حراك قطري تركي لإثارة الفوضى في السودان
مؤشرات خطيرة توحي بأن المنظمات التابعة للإخوان أعادت ترتيب صفوفها
تحذر دوائر سياسية من أن عملية التفكيك المتدرّج للمنظومة القديمة في السودان، والبطء الحاصل فيها، قد يؤدّيان إلى مفاعيل عكسية ويتحولان إلى لعنة تلاحق السلطة الانتقالية، في ظل مؤشرات خطيرة توحي المنظمات التابعة للإخوان أعادت ترتيب صفوفها وهي تتحرك اليوم على أكثر من مستوى لإثارة الفوضى والقلاقل.
وتجد هذه المنظومة ممثلة في قوى سياسية وحزبية وأذرع إعلامية وميليشياوية ورجال دين ومسؤولين ما يزالون يشغلون مواقع هامة في الدولة، دعما من بعض القوى الإقليمية، وعلى رأسها قطر وتركيا اللتان شكل سقوط حكم الرئيس عمر البشير (في 11 أبريل) خسارة كبرى لهما على ضوء ما يمثله السودان من عمق جيوسياسي مهم جدا.
وتقول الدوائر إن منظومة الإنقاذ التي يعدّ (الإخوان والسلفيون) عمودها الفقري انتقلت من إشعال “الحرائق” هنا وهناك على غرار الفتن العرقية التي شبت في غرب السودان وشرقه إلى المرحلة الموالية وهي استعراض القوة في الشارع.
وشهدت، السبت، مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة القريبة من الخرطوم مسيرة احتجاجية حملت عنوان “مسيرة الزحف الأخضر 2”، تطالب برحيل الحكومة الانتقالية التي لم تمض على عملها سوى أشهر قليلة، و“عدم المساس بالشريعة الإسلامية”.
ورفع المشاركون شعارات من قبيل “هذا الصوت صوت الشعب”، و“هذا الشعب شعب مسلم”، و“لن تحكمنا العلمانية ولن تحكمنا الشيوعية”.
ولقيت تلك المسيرة اهتماما كبيرا من قبل وسائل إعلام قطرية وفي مقدمتها قناة “الجزيرة” التي خصصت لها حيزا هاما في نشراتها وركزت على استضافة مجموعة من الشخصيات الراديكالية على غرار الداعية الإسلامي عبدالحي يوسف، الذي هاجم التيار المدني في السلطة وبعض الدول في المنطقة زاعما أن”السودان مختطف” من قبل تلك الجهات.
وعلى خلاف المسيرة السابقة التي جرت في 14 ديسمبر الماضي تحت عنوان “مسيرة الزحف الأخضر 1”، أعلنت العديد من القوى الإسلامية وقوفها ومشاركتها في مسيرة ود مدني، في تطور يعكس الجرأة المتزايدة لتلك القوى التي كانت لوقت قريب تفضل الابتعاد عن الأضواء خشية استفزاز الشارع الثائر والقوى التي تقف خلفه.
وتخللت مسيرة ود مدني اشتباكات بين المحتجين والمعارضين لتحركاتهم، وسط أنباء على أن عددا من المحتجين الذين خرجوا إلى الشارع كان بحوزتهم أسلحة بيضاء ونارية، ما أدى إلى سقوط عدد من الإصابات بعضها خطير.
وكشفت لجنة أطباء السودان المركزية عن وقوع 7 إصابات متفاوتة بعضها خطير أثناء المظاهرات في ود مدني. وذكرت في بيان أن الإصابات نتيجة للطعن بآلات حادة من الخلف وعلى مستوى الصدر، وجروح قطعية متعددة على مستوى الرأس.
وحمّلت اللجنة التي تنضوي ضمن تجمع المهنيين السودانيين في بيانها حكومة المحافظة ولجنتها الأمنية والشرطية المسؤولية عما حدث، متسائلة “كيف لكيان محلول بأمر من السلطة ومنبوذ بأمر من الثورة أن يتجمع أفراده وينصّبون مكبرات الصوت ويهددون الثوار أمام مرأى ومسمع الشرطة”.
وحذرت اللجنة من أن تأخير تعيين الولاة المدنيين، هو مدخل للردة وحجر عثرة في سبيل التحول الديمقراطي واستكمال ركائز الحكومة المدنية.
