حان وقت تغيير الأمم المتحدة العاجزة
أندرو فيرمين
أخيرا أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة. وبالرغم من أنه لم يبلغ حد المطالبة بإنهاء دائم للعنف، إلا أنه تجاوز ما استطاعت تحقيقه أعلى هيئة للسلام والأمن في العالم منذ بداية المرحلة الوحشية الحالية من الصراع الذي اندلع في أكتوبر الماضي ويتواصل إلى حد الآن. ويشير الوقت المستغرق لبلوغ هذه النقطة إلى فشل المؤسسات العالمية المستمر في دعم حقوق الإنسان.
للأسف، تنتشر النزاعات اليوم في جميع أنحاء العالم، وتتجاوز غزة، وتشمل السودان وأوكرانيا وغيرهما. وتجلب قسوة ومعاناة هائلة يتحمّلها السكان والمجتمع المدني. ويتعرض واحد من كل ستة أشخاص حاليا لعواقب النزاعات بشكل أو بآخر. ومن المفترض أن تمنع القواعد الدولية الفظائع، وأن يعمل المجتمع الدولي على وقف إراقة الدماء إن حدثت وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. لكن الدول تنتهك القواعد مرارا وتكرارا.
أحدث تقارير التحالف العالمي لمنظمات المجتمع المدني (سيفيكوس) يسلط الضوء على كيفية تخبط الهيئات الدولية، بينما تتخذ الدول قرارات منافقة تقوض النظام الدولي القائم على القواعد. ويواصل المتحاربون تجاهل مبادئ حقوق الإنسان الدولية الراسخة والقانون الإنساني الدولي لأنهم يتوقعون الإفلات من العقاب. ووضع المجتمع المدني خططه الخاصة لإصلاح الحوكمة العالمية ولكنه لا يحظى بمقعد حول الطاولة.
الدول القوية، مثل روسيا والولايات المتحدة، تبدي احتراما انتقائيا للقواعد، وتحمي الحلفاء بينما تنتقد الأعداء. وهذا ما أبرزته الكثير من الدول التي سارعت إلى الدفاع عن أوكرانيا لكنها ترددت في انتقاد إسرائيل. وتظهر بعض الدول عنصريتها عندما تنبري للدفاع عن حقوق الإنسان فقط حين يكون البيض هم الضحايا.
تحرك مجلس الأمن كان بطيئا جدا، وأعاقته الدول القوية التي تستخدم حق النقض (الفيتو). واستغرقت قراراته وقتا طويلا وجاءت مخففة رغم أن الوضع كان ملحا. ولجأت الدول الراغبة في رؤية نهاية للنزاعات إلى ساحات أخرى، بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان. لكن هذه البدائل تفتقر إلى نفوذ مجلس الأمن.
ومن المفترض أن تكون حقوق الإنسان من ركائز الأمم المتحدة الثلاث، إلى جانب السلام والأمن والتنمية المستدامة. لكنها الأسوأ حالا. ولا ينال ركن حقوق الإنسان سوى 4.3 في المئة من الميزانية العادية للأمم المتحدة. وبرزت مشاكل التمويل في يناير الماضي حين أغلقت مكاتب الأمم المتحدة في جنيف أبوابها مؤقتا بسبب أزمة السيولة، حيث عجزت عن تغطية تكاليف التدفئة في ذروة حالة الطوارئ التي تشهدها حقوق الإنسان. وأفادت التقارير بأن حوالي 50 دولة عضوا في الأمم المتحدة لم تسدد مساهماتها لسنة 2023 كليا أو جزئيا.
وهناك بعض الدول التي قررت الانسحاب من رقابة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، حيث تصر أوغندا وفنزويلا على إغلاق مكاتب المنظمة فيهما، وطرد الجيش السوداني بعثة الأمم المتحدة المكلفة باستعادة الديمقراطية، ونجحت إثيوبيا في ضغوطها لإنهاء عمل لجنة تدقق في العديد من انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة خلال النزاع.
