حرب ضروس بين اليوان الصيني والدولار الأمريكي
في موازاة التوتر السياسي بين الصين والولايات المتحدة، تدور حرب ضروس بين اليوان الصيني والدولار الأمريكي، حيث أبرمت بكين السنوات الأخيرة اتفاقيات مع عدة دول لتقليص تعاملاتها بالدولار الأميركي وإضعافه.
ومن الدول التي تماشت مع سياسة الصين في هذا الاتجاه وأبرمت معها الاتفاقيات، روسيا وباكستان وإندونيسيا وبنغلادش وكازاخستان ولاوس، والآن البرازيل.
وأسهمت هذه السياسة في وصول اليوان الصيني لخامس أكثر العملات نشاطا في المدفوعات العالمية.
ويسلط الاتفاق الصيني-البرازيلي الأخير الضوء على مسألة تخلي مجموعة من الدول عن الدولار الأمريكي في العلاقات التجارية الثنائية، واستخدام عملتي الدولتين المحليتين.
لم يعد هذا الأمر مجرد ظاهرة أو حدثاً استثنائياً حيث هناك سعي واضح من قبل بكين وغيرها من الدول إلى التخلي عن الدولار [Dedollarisation] ما يطرح تحدياً كبيراً أمام الاقتصاد الأمريكي.
الاتفاق الأخير مع البرازيل سيتيح للصين، أكبر منافس للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، وللبرازيل، أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، إجراء صفقاتهما التجارية الهائلة مباشرة واستبدال اليوان الصيني بالريال البرازيلي والعكس بالعكس، أي باستخدام اليوان، بدلاً من الاعتماد على الدولار.
خفض الاعتماد على العملة الأمريكية
لقد أدت العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على روسيا منذ بدء الحرب الروسية مع الغرب في فبراير – شباط 2022 إلى تفكير العديد من الدول في خفض الاعتماد على العملة الأمريكية.
في بداية الحرب كما يذكر الجميع، أجبرت روسيا الدول التي تسمّيها “غير الصديقة” على دفع مستحقات الطاقة من غاز وبترول لها بالروبل الروسي. وفي أحيان أخرى، بدا أن هناك توافقاً بين موسكو وشركائها التجاريين الآخرين لإلغاء الدولار من المبادلات التجارية بشكل كليّ أو جزئي.
وهذا ما حدث في حالة الهند التي تتعامل حالياً مع روسيا بالروبية والروبل، والتي أبرمت صفقة كبيرة مع الكرملين يوم أمس الأربعاء، من أجل زيادة كبيرة في تجارة النفط.
روسيا أيضاً أعلنت مؤخراً أنها ستتخلى عن الدولار كلياً في مبادلاتها التجارية الدولية، لا فقط على صعيد المبادلات التجارية الثنائية، وستستبدل الدولار باليوان الصيني.
تحالف اقتصادي صيني سعودي روسي إيراني
في يناير – كانون الثاني الماضي، قالت السعودية، المنتج العالمي الأكبر للنفط، إنها منفتحة على فكرة التداول بعملات أخرى غير الدولار الأمريكي، وهي في مفاوضات مع الصين من أجل استبدال الدولار باليوان.
هناك أنباء أيضاً عن احتمال تأسيس تحالف اقتصادي صيني سعودي روسي إيراني، وعن احتمال انضمام طهران والرياض إلى مجموعة بريكس التي تضمّ خمسة أعضاء حالياً.
كما تخلت الصين عن التعامل بالدولار مع روسيا وباكستان وعدة دول أخرى.
وكثفت دول مثل بنغلادش وكازاخستان ولاوس مفاوضاتها مع الصين لتعزيز استخدام اليوان الصيني في التعاملات التجارية كما بدأت الهند منذ أشهر قليلة في تأمين آلية دفع ثنائية مع الإمارات العربية المتحدة بالروبية الهندي.
الدافع الرئيسي لهذه الخطط هو العقوبات الغربية ضد موسكو وتحرك الولايات المتحدة وأوروبا لعزل روسيا عن نظام الرسائل المالية العالمي المعروف باسم SWIFT وذلك في أعقاب الحرب في أوكرانيا، وهو ما أثار مخاوف من أن يصبح الدولار أداة سياسية علنية بشكل دائم.
كذلك أدى قرار الولايات المتحدة باستخدام عملتها كسلاح سياسي واقتصادي إلى زايدة الضغط على الاقتصادات الدول الآسيوية التي لا تملك نظام دفع بديل وهو ما سيعرض تلك الدول أو غيرها لخطر الإجبار على الامتثال لأي عقوبات أمريكية محتملة ويؤدي إلى خسارتهم للتجارة مع الشركاء الدوليين.
العالم يتغيّر
عندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ موسكو سابقاً هذا الشهر والتقى ببوتين، تسرّب مقطع فيديو قصير له خلال وداع بوتين. خلال الثواني المعدودة، قال شي لسيّد الكرملين الذي يسمّيه دائماً “صديقه المقرّب”، “إن العالم يتغيّر كما لم يحصل منذ 100 عام ونحن [أي بكين وموسكو] نقود هذا التغيير”.
ومع أن الكرملين لم يعلّق على ما قاله شي، ذكرت وسائل إعلام أن ما جاء على لسانه لم يكن من المفترض أن يكون مصوّراً وأن يتسرّب. مع ذلك، يرى خبراء أن الفعل كان مقصوداً بهدف إرسال رسائل سياسية.
الأمريكيون من جهتهم يرون في السعي الصيني إلى وضع اليوان على الساحة الدولية كبديل للدولار، تهديداً كبيراً. وتقول مونيكا كرولي، إحدى المساعدات السابقات لوزير الخزانة في الولايات المتحدة، إن تخلي الاقتصادات الناشئة عن الدولار “سيكون كارثياً على الاقتصاد الأمريكي”.
وتضيف كرولي إن الدولار كان أكثر العملات أماناً منذ الحرب العالمية الثانية، وكان مدعوماً بثلاثة أمور:
- الذهب [الذي تخلى عنه الرئيس السابق ريتشارد نيكسون]
- الاقتصاد الأمريكي القوي
- المبادلات النفطية التي كانت كلها بالدولار
ويبدو أن السعودية تلعب دوراً حاسماً بالنسبة إلى كرولي التي ترى أنه إذا انتهت هذه المبادلات بالدولار، فذلك يعني نهاية عصر الدولار الأمريكي.
ومن أجل توخي الدقة، يجب التذكير أن كرولي مقربة من الجمهوريين وأنها عيّنت في منصبها السابق في وزارة الخزانة من قبل دونالد ترامب، وأنها عملت لفترة طويلة في فوكس نيوز المناوئة للرئيس الحالي جو بايدن.
وتنتقد كرولي السياسة الاقتصادية المالية للولايات المتحدة حيث طبعت الولايات المتحدة “الدولارات بطريقة جنونية” وتقول إن البلاد تواجه عاصفة اقتصادية حالياً، يؤججها النزاع في أوكرانيا وأسعار الطاقة والتكتل الجديد الذي تؤسسه الصين شيئاً فشيئاً.
وتضيف كرولي أن السعودية لو وافقت على التخلي عن الدولار في تجارة النفط ستشهد الولايات المتحدة “ارتفاعاً حاداً في التضخم” مضيفة “إذا كنت تعتقد أن التضخم سيء اليوم، عليك فقط أن تنتظر وسترى”.