ومعلوم أن أطرافا بينها الحركات المسلحة ترفض تعيين ولاة جدد للمحافظات قبل التوصل إلى اتفاق سلام، وهذا الأمر ينطوي على مخاطر كثيرة وفق قوى الحرية والتغيير التي ترى بأن الربط بين هاته المسألة وملف السلام ليس عمليا وله ارتدادات سلبية خاصة وأن مسار السلام ما يزال يشهد عثرات.
ويقول نشطاء إن على السلطة الانتقالية التحرك بشكل أسرع في عملية تفكيك المنظومة القديمة، وأن الخطوات المحتشمة حتى الآن والتي اقتصرت على غلق بعض النقابات ووسائل الإعلام ومصادرة أصول لحزب المؤتمر الوطني تبقى غير كافية.
ويشير النشطاء إلى أن عملية الاستعراض التي شهدتها مدينة ود مدني قد تنتقل إلى محافظات أخرى في ظل استشعار القوى المؤلفة لنظام الإنقاذ بحالة من الثقة المتزايدة، مستغلين غياب التوافق بين القوى المؤثثة للسلطة الحالية إزاء سبل التعاطي معهم.
وعن مسيرات السبت قالت الشرطة السودانية، في بيان صدر في وقت سابق، إن اثنين من المشاركين بالمسيرة أصيبا جراء إطلاق مواطن يقود سيارة النار بصورة عشوائية، فيما وقعت إصابات متفاوتة إثر مواجهات بين “مجموعات متباينة” شهدتها المظاهرة.
وأوضحت أن “احتكاكا حدث بين مجموعات متباينة في شارع جانبي قرب التجمعات، وقام مواطن يقود سيارة بإشهار سلاح ناري (مسدس) وإطلاق أعيرة نارية بصورة عشوائية وسط الحشود، ما أدى إلى إصابة اثنين من المشاركين بالمسيرة أحدهما برأسه ووصفت جراحه بالخطيرة، والآخر بيده”.
وأشارت إلى أنه تم رصد إصابات متفاوتة بسبب المواجهات بين “المجموعات المتباينة”، دون مزيد من التفاصيل.
وذكر البيان، أن قوات الشرطة تمكنت من القبض على المواطن الذي أطلق الرصاص، واتخذت الإجراءات القانونية اللازمة للسيطرة على الأوضاع.
وفي 14 ديسمبر 2019، انطلق أول موكب احتجاجي لما سمي “الزحف الأخضر” بعد أن انتشرت دعوات في مواقع التواصل. لكن المتحدث باسم “تجمع المهنيين السودانيين” محمد ناجي الأصم، أشار في 10 ديسمبر، أن بعض كوادر “المؤتمر الوطني” المنحل (حزب الرئيس المعزول عمر البشير) هم وراء الدعوة لمظاهرات 14 ديسمبر.
وأعلنت العديد من القوى الإسلامية حينها تبرؤها من تلك المسيرة، ورفضها المشاركة فيها وعلى رأسها المؤتمر الوطني.
ويأتي استعراض القوة للمنظمات الإسلامية في الشارع، السبت، في وقت تواجه فيه بعض المناطق انتقال عدوى الفتن، وآخرها ما حصل الأسبوع الماضي حيث اندلعت اشتباكات دموية بين قبيلتي البني عامر والنوبة في محافظة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر، ما أوقع تسعة قتلى.
وقبلها بأيام، جدت اشتباكات بين قبيلة المساليت وبعض القبائل العربية في دارفور غربي السودان أسفرت عن مقتل 48 شخصا على الأقل وإصابة 167 آخرين وتشريد أكثر من ثمانية آلاف عائلة، ما استدعى زيارة عاجلة لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك ونائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو للمنطقة لنزع فتيل الأزمة.
وكانت بورتسودان مسرحا لصدامات عرقية مماثلة في أغسطس الماضي مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 13 شخصا.
ويرجح كثيرون وقوف عناصر من المؤتمر الوطني وحلفائه خلف تلك الاشتباكات التي عادة ما يرتبط حدوثها بحصول اختراق في مسار السلام الصعب الذي تحتضنه حاليا عاصمة جنوب السودان جوبا.