كما تنتقم الدول القمعية من النشطاء الذين يشاركون في عمليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. ووثق أحدث تقرير عن الأعمال الانتقامية ضد هؤلاء الأفراد أن 40 دولة عاقبت أشخاصا خلال العام الماضي لاستخدامهم الأمم المتحدة للدفاع عن حقوق الإنسان. ومن المثير للصدمة أن 14 منها أعضاء في مجلس حقوق الإنسان (أي حوالي 30 في المئة من أعضاء الهيئة). وتشير هذه الفضيحة إلى مشكلة أوسع تتمثل في عدم احترام الكثير من الدول النشطة في الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
الأمر يتجاوز كونه فشلا في دعم حقوق الإنسان في حالات النزاع. وتتسبب الحسابات قصيرة الأجل التي يتبناها القادة غير الخاضعين للمساءلة في تحييد الاتفاقيات الدولية التي يمكن التوصل إليها لمعالجة التحديات الرئيسية العابرة للحدود الوطنية، مثل أزمة المناخ والتنمية المستدامة، حيث تصبح النتائج محدودة وغير مرضية.
وخلال قمة أهداف التنمية المستدامة التي عقدت في سبتمبر الماضي طرح المجتمع المدني أفكارا مبتكرة للإفراج عن الأموال اللازمة لتمويل التنمية والقدرة على الصمود في وجه تغير المناخ. ولكن هذه الأفكار لم تلق آذانا صاغية. وكثيرا ما يُمنع المجتمع المدني من الوصول إلى الطاولة، ويجبر في أحسن الأحوال على الجلوس على هامش الافتتاح السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
إن الأزمات المتعددة تكشف اليوم عيوب الهيكلة الأساسية التي تعرقل المؤسسات الدولية، وتختبرها بما يتجاوز حدودها. ويُذكر أن الناس قد يتبنون بدائل أكثر استبدادية إذا انهارت الثقة بالأمم المتحدة. وعلى الدول والأمم المتحدة أن تأخذا في الاعتبار العديد من أفكار الإصلاح العملي التي طرحها المجتمع المدني لمنع حدوث هذا السيناريو. وعلى الأمم المتحدة بشكل خاص أن تصبح أكثر ديمقراطية وأن تمكّن انخراط المجتمع المدني باعتباره شريكا أساسيا.
وعليها أن تنطلق في هذا الاتجاه بتنفيذ بعض مقترحات إصلاح المجتمع المدني. أولها، والأسهل اعتمادا، تعيين مبعوث للمجتمع المدني لضمان تمثيل أفضل للمجتمع المدني في الأمم المتحدة، وضمان تشريك مجموعة متنوعة من فئاته، ودعْم تعاون الأمم المتحدة معه في جميع أنحاء العالم. خطوة مثل هذه ستثبت أن الأمم المتحدة تأخذ المجتمع المدني على محمل الجد في وقت يتعرض فيه للقمع في العديد من البلدان، وهو ما قد يمكّن المزيد من التقدم.
الخطوة الأخرى التي يمكن اتخاذها تتمثل في مبادرة لمواطني العالم، تمكن المدنيين من جمع التوقيعات لوضع قضية على جدول أعمال الأمم المتحدة. وقد يضمن ذلك أن تنظر المؤسسات (بما في ذلك في مجلس الأمن) في المسائل التي تحظى بمستوى مهم من الدعم العام العالمي. كما يدعم الكثيرون في المجتمع المدني بعث جمعية برلمانية للأمم المتحدة لاستكمال الجمعية العامة وإعطاء صوت للمواطنين والحكومات. وقد يُحدث هذا تصحيحا مهمّا لعملية صنع القرار التي تركز على الدولة ويصبح مصدرا للتدقيق ومساءلة القرارات التي تتخذها الأمم المتحدة (أو تفشل في تبنّيها).
وسيواصل المجتمع المدني الدعوة إلى نظام قائم على القواعد، حيث يمكن اتباع قوانين وسياسات واضحة لمعالجة تغير المناخ والقضاء على الفقر ومعالجة عدم المساواة الاقتصادية العميقة وتخفيف حدة النزاعات ومنع انتهاكات حقوق الإنسان الهائلة. كما يجب أن يلتزم مؤتمر قمة الأمم المتحدة المعني بالمستقبل في سبتمبر 2024 بتعزيز هذه الرؤية. ويبذل المجتمع المدني أقصى جهوده للانخراط في العملية، ولا يدعو إلى المزيد من المسائل السطحية، بل إلى إصلاحات حقيقية تضع الناس في مركز عملية صنع القرار.