الإخوان، وكان مغريا لمن فشلوا في نيل مرادهم من السلطة، ومن المؤمل تقاسم النفوذ والمواقع الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين الدول الراعية له، استغلالا لواقع عربي يتحفز ضد هؤلاء.
بعد التراجع ظن القادة في طهران وأنقرة والدوحة أن نقل مركز مشروع الإسلام السياسي إلى جنوب شرق آسيا سوف يحل الكثير من الأزمات التي تواجه رعاته.
يضع رعاة المشروع من المأزومين في الشرق الأوسط بعين الاعتبار البديل الآسيوي المحتضن لأعداد كبيرة من جماعات الإسلام السياسي التي تتبنى الفكرة الأممية ومشروع الخلافة، مثل الإخوان وحزب التحرير، علاوة على السند الجهادي الذي تمكن من الربط بين أنشطة قادته ومقاتليه بين أفغانستان وفلبين وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وأستراليا، وهو ما مكن السلفية الجهادية من تحويل مناطق شرق آسيا لمراكز بديلة للشرق الأوسط.
يجد قادة الدول الثلاث مستقبلا لحضورهم في آسيا للهيمنة على إرث الجماعات الجهادية في هذا المجال الواسع والثري ديموغرافيا واستراتيجيا، مع الوجود القوي للمتطرفين بمختلف فصائلهم. وليس مستغربا أن يتبع الانتقال إلى آسيا بعد هزائم هؤلاء في المنطقة العربية، انتقال آخر لتيار الإسلام السياسي الذي فشل في إخضاع الكثير من الدول لإرادته.
يجد الرعاة الرئيسيون للظاهرة الإسلامية في جنوب شرق آسيا ساحة مهيّأة للانطلاق بمشروعهم دون جهود كبيرة لتجهيز البيئة بالتصورات والمناهج الأممية والأيديولوجية، فقد سبقت الجماعات الإسلامية بالمنطقة طرح التصورات العامة لمشروع إقامة دولة إسلامية موازية تنتشر فروعها في جنوب شرق آسيا، بينما مركز ثقلها وإدارتها في ماليزيا.
وهو ما عبر عنه اجتماع رابطة المجاهدين الذي عقد في سوبانج سيلانغور على مقربة من كوالالمبور عام 1999 وحضره ممثل عن جبهة تحرير مورو بالفلبين، وممثل عن شبكة الجهاد بجنوب تايلاند، وممثل عن زعيم الروهينغا في بورما، وممثل عن جهاديي سنغافورة، ومندوبو الجماعة الإسلامية بإندونيسيا.
ميراث السلفية الجهادية في جنوب شرق آسيا عامل إغراء قوي لقادة ورعاة الإسلام السياسي بالشرق الأوسط بعد الفشل في تشكيل خلافة سنية بزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والغضب الشعبي الذي يناهض مشروع الخلافة الشيعية بزعامة إيران، فقادة جماعات الإسلام السياسي وجهاديو جنوب شرق آسيا يتبنون منهج الوصول بالقوة إلى الهيمنة الكاملة على العالم الإسلامي من منطلق تصورات العداء التاريخي والوجودي بين الغرب والعالم الإسلامي.
استثمار النشاط الجهادي في دول جنوب شرق آسيا مطمع رعاة الإسلام السياسي المحاصر في الشرق الأوسط؛ خاصة أن هذا التيار في مجمله لا يزال مزهوا بلحظة المنجز الأهم في تاريخه عندما طرد الاتحاد السوفييتي السابق من أفغانستان إلى الدرجة التي تجعل الإسلاميين بهذه المناطق يروجون بأن النصر حليف الأعاجم من المسلمين وليس العرب، والرايات السود والقتال خلف المهدي المنتظر سوف يكون في الشرق، أي من أفغانستان وخراسان وليس في العراق أو سوريا.
على خطى القاعدة وداعش، وقبلهما الجهاديون المحليون بتلك الدول في هذه الساحة ذات الأهمية الاستراتيجية، يطمع قادة تركيا وقطر وإيران في البناء على جهود وأنشطة امتدت لسنوات بغرض التمدد لتشبيك دول جنوب شرق آسيا لتصبح منتظمة داخل خلافة دينية مصغرة كبداية لتحقيق حلم الخلافة الأكبر.
لدول جنوب شرق آسيا جاذبية خاصة لدى قادة ورعاة الإسلام السياسي، بشقيه السني والشيعي، الذين اجتمعوا في كوالالمبور مؤخرا، كونها ساحة تاريخية للقيام بعمليات هدفها الضغط على القوى الكبرى في ملفات شرق أوسطية؛ ففي عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي قامت منظمات فلسطينية ويابانية بعمليات في بانكوك ومانيلا وجاكرتا لنفس الهدف.